عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
.. وسقطت دولة "الخرافة"..! (15)

.. وسقطت دولة "الخرافة"..! (15)

بقلم : د. شريف درويش اللبان

إذا كان تنظيم "داعش" الإرهابي قد نشأ في عصر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، واستطاع أن يستفيد من عصر تكنولوجيا المعلومات أيما استفادة، سواء في نشر أفكاره العنيفة والمتطرفة، أو في تجنيد المقاتلين الشباب في صفوفه من مختلف أنحاء العالم، أو في تشكيل خلايا من الذئاب المنفردة الطليقة التي تنفذ فكر التنظيم دون الانضمام إليه، أو في جمع التبرعات لدعم أنشطة التنظيم، فلا بد من بناء استراتيجية لمواجهة مماثلة في الواقع الافتراضي، وعدم الاكتفاء بالمواجهة المسلحة في ميادين القتال. ويجب أن تقوم المواجهة الإلكترونية لتنظيم "داعش" على عدة جبهات.



ولعل أول هذه الجبهات ضرورة تدشين مواقع إلكترونية لمواجهة فكر التنظيم، ويمكن أن تتبنى تدشين هذه المواقع هيئة تمثل فيها وزارات الثقافة والأوقاف ودار الإفتاء، سواء داخل القُطر الواحد، أو بالتنسيق مع الأقطار العربية الراغبة في مكافحة الإرهاب والتطرف، ويجب أن تكون هذه المواقع بلغات عديدة علاوة على اللغة العربية، وذلك لاستهداف عملية استئصال الفكر المتطرف لتنظيم "داعش" من المنطقة العربية وأوروبا وسائر أنحاء العالم.

وتتمثل جبهة المواجهة الثانية مع "داعش" في إطلاق "كتائب الحق" لمواجهة "كتائب الباطل" على شبكات التواصل الاجتماعي؛ فـ "كتائب الباطل" أو "الميليشيات الإلكترونية" التي جندها التنظيم من بين العرب والأوروبيين للعمل على شبكات التواصل الاجتماعي حققت نجاحًا كبيرًا في أمور عدة من بينها: جلب التعاطف مع التنظيم من قبل الشباب المسلم بغض النظر عن انتماءاته الجغرافية في قارات العالم الخمس، وتجنيد بعض هؤلاء المتعاطفين وإقناعهم بالانضمام إلى صفوف التنظيم، سواء في الجهاد أو القتال على الأرض، أو فيما أسماه لتنظيم "الجهاد الإعلامي" أو "الجهاد الإلكتروني".

ومن هنا، فإننا ندعو الأزهر ووزارة الأوقاف ووزارة الاتصالات إلى تدشين مبادرة جديدة لإطلاق ما يمكن أن نطلق عليه "كتائب الحق" لمواجهة الأفكار التي يُطلقها التنظيم على شبكات التواصل الاجتماعي على أن تكون نواة هذه الكتائب مجموعة من الدُعاة الشباب الجدد المستنيرين، على أن تتوافر لهؤلاء الدُعاة مجموعة من السمات منها أن يكونوا على دراية مسبقة باستخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وأن يكونوا ممن يتقنون عددًا من اللغات الأجنبية. وفي هذه السبيل يمكن الاستعانة ببعض خريجي كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر من ذوي الخلفية الدينية وإجادة اللغات المختلفة، والإلمام باستخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. ويجب أن يخضع هؤلاء جميعًا لدورات مكثفة في أساليب مواجهة فكر تنظيم "داعش" المتطرف، وأساليب مخاطبة الآخر الأوروبي والأمريكي والأسيوي، وإقناعه بأن "داعش" لا يمثل الإسلام الوسطي الصحيح، علاوة على تفنيد الأساطير المؤسسة لتنظيم "داعش" مثل: "الدولة الإسلامية"، و"الخلافة"، و"الخليفة"، و"العُملة الإسلامية"، و"جواز سفر داعش".

وتتمثل الجبهة الثالثة لمواجهة "داعش" في ضرورة إنشاء قنوات فضائية ومحطات إذاعية إسلامية، على أن تكون بلغات مختلفة وموجهة لأوروبا لنشر الفكر الإسلامي الوسطي ومحاربة الفكر المتطرف. وفي هذا الإطار، فإنه في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، تقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة بمبادرة مهمة قدمها الشيخ محمد بن زايد وزير الإعلام الإماراتي حينها إلى قمة دول مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في مسقط بسلطنة عُمَان في ديسمبر 2001، وتقوم هذه المبادة على ضرورة تدشين قنوات فضائية ناطقة بلغات عديدة لإقناع العالم أجمع بسماحة الإسلام، وأنه ليس دين عنف وإرهاب، وخاصةً بعد الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين في تلك الفترة. واقترح الشيخ محمد بن زايد أن يتم تمويل هذه القنوات من قبل دول مجلس التعاون الخليجي والاستعانة بالكوادر والإمكانات الإعلامية لجمهورية مصر العربية. وللأسف أنه تمت إحالة هذا الموضوع إلى لجنة لدراسته، إلا أنه لم يرَ النور منذ ذلك الوقت. ومن المعتقد أننا الآن في مسيس الحاجة لتنفيذ المقترح الإماراتي أكثر من أي وقت مضى، ولاسيما أن "داعش" تجد من يتعاطف معها  ويمولها من الدول الخليجية نفسها، وبالتالي فنحن جميعًا في مرمى الإرهاب الذي يجب أن تتضافر جهودنا جميعً لدحره، ووضع نهاية لتمدده الجغرافي والفكري.

وتتمثل الجبهة الرابعة في التنسيق مع الدول الأوروبية لإحلال الفكر الديني الوسطي محل الفكر المتطرف وخاصةً في المراكز الإسلامية المنتشرة في تلك الدول؛ حيث يجب أن تسعى وزارات الخارجية والأوقاف في كل دولة على حدة أو مجتمعة علاوة على الأزهر الشريف بعقد اتفاقات مع الدول الغربية التي تنتشر في عواصمها ومدنها المراكز الإسلامية التي يسيطر عليها المتطرفون واللاجئون السياسيون والناقمون على دولهم العربية والإسلامية، والذين يبثون فكرهم المتطرف في نفوس أبناء المهاجرين العرب والمسلمين إلى الدول الأوروبية، وذلك لإبعاد هؤلاء المتطرفين وشُذاذ الآفاق عن هذه المراكز، وإحلال أئمة من أصحاب الفكر الإسلامي الوسطي محلهم.

إن محاربة "داعش" لا تكون بالسلاح فقط، فنحن نحاب فكرًا قبل أن نحارب تنظيمًا، أتمنى أن تكون الجهات المنوط بها مكافحة الإرهاب قد وعت الدرس ووصلتها الرسالة، لكي تسقط دولة الخرافة إلى الأبد، حتى لا تفاجئنا نتوءات داعشية هنا وهناك.

  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز