

د. شريف درويش اللبان
.. وسقطت دولة "الخرافة"..! (11)
بقلم : د. شريف درويش اللبان
كيف سقطت داعش؟، الإجابة لا تكمن في حرب تحرير الموصل، ولكن الحرب بدأت قبل ذلك بكثير، فالحرب ضد التنظيم الإرهابي بدأت بتفكيك بنيته الاتصالية والإعلامية. إن حجر الزاوية في الحروب الحديثة هو البدء بتفكيك البنية الاتصالية والإعلامية للعدو أياً كان، وهو ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في حربها على كوسوفو والعراق، وهو ما كانت تحرص عليه إسرائيل في عدوانها على غزة. إن ضرب البنية الاتصالية والإعلامية يشل حركة أية تنظيم أو جيش نظامي أو دولة، ويفقدها الاتصال بين قواتها من جهة، وبين القوات ومراكز القيادة من جهة أخرى، وهو ما يؤدي في النهاية إلى الانهيار.
وقد بدأت الحرب بخنق تنظيم "داعش" على شبكات التواصل الاجتماعي؛ فعندما استشعرت مثلا الحكومة العراقية الحالية الخطر بسبب تأثير "داعش" على الساحة الإلكترونية حاولت قطع الإنترنت فى منتصف شهر يونيو 2014 عن البلاد، أو بالأحرى حجبت لفترة مواقع التواصل مثل فيس بوك وتويتر ويوتيوب وسكايب وفيبر، لكن أعضاء التنظيم وجدوا لهم مخرجاً بتحميل تطبيق آخر مخصص بالأساس للتليفونات الذكية، كان أعضاء التنظيم قد عملوا على تطويره. وفى شهر أبريل من العام نفسه، أعلن داعش عن كونه أول تنظيم جهادى يصمم تطبيقاً مجانياً يسمح بنشر التغريدات التى وافق عليها مدراؤه الإعلاميون، و هو "فجر البشائر"، لكن سرعان ما قام موقع "جوجل" بحذفه. كذلك قامت إدارة "تويتر" بإغلاق عديد من الحسابات التى تدعم داعش وتروج لها، حتى لو لم يتبنها التنظيم رسمياً.
ويعكس الإنترنت أيضاً على الجانب الآخر خلافات داخلية بين الجهاديين ويضم تصفية حسابات بين الأطراف تصب فى النهاية لصالح المتلقى، فقد ظهر "ويكى بغدادى" على ساحة تويتر ([email protected]) ليعلنها حرباً شعواء على داعش، ويحاول كشف المستور من خلال تسريباته التى لا يمكن الحصول عليها سوى من الداخل. لذا يرجح البعض أن يكون صاحب التغريدات من المنشقين عن التنظيم أو ضمن المراقبين للوضع عن كثب وبدقة. ومنذ ظهوره فى 10 ديسمبر 2013 على تويتر، استطاع أن يجذب أكثر من 36 ألف متابع، و قد اتخذ لنفسه نهجاً تشويقياً فيسجل مثلاً "عاجل" أو "قريباً"، وكأنه يعطينا الأخبار بتسلسل درامى متعمد، عندما تحدث مثلاً عن العلاقة بين داعش والبعثيين وجماعة النقشبندية، أو كشف عن لقاء بين ممثلين عن عزة إبراهيم الدورى وآخرين عن "أبو بكر البغدادى" أو حين نشر بعض تفاصيل السيرة الذاتية للبغدادي.
وعلاوة على ذلك، فقد وجدنا على الفيس بوك DaashNews وهى خدمة إخبارية من شبكة أموي مباشر ترصد أخبار الخوارج #داعش_نيوز
وجرائمهم وانتهاكاتهم بحق مجاهدي الشام والعراق وحساب هذه الخدمة على تويتر هو: https://twitter.com/Daash_News ، وقد انضمت هذه الخدمة إلى فيس بوك في 12 من يناير 2014. كما وجدنا على تويتر حساب آخر بعنوان: "داعش مباشر على تويتر" https://twitter.com/Daish_OnLine، وهو "حساب متخصص في رصد أخبار وجرائم داعش وفضح أكاذيبهم ومساعدة العاملين على ذلك" على حد تعبير صاحب الحساب.
وقد دعت واشنطن يوم 28 اكتوبر 2014 حلفاءها إلى مواجهة الحرب الإعلامية التي يقوم بها هذا التنظيم المتطرف على الإنترنت وخاصةً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهي خطوة يمكن وصفها بالمتأخرة جداً. وجاءت الخطوة الأمريكية في أعقاب عقد مؤتمر محاربة تنظيم "داعش" في الكويت الذي ركز على المحاصرة الإلكترونية للتنظيم.
وما يثير التساؤلات بشأن هذه الدعوة أن هذه التطبيقات والأنشطة جميعها تُدار على محركات خوادم غربية وأمريكية تحديداً، وبمعرفة واطلاع وكالة الأمن القومي الاميركي. وقد كشف عنها موظف وكالة "ناسا" التابعة للأمن القومي "سنودن"، بالإضافة إلى كشف برامج وكالة الاستخبارات للتجسس وأبرزها “بريزم Prizm "عام 2013؛ حيث ذكر "سنودن" أن وكالة الأمن القومي الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI لهما القدرة على الوصول مباشرة إلى الخوادم المركزية Servers للشركات الأمريكية الرئيسة التسع للإنترنت من خلال برنامج سري للغاية يسمى Prizm “ بريزم” الذي يستخلص الصوت والتسجيلات المصوّرة والصور ورسائل البريد الإلكتروني والوثائق وسجلات الاتصال.
وقد أكدت صحيفة " ديلي تليجراف" The Daily Telegraph البريطانية ضرورة التعامل بجدية مع تصريحات رئيس مركز الاستطلاع والاتصال السري للحكومة البريطانية في "شلتنهام"، التي يشدد فيها على توقع مزيد من التعاون من شركات الإنترنت، في الحرب على تنظيم داعش. ولا تتعلق قضية رقابة الإنترنت بالتخطيط لهجمات إرهابية بقدر ما تتعلق بمسألة استخدامه لنشر وجهات نظر الجهاديين عن طريق بث أشرطة الفيديو التي تبين أفعالهم.
وقالت الصحيفة إن مركز "شلتنهام" ظل أحد الأسرار الرسمية لوقت طويل، ومن النادر أن يتحدث مديره أو يطلق تصريحات، وهنا تكمن أهمية تعليقات الرئيس المعيَّن للمركز، روبرت هانيجان، عن ضرورة قيام شركات وسائل الإعلام الاجتماعي بتقديم المساعدة في المعركة ضد الإرهاب. وقال هانيجان إن شركات الإنترنت العملاقة، مثل تويتر وفيس بوك وواتس آب، أصبحت "شبكات قيادة وسيطرة، للإرهابيين والمجرمين"، لافتًا أن المديرين التنفيذيين الذين يديرون هذه المنظمات يعيشون في حالة إنكار للطريقة التي تُستخدم بها شبكاتهم لأغراض شريرة.
وأوضح هانيجان أن عدد الجهاديين المرتبطين بداعش زاد نتيجة استخدام الإنترنت، وتمكنوا من استغلال قوته لإنشاء شبكة شبه عالمية واسعة، وبهذه الطريقة يمثّلون، على عكس أسلافهم، تحدياً جديداً، تجد الحجج التقليدية حول حرية التعبير صعوبة في التصدي له.