عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصالحة ليست مصافحة

مصالحة ليست مصافحة

بقلم : أيمن عبد المجيد

لماذا رفع الفلسطينيون في قطاع غزة صور الرئيس عبد الفتاح السيسي؟



ولماذا تزينت شوارع القطاع بـ«بنارات» تشكر مصر، خاصة جهاز المخابرات العامة ؟

دعنا من أن هذا المشهد العظيم، اعاد القطاع لحضن فلسطين، ويؤكد للمرجفين في وطننا العربي أن مصر كانت ومازالت وستظل حاضنة للشعب الفلسطيني، والاكثر حرصًا على مصلحة أشقائها، وليس أدل على ذلك من أن الوطن العربي، بات أكثر قدرة على إنجاز حلول سياسية للقضايا العالقة، بمجرد انشغال قطر في نفسها وكف مؤامراتها الداعمة للإرهاب.

لماذا خرجت حشود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تحتفل بما أنجزته مصر على طريق المصالحة؟
للإجابة على هذا السؤال دعني أصطحبك إلى حي الشجاعية بقطاع غزة، نهاية ديسمبر 2014، لتشاهد معي مشاهد عايشتها رؤي العين خلال تغطيتي لأثار العدوان الاسرائيلي علي القطاع، فهيا بنا نشاهد:

أطنان من الركام، تشبعت بالدماء، احتضنت أشلاء الشهداء، منازل وعمارات، باتت أثرًا بعد عين، خلفها العدوان . كلما نظرت حولك فثمة حطام، و وجوه من بقي على قيد الحياة تتحد المحتل، رغم البؤس والمعاناة والغضب المكتوم.

هذه أسرة دمرت صواريخ الاحتلال منزلها، وتلك عائلة نجا منها شاب واستشهد باقي أفرادها التسعة، وثالثة تجري يائستًا من القصف، . في كل متر مربع قصة تستحق أن تروى، غير أن المشترك بين المدمرة بيوتهم، وفاقدي أسرهم، لافتة على حطام كل بيت، كتب عليها كلُّ فرد اسم عائلته، ووضع بجوارها علم فلسطين..

في غزة عمومًا، وفي الشجاعية خصوصًا، حجم الدمار واضح، رائحة البارود المتصاعد من بقايا القذائف تزكم الأنوف، ودخانًا ما زال يتصاعد من بين الركام، رغم مرور أسابيع على توقف القصف، جريمة حرب بلا أدنى شك ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين.

91 عائلة فلسطينية في غزة أُبيدت عن بكرة أبيها، حذفت من السجلات المدنية، بإجمالي 532 شهيدا من أفرادها، وألفين و149 شهيدا في كامل القطاع. 18 ألف منزل تم هدمها كليًا، و41 ألفا هدمت جزئيا، لم تسلم المساجد من المجزرة فهناك 71 مسجدا دمر بصواريخ الاحتلال بشكل كلي و109 بشكل جزئي، 16 سيارة إسعاف اُستهدفت ودمرت، ومدارس تابعة للوكالة الدولية لإغاثة اللاجئين قصفت، فاستشهد فيها 40 فلسطينيًا.

جريمة الاحتلال ليست في حاجة إلى دليل، لكن الغاضبين من أبناء فلسطين بقطاع غزة لم يتمالكوا أعصابهم، فانفجر غضبهم صوب حركة «حماس»، مطالبين أبو مازن بأن يتحمل مسؤوليته كرئيس لإنقاذهم من التشرد، وانتشالهم من هذا الوضع السيّئ، متسائلين عن جدوى ثلاثة حروب متتابعة، أعوام 2008 و2012 و2014.

كانت الأسر تعيش في مخيمات ومدارس في العراء، بينما دول مثل قطر، تتاجر بآلامهم عبر جزيرتها العميلة، ، تتجاهل المعتدي المحتل، وتلقي باللوم على مصر، مدعية أنها تحاصر غزة بغلق المعابر، بينما الحصار الحقيقي، يقف خلفه العدوان المسؤول - وفق القانون الدولي - عن القطاع، والقيادات الفلسطينية التي أحدثت شروخًا في جدار وحدة الشعب والقرار، بما مكن العدوان وأذرعهم الخفية، وفي مقدمتها النظام القطري، من المرور من تلك الشروخ لتحقيق أهدافهم .

رياض عمر العجلة، أحد الذين دمرت بيوتهم في الشجاعية، وأحد عشرات تحدثت معهم، قال لي: «إحنا اللي احتضنا المقاومة، واليوم بيقولوا انتصرنا، طيب وايش صار بينا، دمُرت بيوتنا ولا حدا سائل فينا، بدناش كوبونات من حكومة حماس بعشرين شيكل، بدنا أبو مازن يشوف لينا حل يبني بيوتنا، بدنا نعيش وولادنا تروح المدارس، أنا مش شحات يوزعوا عليّ كوبونات فول وفلافل، بيتي ثمنه نصف مليون دولار دمّر، وعربياتي تبع النقل دمرت، بدنا ينتهي الصراع ويعمر لنا أبو مازن بيوتنا ويشوف لنا حل».

ماذا فعل أبو مازن، وماذا فعلت حماس، وماذا فعلت قطر والمتاجرون مثلها بآلام الشعب؟!

أبو مازن سعى لإعادة الإعمار بمؤتمر دولي، تشدقت فيه قطر بشعارات رنانة ووعود زائفة، لم يتم الإعمار وظل الشعب يعاني، وحماس سارت في طريقها، فما كان يجرى من مفاوضات لتوحيد الصف برعاية قطر وغيرها لم يكن يعدو كونه مصافحة، أمام الكاميرات بلا أثر فعلي على الأرض ببساطة لأن رعاة تميم ومحركيه، يستهدفون استمرار الانشقاق الفلسطيني لإضعاف موقف السلطة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال.

ببساطة كان الشعب الفلسطيني بين مطرقة عدوان الاحتلال وآثاره، وبين سندان انفصال حماس والانشقاق الفلسطيني وتبعاته.

كان رهان أعداء العروبة، على تقسيم الوطن العربي، وتفتيت دوله، ومصر بينها، لتنشغل كل دولة بداخلها وأزماتها، وتضيع القضية الفلسطينية كإبرة في ركام الصراعات الإقليمية.

استعادت مصر قوتها، ونفضت عن جسدها غبار معركة القرن، خرجت منتصرة موحدة سالمة معافاة من جروح مؤامرة هدم الدولة، التي أصابت دولا عدة مثل: «ليبيا، سوريا، اليمن، العراق».

أدركت الفصائل الفلسطينية الحقيقة ان مصر هي الشقيقة الكبرى، الحريصة على وحدة الصف الفلسطيني، هي التي بذلت دماء شهداءها دفاعًا عن القضية الفلسطينية منذ 1948، والأقدر على التأثير دوليًا لخدمة القضية، مصر يحركها عقل نظامها ومؤسساتها وليس أحدًا آخر، وقبل كل هذا فلسطين جزء من أمنها القومي، وجار بوابتنا الشرقية، استقرارها وبسط نفوذ حكومة الوفاق الوطني يكف عن سيناء أذى المتسللين من الإرهابيين.

نجحت الجهود المصرية في استعادة اللحمة الفلسطينية، بوادر مبشرة، الرئيس السيسي يتحدث للحكومة الفلسطينية خلال اجتماعها في غزة، ورئيس المخابرات المصرية اللواء خالد فوزي، حاضر لتذليل أي عقبات، وتقريب وجهات النظر بشأن أي خلافات، لضمان نجاح المصالحة.

القوى الفلسطينية كافة بلا استثناء تشيد بمصر، الشعب الفلسطيني يرفع لافتات الشكر..

لماذا؟ لأنه من ذاق مرارة وآلام الشقاق، ودفع فاتورة القرار الفردي المتسرع، و بات في العراء بلا طاقة ولا كهرباء، وهو من يشعر الآن بأثر ما فعلته مصر من أجله، في السابق حيث الدعم وعلاج المصابين والمرضى، وتقديم الهدايا التي تخفف المعاناة، والدعم بالكهرباء والوقود، ببساطة لأن الشعب الفلسطيني في رام الله وغزة يعلم أن مصر حكومة وشعبًا، قضيتة الأولى على أجندتة الخارجية هي إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

مع كل تقارب باتجاه المصالحة بين فتح وحماس، كانت تخرج إسرائيل تهدد السلطة الفلسطينية من مغبة ذلك، لم تفعلها هذه المرة، لأن مصر ممسكة بخيوط وأبعاد القضية، وأجرت تفاهمات مع ترامب لإشراك أميركا في الضغط على إسرائيل للوصول إلى حل سلمي.

إنها مصر يـا عرب، أمنياتنا أن تُخلص كل الأطراف نواياها، وتقفز على الخلافات، وأن تدرك أن ما ترعاه مصر الآن هو «مصالحة» حقيقية، وليست «مصافحة» كما كان يحدث في لقاءات رعتها أطراف أخرى، والأهم أن المصالحة ما هي إلا خطوة توحد الموقف والقرار الفلسطيني للذهاب موحدين لهدف أكبر وهو مفاوضة المحتل لإقامة الدولة الفلسطينية التي تسيطر على حدودها وترعى شعبها.

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز