عاجل
الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
احتفالات أكتوبر بإنجازات.. لا شعارات

احتفالات أكتوبر بإنجازات.. لا شعارات

بقلم : أيمن عبد المجيد

كان أبي عافاه الله، يروي لي في صغري، كيف شارك في حرب اليمن، وفي 67، وكيف كان ألم الانكسار، وروعة الانتصار في أكتوبر 73، "جيشنا أقوى جيش بإرادة وعقيدة مقاتليه وعزيمتهم التي لا تلين، جيش مصر لم يُهزم في 67 لأنه لم يحارب، وعندما استعد في أكتوبر 73، أعطى العدو درسًا لن ينساه"،هكذا كان يقول.



 في ريف مصر، الفلاحون يفتخرون بما حققوه من بطولات في المعركة، تجدهم دائمي التذكر لبطولاتهم في حكايات سمرهم، لكن هناك في الحقول كان جهادهم، يشقون الأرض لتنبت الخير لمصر وأسرهم، "أبناؤنا هم زرعتنا في الحياة"، هذه هي عقيدتهم التي لا تقبل التبديل، ومع مر السنين والجهاد في ساحة العمل والإنتاج وتربية الأبناء، يشارك فخرهم بالنصر وحكاياتهم، فخرهم بالنصر في ساحة العمل، فتجد كل مزارع أو موظف أو مهندس، وغيرهم من العاملين المكافحين، يفتخر بابنه أو ابنته المتفوقة، يحكي كيف نجحت بتفوق، وكيف حققت حلمه .. وفي عقلي غرس أبي منذ صغري عقيدة المقاتل، كل واحد ممكن أن يكون بطلًا ومقاتلًا يحقق الإنجاز في مكان عمله، الطالب يذاكر وينجح، والفلاح يزرع ويجني، والأب يعلّم أولاده كي ينفعوا أنفسهم وبلدهم،عندما اشتد عودي، ومع كل احتفال بانتصارات أكتوبر، كنت أشاهد أفلامًا تلفزيونية مكررة، وأغاني "بالأحضان يا حبيبتي يا سينا بالأحضان"، كنت أتساءل أين سيناء، فلا رحلات مدرسية ذهبت بنا إليها، ولا برامج تلفزيونية أو أفلام تحكي واقعها الآن!

مرت السنوات، درست الإعلام، قررت امتهان الصحافة.. "مهنة البحث عن المتاعب". في أغسطس 2011، بدأت البحث عن الإجابات بنفسي، سافرت للقاء سيناء معشوقتي، التي أحببتها، من حكايات الآباء والأجداد وما يرويه أبطال حرب أكتوبر عنها قادة وجنودًا، في لقاءات مباشرة أو متلفزة، أسبوع قضيته تحقيقات، "سيناء ثلاثون عامًا من التحرير.. في انتظار التعمير"، كان هذا عنوان السلسلة، التي امتدت إلى 16 حلقة، اعتصر قلبي الألم، ففي شرق مصر ثقوب تهدد أمنها، "1200 نفق"، كان هذا الرقم ضمن عنوان الحلقة الأولى، وفي أرضها التي رويت بدماء الشهداء، يزرع الخارجون عن القانون مخدرات، تستهدف وعي شبابها، وهناك عند "بئر العبد"، توقفت ترعة السلام وجفت مياهها، وفي جبل الحلال وشمال سيناء، تلقى بذور التطرف وتتشكل الخلايا الإرهابية، لمَ لا وقد ظهر حاملو الرايات السوداء يحاولون تحطيم تمثال الشهيد البطل محمد أنور السادات، الشامخ في ميدان الرفاعي بالعريش. يومها كتبت عبارات جارحة، من وقع الألم، الذي تضاعف مع وصول تنظيم الإخوان للحكم ورعايته لمزارع الإرهابيين في سيناء وفي استاد القاهرة، حيث جلس قاتلو السادات في الصفوف الأمامية، ففي سيناء يحاولون تحطيم تمثاله، وفي القاهرة يكرمون قاتليه.

هكذا أشعر بالأمل والفخر، فهناك شيء يتغير في مصر، الاحتفالات بنصر أكتوبر عن طريق الإنجازات المتحققة على الأرض، افتتاح مشروعات، لا الشعارات والأغنيات التي كانت تتكرر مع كل ذكرى للانتصار .. هناك في "المنارة" مركز المؤتمرات والمعارض الدولية، شرفت بحضور حفل الافتتاح، وعلى مسرحه احتفلت القوات المسلحة المصرية، بذكرى الانتصار بالندوة التثقيفية الـ26، كُرم الزعيم البطل أنور السادات، وبحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، تحدثت زوجة الزعيم الراحل، روت جزءًا من أجواء حسم القرار، وبطولات الراحل وجيش مصر، ذهب من حاولوا تحطيم تمثاله، ومن كرموا قاتليه إلى مزبلة التاريخ، وبقي البطل الوطني أسدًا في عرين أبنائه وأحفاده أبطال جيش مصر.. وبالأمس، في حفل تدشين الرئيس عبدالفتاح السيسي، لمشروعات بالعاصمة الإدارية الجديدة، بات واضحًا للعيان أن مصر الحديثة، نفضّت عن ثوبها غبار سنوات طوال، وبدأت طريق التنمية، تحتفل بافتتاح المشروعات العملاقة والإنجازات، ألقت خلف ظهرها لغة الشعارات.

مصر الضاربة بجذورها في عمق تاريخ البشرية، صاحبة حضارة 7 آلاف عام، توقفت عن مجرد الفخر بحضارة الأجداد، وبدأت فعليًا في تدشين دولة عصرية، تقضي على العشوائيات، وتؤسس عاصمة ذكية، تراعي جودة الحياة، وتوفر الخدمات التكنولوجية.. تفرغ الكثافة السكانية بتوسعات أفقية بمدن جديدة، لا بأدوار إضافية فوق العمارات، تحل أزمات المرور بتوسعات عمرانية، لا مجرد كباري وأنفاق تحت الأرض.

 بالأمس قال الرئيس عبدالفتاح السيسي: "نخطط لجيل جديد من المدن، وبدأنا بالفعل بـ 13 مدينة ليس في العاصمة الإدارية فقط بل في كل المحافظات، والتخطيط وصل حتى أسيوط"، فتشعر بالأمل، لأن مصر الآن تدار وفق رؤية سياسية وتنموية، تقوم على وعي وإدراك للمشكلات والتحديات، وتقدم الحلول الجذرية، لا القشرية.

وبالعودة إلى العامل البسيط والمزارع متوسط المساحة الزراعية بريف مصر، ترى ماذا كان يفعل في السنوات الماضية، يجتهد من أجل تعليم أبنائه، ثم تأتي مرحلة زواجهم، فلا يجد سكنًا مناسبًا، يحاول الحصول على ترخيص بناء، فلا يستطيع، فكردون المباني وقف وتجمد عند التصوير الجوي للعام 1985، احتياجات المواطنين تتزايد، والنمو السكاني يتضاعف، والدولة عقلها متوقف عن تلبية السلع التموينية والاحتياجات اليومية فقط، فماذا حدث على أرض الواقع، المواطن سبق الدولة، بناء عشوائي على الأرض الزراعية، من يحتاج قيراطًا، بوّر نصف فدان واضطر لبيع النصف الآخر ليبني ويزوج أبناءه، الذين تخرجوا ولم يجدوا فرصة عمل، المواطن كان مجبرًا، فالدولة لم تراع احتياجاته.. استشعرت وعي الحكم الآن بعمق المشكلات، عندما قال الرئيس: "الحركة العشوائية تسبق الدولة، عندما يتوقف النمو، المواطن يفعل ذلك، دون قصد طبعًا"، وأضاف الرئيس، نسعى "لاستدامة النمو ".. عبارة جامعة مانعة، فالنمو السكاني مستمر، والحاجة متضاعفة، ومن ثم عقل الدولة اليقظ يجب أن يسبق احتياجات النمو، حتى يحول وهو يقتلع جذور العشوائيات الحالية، دون إنشاء عشوائيات جديدة. قالها الرئيس أيضًا: "كل شيء لدينا أولويات، لا مؤجلات، البلد تنبض بالحياة، وأولوياتنا كلها يجب أن تنبض بالحياة".. عبارة تحمل الكثير من المعاني، فالحاجة للسكن لا تعني تأجيل إصلاح منظومة التعليم أو الصحة، فالتنمية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز