عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
48 ساعة «ساخنة» فى قبرص!

48 ساعة «ساخنة» فى قبرص!

بقلم : هاني عبدالله

فيما كان الرئيس القُبرصى «نيكوس أناستاسيادس» يتسلم يوم الاثنين (13 نوفمبر) أوراق اعتماد سفيرة مصر بقبرص «مى خليل».. قال الرئيس القُبرصى: إنه يأمل أن تُعيد «أنقرة» (تركيا) النظر فى مواقفها المتعنتة حول مسألة الأمن والضمانات.. وأن تُعيد - كذلك - النظر فيما يتعلق بالمطالب التى لا تتماشى مع قدرة قبرص (كدولة عضو فى الاتحاد الأوروبى)؛ من أجل خلق «احتمالات ممكنة»؛ لتحقيق اتفاق شامل بشأن «الجزيرة» (قاصدًا الأجزاء الواقعة تحت الاحتلال التركي، منها).



وأكد «أناستاسيادس» تصميم بلاده على [إنهاء تقسيم الجزيرة]، والتزامها ببذل كل الجهد؛ للتوصل إلى «تسوية شاملة».. وأنهم ملتزمون التزامًا قويًا بالتفاوض على حل [فى إطار المعايير التى حددها «الأمين العام» من أجل التوصل إلى تسوية شاملة قابلة للاستمرار، تتماشى تمامًا مع «القانون الأوروبي»، و«القانون الدولي»].. بما يُعيد توحيد «قبرص» بصورة مستقلة [حقًا]، وإلى دولة ذات سيادة، خالية من التبعيات لأطراف أخرى؛ لتوفير أجواء من التعايش السلمي، بين جميع المواطنين.

وفى سياق الكلمة نفسها، أشار الرئيس القبرصى إلى [الرغبة المشتركة] لكلٍ من: «قُبرص»، و«مصر» فى تعزيز السلام والاستقرار بمنطقة «شرق البحر المتوسط».. وهو ما سيكون مطروحًا على مائدة «القمة الثلاثية» (قُبرص/ مصر/ اليونان)، التى ستعقد جولتها الخامسة فى قبرص  الثلاثاء المقبل (21 نوفمبر).. مؤكدًا - كذلك -  تقديره للدعم القوى الذى تقدمه مصر؛ من أجل إنهاء الوضع الراهن [غير المقبول].. وتوحيد قُبرص وشعبها، بما يتماشى وقرارات مجلس الأمن [ذات الصلة]، فضلاً عن قيم الاتحاد الأوروبى ومبادئه، والاتفاقات «رفيعة المستوى» بين قادة الطائفتين، والإعلان المشترك الصادر فى 11 فبراير من العام 2014م.

.. وأنه يتطلع - كذلك - للترحيب بالرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى على أرض «قبرص».. إذ ستسمح الزيارة بتقييم، وتعزيز «التعاون الثنائي» فى عديدٍ من المجالات الجديدة [القائمة، بالفعل]، وأنه لطالما كان مؤيدًا «قويًا» للموقف القائل: [إن مصر مصدرٌ للاستقرار، وشريكٌ مهمٌ للاتحاد الأوروبي].. وأنه على استعداد لمواصلة التعاون مع «القاهرة»؛ لتكثيف جهود مواجهة «التحديات الإقليمية»، و«محاربة الإرهاب» بأشكاله ومظاهره [كافة]، وزيادة تبادل المعلومات، وتعزيز «الأمن الإقليمي».

تحليلاً.. تُمثل كلمة «الرئيس القُبرصي»، خلال تسلمه أوراق اعتماد السفيرة المصرية «مى خليل»، نقطة ارتكاز «مهمة»؛ إذ تكشف - إلى حد بعيد - أكثر من بُعدٍ من أبعاد «جدول أعمال» القمة:

(أ)- يُمكن النظر (من الناحية السياسية) للدور المصري، وأهميته بالنسبة للجانب القُبرصي، من زاويتين [مؤثرتين].. أولاهما؛ أن مصر عضوٌ بـ«مجلس الأمن» التابع للأمم المُتحدة، أى أنها أحد الفاعلين الأساسيين بالنسبة للمجتمع الدولي، الذى لطالما تجاهلته «أنقرة» (تركيا)، طوال سنوات خلت.. إذ كثيرًا ما كانت تتعنت «أنقرة» إزاء عملية التفاوض بشأن «وحدة الجزيرة».. وهى عملية تفاوضية مشمولة بإطار [محدد] من قبل الأمم المُتحدة، وأمينها العام.. خصوصًا فيما يتعلق بشأن الفصول الرئيسية للتسوية (الأمن والضمانات)؛ إذ كثيرًا ما كانت تصر «أنقرة» على الحفاظ على وجود قواتها، وحق التدخل فى [قُبرص الموحدة].

.. وثانيتهما؛ أن «الوجود المصري»، إلى جانب «قُبرص» [من ناحية التأثير والنفوذ]؛ يضمن تلاقيًا - من الناحية الإقليمية - لقارات العالم «الثلاث» (أفريقيا/ آسيا/ أوروبا).. إذ تُمثل «القاهرة» - يقينًا - بثقلها الإقليمي، الرقم الصعب فى هذه المعادلة.. فهى [من الناحية الجُغرافية] همزة الوصل بين آسيا، وأفريقيا.. و[من الناحية الحضارية، والتاريخية] ترتبط بعديدٍ من أواصر الصلة، ودول المتوسط «الأوروبية» (وعلى وجه الخصوص، اليونان وقبرص).. و[من الناحية السياسية]، أكثر بلدان منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» (M.E.N.A)، تداخلاً مع القضايا الإقليمية، وعلى رأسها «قضية الإرهاب»، وآليات مواجهته.

(ب)- تدخل «القاهرة» الجولة الخامسة للقمة، وهى مُكللة بعديدٍ من التجارب الناجحة فى قيادة أعقد عمليات التسوية بمنطقة «الشرق الأوسط».. إذ يأتى فى مقدمتها؛ النجاح فى إجراء المصالحة بين حركتى: [فتح، وحماس] فى 12 أكتوبر «المنصرم».. وهو أمرٌ أعطى [يقينًا] زخمًا إضافيًا للدور المصري؛ إذ أثبتت «القاهرة» (عمليًا) أنها قادرة على الاشتباك، و«الفعل» مع أكثر قضايا المنطقة [تأزمًا].. إلى جانب دورها السابق فى «تحريك القضيتين: السورية، والليبية» (مفاوضات حل النزاع السوري/ واتفاق «الصخيرات» فى ليبيا).. ودورها الأخير فى إخراج وثيقة «إعلان القاهرة»؛ لتوحيد «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بمقر المخابرات العامة المصرية (أمس الأول/ الخميس)، تحت رعاية الرئيس «عبدالفتاح السيسي»، والرئيس الأوغندى «يورى موسيفني»؛ إذ تُمثل «الوثيقة» مدخلاً أساسيًا لعودة اللاجئين إلى مناطقهم الأصلية.. وهو ما يعنى أنّ دعم «عملية السلام» من جانب القاهرة، بات فى أقصى عنفوانه، على أرض الواقع.

.. وفى تصريحات إعلامية سابقة؛ أوضح سفير قُبرص لدى القاهرة «كاريس موريتسيس» أنّ جدول أعمال «القمة الخامسة» يتسع - كذلك - لمناقشة  عديد من القضايا، منها:  الوضع فى سوريا، ودور «الاتحاد الأوروبي» فى مصر.. إلى جانب تبادل «وجهات النظر» حول تطورات الأوضاع فى المنطقة؛ خصوصًا بعد تدهور الأوضاع فى ليبيا وغرب أفريقيا، والحرب الدائرة فى سوريا والعراق، والحرب الأهلية فى اليمن، وانتشار النزعات [الجهادية] المتطرفة.. أى أنّ ثمة تثمينًا قُبرصيًا [مبكرًا] للدور المصري، فى حلحلة تلك القضايا كافة.. وأنّ الاصطفاف إلى جوار «القاهرة» فى مواقفها المعلنة من تلك القضايا، بات أمرًا ضروريًا من أجل إرساء الاستقرار، وقيم السلام.

(ج)- يُمكننا أن نفهم - كذلك - عبارة «الرئيس القُبرصي» بأن الزيارة ستسمح بتقييم، وتعزيز «التعاون الثنائي» فى عديدٍ من المجالات الجديدة [القائمة، بالفعل]، وأنه لطالما كان مؤيدًا «قويًا» للموقف القائل: [إن مصر مصدرٌ للاستقرار، وشريكٌ مهمٌ للاتحاد الأوروبي].. فى ضوء ما تسعى له «قُبرص» - فى الوقت الحالى -  من اكتساب مزيدٍ من الشركاء الاقتصاديين؛ لتأمين تجاوزها «لأزمتها المالية» الأخيرة.. إذ تمتلك «قبرص» [حاليًا] برنامجًا طموحًا يستهدف «تحسين بيئة الأعمال»؛ لتعزيز موقفها كواجهة «تنافسية»، و«مستقرة» تسمح  باستقطاب عديد من المستثمرين، ورءوس الأموال الجديدة.

.. وعلى الجانب الاقتصادي، أيضًا.. تُدرك «نيقوسيا» (قبرص)، و«القاهرة» جيدًا أهمية التعاون فى مجال الطاقة بـ«شرق البحر المتوسط».. التعاون، هنا، يجب أن يستند - كذلك - إلى قواعد «القانون الدولي»، و«قانون البحار».. لذلك.. سيكون، هذا الأمر مطروحًا - أيضًا - على مائدة القمة.

يُمثل التعاون فى «مجال الطاقة» - إذًا - إحدى نقاط الارتكاز خلال الزيارة.. ونجاح هذا التعاون [يقينًا]، مرهونٌ، لا ريب، بنجاح تأمين منطقة المتوسط، من أى أخطار محتملة.. فالاقتصاد لا ينفصل - هنا - عن الأوضاع الإقليمية بأى حال من الأحوال.. لذلك، يُمكننا [تقديرًا] أن نستنتج أن «ملف الإرهاب» (خصوصًا بمنطقة الشمال الأفريقي) سيتصدر - وبقوة -  النقاشات الافتتاحية للقمة.

وإن كان ثمة تعنت من قبل «الجانب التركي» فى الالتزام بقواعد القانون الدولي، فيما يتعلق بالتعامل مع الشأن القُبرصى.. فإن انعكاسات العلاقة بين «أنقرة» نفسها، وجماعات العنف فى جنوب المتوسط.. وما يُمكن أن تسببه تداعيات تلك العلاقة، على مُستقبل علاقات المنطقة الاقتصادية، ربما يجد طريقه نحو مائدة اللقاء هو الآخر.. إذ ثمة 48 ساعة «ساخنة» [قطعًا] بين أمواج المتوسط الهادرة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز