عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
محطات سفر (5 )

محطات سفر (5 )

بقلم : د. طه جزاع

  المحطة الخامسة :



في الليلة الأخيرة بمدينة قونيا ، اصطحبنا صديقنا المقيم فيها منذ ثلاث سنوات بجولة في عدد من أحيائها السكنية الحديثة ومعالمها العمرانية ، كما زرنا مراكز التسوق  الكبرى في هذه المدينة التي كنا نقرأ عنها بوصفها مدينة موغلة في القدم يرجع تاريخها الى نحو سبعة آلاف عام قبل الميلاد ، ثم أصبحت في زمن لاحق عاصمة للسلاجقة قبل الغزو المغولي ، وموطناً للروحانيات والفرق الصوفية ، حتى صارت مقصداً للكثير من المتصوفة الذين جاءوا اليها من مختلف أطراف العالم الاسلامي القديم ، وبالأخص من بلاد فارس ، وكان أبرزهم جلال الدين الرومي الذي قدم اليها من مدينة بلخ ، وقدر لقونيا منذ وصوله اليها أن ترتبط بأسمه ، وأن يرتبط اسمه بها على مر الزمان وتعاقب الأيام . وعندما يعتمد السائح على معلوماته التاريخية والروائية وحدها ، ويستند الى خياله المستمد من تلك القراءات ، فأنه سيتخيل قونيا قرية مثلما كانت أيام الرومي ، غير انه يفاجأ بأن كل ماقرأه عنها هو مجرد تاريخ قديم ، ويدهش للنهضة العمرانية والحضرية في هذه المدينة التاريخية التي توسعت وصارت مدينة عصرية لا تقل سعة وتطوراً عن اسطنبول ، مع ميزة اضافية انها تحتضن مرقد جلال الدين الرومي ، حتى باتت تعرف بأسم مدينة ( مولانا ) . وفي مطارها الصغير ، كان طعم القهوة التركية وبعض التذكارات الصغيرة التي اقتنيتها من سوق المطار ، هي آخر ما ترسخ في الذاكرة ، قبل أن تقلع بنا الطائرة لنلقي من نافذتها نظرة وداعية على قونيا ، ونحن في طريقنا الى طرابزون مروراً بأسطنبول .

لم أجرب سابقاً ، أن أقوم بحجز الكتروني عبر الأنترنت للسفر جواً ، فأستعنت مرة أخرى بولدي في بغداد ليبحث لي عن خطوط جوية توصلنا من قونيا الى طرابزون  ، المدينة التي تُعد بموقعها الجغرافي جسر وصل بين القفقاس وآسيا الوسطى والغرب ، فأعلمني ان جميع الخطوط ليس لديها رحلات مباشرة بين المدينتين ، ومنها الخطوط الجوية التركية ، وكذلك الخطوط الأهلية مثل بيغاسوس ، وأطلس جت ، وسن إكسبرس ، وإن كل الرحلات لابد أن تمر عبر اسطنبول ، وهذا معناه قطع مسافة 460 كيلومتراً بين قونيا وأسطنبول ( مطار صبيحة كوكجن ) أولاً ، ثم مسافة أخرى تزيد على الألف كم (  1069 كم ) هي المسافة بين اسطنبول وطرابزون ، وبالنتيجة يتوجب علينا قطع مايزيد عن 1500 كم جواً في رحلتين ، وبما يزيد على  الثلاث ساعات ونصف ، لنصل الى جوهرة السياحة التركية على البحر الأسود .

يطل مطار طرابزون الصغير على البحر الأسود ، وتهبط الطائرات فيه على مدرج بجوار البحر تماماً ، وفي اللحظة الأولى لنزولنا من الطائرة شعرنا بإختلاف الطقس ، فقد غادرنا اسطنبول وطقسها المشمس الحار نهاية تموز ، ليستقبلنا في طرابزون طقس غائم يزداد لطفاً كلما لامس وجوهنا رذاذ المطر الخفيف بين آونة وأخرى ونحن نمشي مسافة قصيرة على أرض المطار لنصل الى بواباته من دون حاجة الى باصات تقل المسافرين كالعادة بعد نزولهم من الطائرة كما في الكثير من المطارات التي لا يتوفر فيها خرطوم الدخول المباشر الى الطائرات . وكانت المفاجأة عند دخولنا بوابة المطار الصغير تتمثل بوجود الكثير من الاعلانات باللغة العربية حتى لتشعر بإنك وصلت مدينة عربية !

اعلانات سياحية متنوعة للسائحين العرب ، وغالبيتهم من الخليج ، وبالذات من السعودية والامارات ، اعلانات فنادق ، وشقق مفروشة ، وسيارت أجرة ، وسياحة ، وأسواق  ، وهناك اعلان كبير لمستثمر خليجي يضع صورته الى جانب مشروع سكني فخم مع عبارة ( تملك معنا على البحر الأسود ) ! وعلمت لاحقاً ان الكثير من المواطنين الخليجيين قد تملكوا عقارات في طرابزون والمناطق السياحية القريبة منها مثل منطقة آيدر وبحيرة أوزنجول وغيرهما ، وإن عدداً منهم قد اتخذها سكناً ، واستثماراً ، وتجارة ، وعملاً  ، وهناك العديد من المشاريع السكنية الحديثة التي تقدم امتيازات مشجعة ومنها الحصول على الأقامة ، أو التقسيط الميسر لأسعار الشقق والفلل والشاليهات . ومثلما حدث في الليلة الأولى لوصولنا قونيا فأن الفندق الذي حجزته عبر الانترنت وأخترته وسط المدينة ( الميدان ) كان متواضعاً على الرغم من سعره المرتفع نسبياً ، فأستبدلته في اليوم التالي بفندق قريب آخر أكثر راحةً ، وأكثر قرباُ الى ساحة الميدان التي هي قلب المدينة ، ورئة الحركة والنشاط فيها ، وفي الميدان تنتشر المطاعم ومكاتب السياحة التي تنظم جولات يومية لاستكشاف معالم طرابزون ، مثل جامع- كنيسة آيا صوفيا ( لأول مرة أعرف ان هناك كنيسة أخرى بهذا الأسم غير تلك الشهيرة في اسطنبول ) ، وكذلك قصر أتاتورك في المدينة ( في كل مدينة تركية لابد من وجود قصر أو بيت أو متحف أوساحة أو بارك أو تمثال لأتاتورك ) ، أو المدن السياحية القريبة منها ، أو الذهاب الى مدينة باتومي في جورجيا ، حيث يستطيع السائح من كل الجنسيات الذهاب والعودة في اليوم نفسه الى دولة جورجيا المجاورة ، باستثناء مواطني سوريا والعراق !

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز