عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سلام يا صاحبى

سلام يا صاحبى

بقلم : طارق رضوان

مات. الأستاذ محمد الرفاعى مات. قطعة من تكوينى الإنسانى مات. واحد صاحبى قوى مات. مات الجمال والخيال والشمس والقمر والتراب والشجر. ياالله. ما أقسى الموت. أبوشادى كان فى عينيه سلام ووداعة.



وفى يديه حنان ورفق. وفى صوته حب وصدق. وفى كتاباته حزم. حزين لدرجة السخرية. وبه شجن. شريف ويده بيضاء تحسبه غنى من التعفف. زاهد كالرهبان. ورقيق كنسمة الصيف. يحمل بداخله حب الدنيا كلها. لم أضبطه يوما ساخطا على أحد.

كبير وعظيم وحر وشريف. كالحجر الصوان. صلب. لكن ينفجر من قلبه ماء عذب. وتنبت على سطحه وردة حمراء. شعره الأبيض من غير سوء تفرد مظلة الاطمئنان والهدوء والسكينة والحماية. وكأى موهوب مصرى. ضيق الصدر من القبح والكذب والادعاء والبلادة وانعدام الموهبة وقليلى الثقافة. ويملك قوة وجسارة الجبل عندما يدافع عن موهوب.

يستطيع أن يفرز البشر بمشرط جراح إنجليزى. صوته الأجش يعطى إحساسًا بالخوف لو لم تكن تعرفه. ويعطيك إحساسًا بالتعالى لو لم تكن تعرفه. لكن بداخله طفل صغير بائس ذو ضحكة ملعلعة. لكنها نادرة.

أما قلمه فهو شىء آخر تماما. هو من الكتاب الذين يفصلون ما بين علاقته الشخصية وما بين قلمه. لاذع وساخر وقاتل ومتجدد. لا توجد له عبارة مكررة. ولا لفظ يستخدمه فى غير موضعه. يكتب بقلب نقى ونفس صافية وعقل بلا رحمة. وهو بعبع أهل المسرح. أتذكر. ليلى علوى طلبت منه أن يشاهد عرضًا لها على المسرح. وكانت مسرحية الجميلة والوحشين على مسرح الزمالك فى النصف الأخير من التسعينيات. ووافق بعد إلحاح. وطلب منى أن أذهب معه. وكان برفقتنا الدكتورة هالة سرحان. والشاعر الجميل مجدى نجيب وصديقنا أجمعين فوزى الهوارى.

وبمجرد دخولنا المسرح. حدث هرج ومرج. وتكهرب جو المسرح. فالبعبع الرفاعى جاء. كنت أجلس على يساره. يضع ساقا على ساق ورافعا راسه لأعلى. ومال عليَّ وقال: لو العرض معجبناش أعمل نفسك عندك مغص ونخرج أنا وأنت. قلت تعزمنى على العشا. قال بوداعته المعتادة ماشى. وصمت ورفع الستار. وبدأ العرض. وكان رتيبا لأقصى درجة باستثناء ليلى علوى بطلتها البهية وجمالها. بدأ يتململ فى مقعده وهمست فى أذنه. ابدأ. قال استنى شوية. قلت ماشى. ومر العرض بسلام ولم ينطق هو بكلمة واحدة.

وذهبنا نقضى سهرتنا بعد العرض. وكانت ضحكته تجلجل. قلت عجبك العرض. نظر إلى وقال مالكش دعوة. وبعد أيام ظهرت مقالته فى صباح الخير. لم أقرأ فى حياتى سخرية كما كتب بعنوان ليلى والوحشين. وشكل الكلمة الأخيرة بكسر الحاء والشين لتدل على القبح. قلت له يا أبوشادى ما كنا قمنا وخلاص. قال لا لازم أشرحهم.

هكذا كانت كلماته على الورق. نقد لاذع قوى مدروس متخصص. بلا قلب وهو يكتب وهذا هو سره. سر بقائه. ومات. صاحبى مات. يا الله. ما أقسى الموت.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز