عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
نهش سوريا

نهش سوريا

بقلم : طارق رضوان

بمد النظر لبعيد. ناحية الشرق. عابرا جسرا من التوتر والخراب والأعداء. ترقد سوريا الحزينة هناك. جريحة تلملم أشلاءها. وتستعيد ما كان. وتسترجع ما جرى. وتستوعب خطورة اللحظة. ومأساة الخيانة. وتقاوم. تنفض عن نفسها ركام الهدم والدم والجثث. وتنادى أبناءها اللاجئين والمشردين. وتحاول أن تزرع فى قلب صغارها أن سوريا هى القلب النابض للأمة العربية. لعله يبنى ما قد هدم. ويستعيد ما قد ضاع. ويقاوم.

فى البدء كانت المؤامرة . عام 2007 أرسلت قطر (الحمقاء) 10 مليارات دولار إلى وزير الخارجية التركى أحمد داوود أوغلو لتحضير تركيا والإخوان المسلمين لشنّ الحرب فى سوريا. هذا ما قاله وزير الخارجية الفرنسى السابق رولان دوما للتليفزيون الفرنسى. وأضاف. «كنت فى إنجلترا قبل عامين من أعمال العنف فى سوريا. وبريطانيا كانت تعمل فى شكل سرى فى سوريا منذ عام 2009». وتابع: «التقيت كبار المسئولين البريطانيين واعترفوا لى أنهم كانوا يعدّون شيئاً ما فى سوريا، كان هذا فى بريطانيا وليس فى أمريكا، وكانت بريطانيا تستعدّ لغزو سوريا عبر المسلّحين».
فى زيارة وداع للعالم. سافر الأسد الابن لباريس ديسمبر 2010  استقبلوه ظاهرياً بحفاوة كبيرة من قبل الرئيس الفرنسى حينذاك نيكولا ساركوزى، وأعطى فرصة للأسد الحديث لمدة ساعة ونصف الساعة على شاشة التليفزيون الفرنسى، واستقبلت زوجته السيدة أسماء فى لقاء ثقافى حول حوار الحضارات والثقافات. نادراً ما يخصّص لزوجة ضيف تلك الفرصة. كان الاحتفاء رسالة وداع. كمن يقولون لمن سيعلق فى المشانق بعد قليل ماذا تريد؟ لكن اللقاء الأهمّ الذى كان قد رتّبه ساركوزى من الباب الخلفى لقصر الإليزيه كى يظلّ سرياً عن الإعلام. هو اللقاء الذى جمع الرئيسين ساركوزى والأسد مع أمير قطر الأب حمد. لطرح مطلب تمرير أنبوب الغاز القطرى، رفض الأسد. خرج الجميع متجهّمين، وقال الذين سرّبوا الخبر من الإليزيه بأنّ الحبل قد انقطع، وأنّ على سوريا أن تتوقّع بداية تفجير قريبة. وبالفعل انفجرت!!
وغرقت سوريا فى الفوضى. وسبحت فى الدماء وتشرد شعبها وتشتت. وظل نظامها يقاوم ويعقد الصفقات ليبقى. لتبقى سوريا واحدة. وبعد سنوات من الحرب طالت لغرض. أوشكت الحرب على الانتهاء. بعد صفقات وخيانات وترتيبات. وبدأ الحصاد . صفقات الإعمار. فقد تم الاتفاق على أن الأوروبيين والخليجيين هم من سيقومون بتمويل الإعمار. غير السماسرة. وغير المأجورين وعمال التراحيل. ولابد أن يظهر البنك الدولى وصندوق النقد، وكان للصينيين نصيب. ودخل على الخط اللبنانيون وطرحوا أكثر من 153 مشروعاً صناعياً. لكن الجميع يرفضون البدء الآن، حيث لا تسويات واضحة التفاصيل تدل على نهاية الحرب. فلم يأذن النسر الأمريكى بوقف الحرب. فلم تنته بعد خططه. أما فى بقايا سوريا. فتسعى حكومتها الباقية لإيجاد مصدر جديد للطاقة الكهربائية بسبب النقص الكبير فى كمية الطاقة نتيجة التدمير الذى تعرض له القطاع، فقررت وزارة الكهرباء نشر الألواح الشمسية على أسطح 330 مدرسة فى مدينة دمشق، بهدف توليد 10 كيلووات لكل مدرسة منها. ليتعلم الأولاد، وقامت كل من محافظة حلب ومحافظة طرطوس بنشر ألواح شمسية لإنارة مصابيح الشوارع الرئيسية، فى الأحياء الكبرى وبعض الحدائق العامة. لتضيء بعضًا من سوريا. التى أظلمت. لكن المشروع الأكبر للطاقة البديلة على مستوى سوريا، فهو مشروع محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية تبلغ  1.26 ميجاوات، وهو ما يكفى لإنارة 500 منزل وتوفير ما يقارب 500 طن وقود تقليدى (ملوث) سنوياً، والمشروع تم تدشينه فى منطقة الكسوة بريف دمشق. ولتعود سوريا كان لابد أن تدور عجلة الأبحاث للإنقاذ. فقام مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد»، بعمل بحث فى ورقة سياسات بعنوان «تمويل إعادة الإعمار. الاحتياجات والمصادر المحتملة»، وكان المقترح جمع مبلغ يتراوح ما بين 74 و113 مليار دولار وهو ما يغطى نحو 38 -58% من تكلفة إعادة الإعمار، استنادا للتقديرات الحكومية البالغة 195 مليار دولار، وفى حال الاعتماد على التقديرات غير الحكومية التى تصل إلى 250 مليار دولار وسطيا، تنخفض هذه النسبة لتصبح بين 30 و45% من تكلفة إعادة الإعمار، وقالت الورقة. إنه يمكن للحكومة السورية أن تلجأ إلى الاقتراض الخارجى من خلال طرح سندات للخزينة للاكتتاب العام فى الأسواق العالمية وبالعملة الأجنبية، وكذلك يمكن إبرام اتفاقيات للحصول على قروض ميسرة أو تسهيلات ائتمانية مباشرة مع دول صديقة كروسيا، والصين، وإيران، والهند، أومؤسسات دولية كالبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، أو بنك التنمية الجديد المنبثق عن دول مجموعة الـ«بريكس» (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا)، أو البنك الدولى أو بنك الاستثمار الأوروبى.
وتقديرات إعادة الإعمار، تؤكد بعد البحث والدراسة الحاجة إلى ما بين 200 و350 مليار دولار وهو يتجاوز قدرة النظام السورى وروسيا وإيران والدول الراغبة فى المشاركة كالأردن ولبنان والعراق، ولابد من تعاون دولى، لا تشارك فيه المؤسسات الدولية فقط، بل والدول الغنية. خاصة دول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا الغربية، لكن هؤلاء فى وضع الانتظار طالما لم يتم الوصول إلى حل سياسى بخطط إنجلوساكسونية.
وأعلنت فورين بوليسى أنه من أجل إعادة الإعمار. قدمت شركات روسية وإيرانية عقودًا ثمينة على الرغم من أن الصين والبرازيل تهدفان أيضا إلى رمى قبعاتهما فى الحلبة. ولأنه الغائب الحاضر دائما. قدم البنك الدولى تقديراته الأولية لإعادة البنية التحتية إلى طبيعتها التى كانت. وهى تشير إلى 100 مليار دولار أمريكى، يتبعها 80 مليار دولار أخرى لتشغيل مشروعات تنموية. ولأن الهدف ليس إنسانيا. فإن إعادة الإعمار، وفقا لتجاربنا فى العالم العربى بعد أى خراب وبعد كل خراب. لا تعنى إعادة بناء المدن والقرى والأحياء المدمرة ولا إعادة بناء الإنسان، ولا بناء المصانع ودعم الزراعة، ولا خلق فرص عمل مستدامة، كما تم فى مشروع مارشال فى أوروبا. لكن تلك الأموال ستتوجه إلى المناطق الاستراتيجية. الموقع الجغرافى والسياحى والموارد، والقدرة على استثمارها وجنى الأرباح منها. ولتذهب سوريا إلى الجحيم. وأهم تلك المناطق من يضع عليها النسر الأمريكى عينيه فهى الرقة. لاس فيجاس الشرق كما يخططون. فقد قدرت الأمم المتحدة أن 80% من مساحة الرقة باتت غير قابلة للسكن، نتيجة تعرضها لآلاف الغارات الجوية من قبل طيران «التحالف الدولى». تدمير كامل وطمس هوية ومسح تاريخ لغرض قادم. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة ستتصدر جهود المساعدة فى إزالة الأنقاض واستعادة الخدمات الأساسية بعد هزيمة داعش فى الرقة. ليبدأ المشروع الكبير.
ولأن الكعكة السورية تستحق. فقد قام وزير الدولة السعودى لشئون الخليج ثامر السبهان بزيارة منطقة عين عيسى فى الريف الشمالى لمحافظة الرقة مع منسق التحالف الدولى ضد داعش بريت ماكجورك والتقيا بالمجلس المدنى للرقة، وأجريا اجتماعات مع مسئولى المدينة للاطلاع على الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وناقشا إعادة إعمار الرقة، ليكون للسعودية دور بارز فى إعادة الإعمار، حيث بحثت الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات إعادة إعمار المدينة وتأهيلها. فالأمريكان كعادتهم يريدون. والخليج يدفع. تلك هى الصفقات التاريخية الدائمة. أما الأسد البريطانى العجوز فقد خصص 13 مليون دولار، لتقديم مساعدات إنسانية للمدنيين فى مدينة الرقة السورية. كعادتهم البريطانيون أهل الإنسانية كلها!
وضربت الغيرة الفرنسيين. وشعروا بالخطر. فالكعكة السورية تتوزع وهم خارج التقسيم. فأسرع وزير الخارجية الفرنسى، جان إيف لودريان وصرح بأن بلاده خصصت 15 مليون يورو مع حلول نهاية 2017 من أجل تنفيذ مشاريع فى قطاع المساعدات الغذائية ونزع الألغام والمياه والصحة ومساعدة اللاجئين.
وتحت مظلة هذه القوى الدولية برز اسم «مجلس الرقة المدنى» الذى أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» عن تشكيله بدعم من أمريكا وبالتعاون مع ممثلين آخرين من مكونات المدينة لتولى عملية إعادة الإعمار. الأمريكان مرة أخرى. لكن من ناحية أخرى ووجه آخر.
وعقد اجتماع فى روما قبل أسابيع، ضم 11 دولة، منها دولتان عربيتان، الإمارات المتحدة والكويت، إلى جانب أمريكا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، خصصت هولندا 1.5 مليون يورو لعمليات إزالة الألغام، وقدم الاتحاد الأوروبى منحة مالية قيمتها 2 مليون يورو لإزالة الألغام أيضًا وقدمت أمريكا منحة مالية لشراء آليات ثقيلة لعمليات إعادة الإعمار، وصلت منها 8 آليات فقط، الأمريكان مرة أخرى.
لتبقى سوريا.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز