عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
السياسة الدولية .. من قتيبة إلى البريكس

السياسة الدولية .. من قتيبة إلى البريكس

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

السياسة في أبسط مفهوم لها هي أساليب تعامل البشر مع بعضهم البعض وبالتالي فالسياسة الدولية هي أساليب محددة لتعامل الدول مع بعضها البعض ، والتي من المفترض أن تكون مثالية ومتوازنة وعادلة لجميع أطراف التعامل ، وهو ما يشكل بيئة التعامل التي نسميها بالنظام الدولي ، و في هذه البيئة، تُعتبر جميع الدول (ذات سيادة) ، وبطبيعة الحياة تكون بعض الدول تكون أقوى من غيرها تحيد بأشكال التعامل على حساب الأضعف ، و توجد عدداً من القواعد غير الرسمية داخل هذا النظام ، تحدد الكيفية التي يجيب ان تسير بها الأمور ، و لكن هذه القواعد ليست مُلزِمة. وقد تواجدت العلاقات الدولية منذ نشأة الدول ، و لكن النظام الدولي المعاصر لم يتواجد إلا منذ بضعة قرون قليلة ، والذي وصل لشكله الحالي كنتيجة مباشرة لتتابع الأحداث التاريخية الهامة.



وقد عرفت البشرية نظام القوة المطلقة منذ آلاف السنين ، وهو ما طوره الفراعنة الذين عرفوا معنى المدنية والتحضر قبل أن يعرفها العالم أجمع طبقا لمواثيق مسجلة على البرديات وجدران المعابد ، واقتبس عنهم الرومان عن الفراعنة كثيرا من نظم التعامل الدولية مما تعلموه في مصر ونقلوه إلى روما وأوروبا قبل ظهور الإسلام بقرون طويلة ، ولكن بظهور الإسلام عرف العالم نظاما دوليا جديدا يتسم بالعدل ونزاهة القوة ، والتي تجلت فيما عرف حتى اليوم .. بأنه أعظم محاكمة في التاريخ ، والتي حكم فيها القاضي المسلم بخروج جيش قتيبة بن مسلم من سمرقند بعد فتحها ، فقط لأنه لم ينذر أهلها قبل دخولها ولم يخيرهم بين الإسلام أو الجزية أو الحرب ، وخرج الجيش المسلم من سمرقند تنفيذا لحكم القاضي ، فأسلم أهل سمرقند وعلى رأسهم كهنة سمرقند ، ليسطر المسلمون في التاريخ أول وأكبر معان احترام الإنسانية وحقوق الإنسان وإرادة الشعوب وسيادة الدول ، وتكررت بمثل هذه الحادثة كثيرا من مشاهد نزاهة القوة واحترام الإنسانية والمواثيق الدولية في عهود سيادة المسلمين للعالم ، وهو ما نجحت الماسونية التي تقود العالم منذ قرون في طمسه وإخفاء معالمه ، بل والادعاء بأنهم أصحاب الفضل في خلق النظام العالمي القائم على احترام حقوق الإنسان السيادة الدولية .

وبضعف الدولة الإسلامية في الفترة بين  (1600 : 1800)م عادت البشرية للخلف خطوات كبيرة وظهر التذبذب والعودة لمنطق القوة المطلقة ولكنها لم تستطع طمس أهم المعاني الإنسانية التي أرساها الإسلام وهي معان الدولة القومية ، ففي القرنين السابع عشر والثامن عشر، أصبحت الدولة القومية هي (الكيان السياسي) المُهيمن على النظام الدولي ، وسيطرت مجموعة من الدول القوية على أوروبا ، وبسبب إرتفاع و انخفاض القوى العظمى ، قامت الدول الأضعف في احيان كثيرة بالتجمع معاً للتصدي للقوى المهيمنة ومنعها من الانفراد بالسيطرة على مقادير الأمم والشعوب الأخرى ، وهو السلوك الذي أصبح معروفاً بإسم الحفاظ على توازن القوى  ، وكانت العلامة المُميَّزة في تلك الحِقبة هي (الحروب المتكررة) و (المنافسة الاقتصادية). و كانت بعض الدول مثل إنجلترا و فرنسا أقوياء خلال معظم العصر الحديث ، و لكن بعض الدول الآخرى مثل إسبانيا و الإمبراطورية العثمانية ، إنكمشوا في القوة بمرور الزمن .

وخلال الفترة من (1800 : 1945)م حدثت تغييرات كبيرة في النظام الدولي حيث  ظهرت الأيدولوجية القومية كقوة كبيرة على الساحة ، مما سمح للدول القومية أن تنمو و تصبح أكثر قوة كما سقطت بالتزامن قوة وهيبة الامبراطوريات العظمى وعلى رأسها الامبراطورية الإسلامية (العثمانية) وكذلك الامبراطورية النمساوية المجرية والقيصرية الروسية ، حيث كانت تلك الفترة مرتعا للمؤامرات قوى المساونية التي صنعت وحدة وخلقت منها رمزا جديدا للبلطجة الأوربية والتي ورطت أوروبا في الحرب العالمية الأولى بهدف القضاء على الوجود الرسمي لكل من الامبراطوريات الإسلامية العثمانية والنمساوية المجرية والقيصرية الروسية ، وكانت أبرز هذه القوى هي القومية الألمانية التي باتت حلما مخططا بيد الماسونية يسعى للسيطرة على أوروبا ، وهو ما نتج عنه وحدة ألمانيا وإيطاليا وخلق دور المحور التي انضمت لها اليابان وتمخض الصراع عن الحرب العالمية الثانية التي قضت تماما على أحلام ألمانيا والامبراطورية اليابانية ، لتظهر القوة العالمية الجديدة المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية أو الحصان الأسود للماسونية والذي سيطر على مقاليد السياسة الدولية تماما ، بداية بقنبلتي هيروشيما ونجازاكي النوويتين ثم إنشاء عصبة الأمم اليهودية الماسونية ثم تحولها لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك ، والتي من المفترض أنها تدير العالم منذ أربعينات القرن الماضي وحتى اليوم بنظام عالمي جديد .

وقد كانت نهاية الحرب العالمية الثانية هي بداية تحولاً حاسماً في النظام العالمي ، فقد أسفرت الحرب عن تبقى اثنين فقط من القوى العالمية الكبرى هما  الولايات المتحدة و الاتحاد السوفياتي ، و على الرغم من وجود بعض الدول الهامة الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا ، و لكن أصبحت تقاس كل دولة بناءاً على علاقاتها مع القوتين العظمتين ، وهو ما سمي بالنظام العالمي ثنائي القطب ، ولكن بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي ، تغير النظام العالمي مرة أخرى ، و تبقت على السطح العالمي قوة عظمى واحدة فقط متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وتوابعها (دول حلف الناتو + إسرائيل) ، مما دفع بعض العلماء بتسمية النظام العالمي الجديد بإسم النظام أحادي القطب ، ولكن هذا لم يمنع من ظهور قوى اقتصادية آسيوية وأوربية تنامت سريعا حتى ظهرت مسميات للنظام الجديد بإسم (النظام مُتعدد الأقطاب) ، وبرغم أنه في المجال العسكري تبقى الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة أقوى جيش في العالم وهو ما يدعم مسمى (النظام أحادي القطب) ، ولكن نقاط ضعف الاقتصاد الأمريكي بالنسبة إلى لكثير من دول العالم ، تضفي مصداقية أكبر على فكرة (النظام مُتعدد الأقطاب) ، خاصة في وجود اقتصاد عملاق يرتكز على القوى البشرية والتقدم العلمي والتقني مثل الاقتصاد الصيني .

وببداية القرن الحالي ظهر بقوة الحاجة لتكتل اقتصادي يواجه الاجتياح الأمريكي والغربي لاقتصاديات العالم خاصة في ظل الاتفاقات الدولية التي أجبرت عليها معظم دول العالم جعلت من الدولار الأمريكي هو العملة الأهم والأخطر وعماد الاقتصاد العالمي ، وهو ما سارع بتنامي فكرة دول البريك أو الدول الأسرع نموا ، حيث ولدت الفكرة في مطلع القرن الواحد والعشرين وتحديدا في عام 2002م ، والتي لم ترى حيز التنفيذ إلا في عام 2008م ، وقد تكونت مجموعة البريك من الصين وروسيا والبرازيل والهند وانضمت لهم جنوب أفريقيا في عام 2010م ليتغير مسمى المجموعة إلى (البريكس) ، وبإنشاء البنك الخاص بالمجموعة ظهرت القوة الحقيقية وخطورة المجموعة على اقتصاد القطب الأمريكي (الماسوني) ، وهو ما أصبح مصدر القلق الأكبر والأخطر لأمريكا والغرب ، خاصة في ظل محاولة بريطانيا للخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي ، والرفض الفرنسي للخضوع للسياسة الأمريكية ، والأحلام الألمانية الأسيرة في عباءة الناتو ، وهو ما ترك الولايات المتحدة الأمريكية مضطرة لمواجهة التمرد الكوري الشمالي وحدها .

ولا شك أن العالم اليوم يموج بمتغيرات سياسية بصبغة اقتصادية وعسكرية حادة ومتقلبة قد تغير موازين القوى لقرون قادمة ، خاصة لو ضحت (الماسونية) بأمريكا طبقا لمخططها للحرب العالمية الثالثة لاستعادة السيطرة الكاملة على العالم ، والذي يعرقله ظهور أطراف مؤثرة في المعادلة الدولية لم تكن في الحسبان مثل كوريا الشمالية كقوة مارقة على النظام الدولي ، ثم أخيرا مصر كقوة متمردة نفضت عنها غبار السيطرة وأسقطت أخطر مراحل السيطرة الماسونية على قلب العالم الملقب بالشرق الأوسط ، بل والأخطر أن مصر تتنامى قواها الشاملة بسرعة وثبات يزعج قوى الماسونية التي ما زالت تلهث جاهدة حالمة باستعادة مسار مخططها بإسقاط مصر بأي ثمن وبشتى الوسائل ولو غير مشروعة ، خاصة بعد تزعم مصر التصدي وفضح الأطراف الماسونية الراعية للإرهاب ، ومحاولات الغرب المستميتة لإنهاء الأزمة القطرية دون خسائر تؤثر على مصداقيتها مع عملائها ، ولذلك لا عجب أن تكون مصر مدعوة من مجموعة البريكس بل وتخرج منها بصفقات واتفاقات بأضعاف المعونة الأمريكية المعلن قطعها ، ولا عجب أيضا أن تستقبل مصر رئيس كوريا الشمالية في أول زيارة من نوعها في التاريخ الحديث ، فيما يسمى بلعبة توازن القوى ، وهو ما يعيد للأذهان ما يطلق عليه بعض المراقبين (الاصطفاف الدولي للحرب العالمية الثالثة) ، والتي لو حدثت فربما تكون كارثية على البشرية جمعاء ، وهو ما تحاول كثيرا من القوى العاقلة وعلى رأسها مصر تجنبه ، ولكنه في النهاية هو الخيار الصفري للماسونية إذا تأكد لها فشلها في استعادة السيطرة الكاملة على مقدرات العالم والتي ما زالت تفقدها يوما بعد يوم بتسارع أكبر من حدود تخيلات أباطرة الماسونية في الغرب والشرق .

أخيرا .. هل سيظل البشر أسرى لأطماع وشهوات السيطرة بلا حدود توقف نزيف الدم البشري ، وهل يستطيع الإنسان مواجهة ضلالاته وبهتان نفسه من أجل إنقاذ البشرية مما تعانيه من ويلات سياسات التعصب والتآمر  ، أم أن الحقيقة أننا نقترب من نهاية الوجود البشري لآخر سلالات الإنس على الأرض كما تقول مختلف النبوءات التي يعرفها جيدا عتاة الماسونية وعقولها المدبرة ، هذا ما سوف تحل شفرته سياسات البشر في السنوات القادمة ...

جمال عمر

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز