عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سورة الكرسي.. صورة «العدرا»
بقلم
سعد حسين

سورة الكرسي.. صورة «العدرا»

بقلم : سعد حسين

«عم سلمان المستورد»، هكذا كنت أنادي وجميع أهل قريتي، عم سليمان المسيحي، الذي جاء وأسرته إلى قريتنا، قادمًا من قرية مجاورة.. ولذلك أطلقنا عليه «المستورد».



«خالتي أم تواب»، زوجة عم سلمان، تقوم بعمل الخميرة وتوزعها مجانًا على أهل القرية.

ولمن لا يعرف الخميرة، فهي «عجين» من الدقيق، يُحضّر بشكل معين، ويوزع قطعًا صغيرة؛ ليستخدم في تحضير العيش الشمسي.. الذي يشتهر به الصعيد.

ظلت «خالتي أم تواب» تقوم بتوزيع الخميرة على البلد بأكمله، وتتكلف «كيلة» دقيق أسبوعيًا.

لي مواقف مع أسرة «عم سلمان».. الأول: «باجور» الجاز أشعل النار في منزله.. وزوجته تستغيث وتصرخ لتنبيه القرية بالحريق.. كنت جالسا أمام منزلي، وشاء القدر أن أكون أول من يصل لمنزل «عم سلمان»، وقبل أن يصل أحد للمنزل مسكت «زير»- إناء كبير من الفخار تحفظ فيه المياه ليتم تسقيعها- وتمكنت من السيطرة على النيران.. عم سلمان ظل بضع سنين يأتي بصندوق الحاجة الساقعة في آخر كل عام دراسي هدية نجاحي، فور إعلان النتيجة.

الموقف الثاني: وفاة خالتي أم تواب وأثناء أداء واجب العزاء حضر عدد كبير من الرجال لأداء واجب العزاء، وكان عم سلمان يستقبل القادمين لواجب العزاء هو ونجله تواب وعدد قليل من جيرانه مسيحيي الديانة.. أمام قلة عدد مستقبلي العزاء وقفت أنا وعدد من أقربائي مسلمي الديانة بجوار عم سلمان، نتلقى العزاء في خالتي أم تواب.

وفي مشهد آخر يُعبّر عن حقيقة العلاقة بين المصريين اسمحوا لي أن أصنّف تصنيفًا لا أحبه (مسلمين ومسيحيين).. كنت في زيارة لبلدي في الصعيد، وعلمت أن خالي سيد حسن يعيد بناء منزله.. ذهبت لكي أساعده وأراعي بناءه، وبعد أن ساعدت «البنا» جاء وقت الغداء.. خالي ياخدني والعمال إلى منزل جاره «سمير جورجي».. وأثناء تناول الغداء وقع بصري على مشهد لا يمكن أن يحدث إلا في مصر.. عندما رأيت بروازًا به سورة آية الكرسي معلقًا بجانب برواز به صورة «السيدة العدرا» والسيد المسيح.. لاحظ خالي تعلق بصري بالصورتين.. فأجاب خالي سيد عما كان يدور في ذهني: إحنا قاعدين من شهر في بيت سمير.. وهو اللي علق البراويز جنب بعض.. وخلى مراته تروح بيت أبوها لحد ما نخلص بناء.

هذا هو الشعب المصري الحقيقي بمسلميه ومسيحييه.. وحدتهم الوطنية قصة إبداع.. لن تستطيع الكلمات وصفها.. ولن تفلح محاولات قوى التآمر والظلام أن تشوه هذا الحب والتعايش بين أبناء الشعب المصري.

واليكم قصة أخرى مما لا يعد ولا يحصى من التفاصيل الحقيقة للحياة بين أبناء مصر (مسلمين- مسيحيين).. صليب المسلم.. الذي كان يشارك في حرب ١٩٦٧ وأثناء الحرب دخل ومجموعة من العساكر حقل ألغام.. بعد أن اكتشف زميلهم صليب الخطر الذي وقعوا فيه.. وكان صليب باش شاويش على مجموعة العساكر.. سحب أجزاء سلاحه وهددهم بإطلاق النار على من يأتي خلفه.. ظنوا أنه يحاول النجاة بنفسه ويتركهم يواجهون الموت.. ظل صليب يتحسس أماكن الألغام حتى نجح أن يجتاز مكان الخطر.. وطلب من باقي زملائه أن يسير كل منهم تلو الآخر على موضع قدمه.. وبعد أن نجح هو وزملاؤه في عبور منطقة الألغام.. هرول صليب فرحًا بنجاته وزملائه.. لينفجر فيه لغم كان مزروعًا بعيدا عن منطقة الألغام، وهذه قصة رواها لي أحد شهود العيان الناجين.

محمود، أحد زملاء صليب، يحضر في إجازة إلى بلدته بعد الواقعة ويجد زوجته وضعت طفله، وينتظرون حضوره ليسميه.. سعيد يذهب إلى مكتب السجل المدني وقيد الطفل «صليب».

هذه هي مصر الحقيقية، التي يحاول البعض تشويه صورة المحبة والتعايش بين أبنائها، فكلما وقع حادث استهدف أحد إخوتنا في الوطن، تذكرت هذه القصص الحقيقية، وتذكرت المقولة الخالدة للبابا شنودة- قدّس الله روحه- «مصر وطن يعيش فينا وليست وطنا نعيش فيه».

 
 
 
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز