عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
النمر حسن وأبناء هتلر والبيض الفاسد..المستحيل ليس مصريًا!

النمر حسن وأبناء هتلر والبيض الفاسد..المستحيل ليس مصريًا!

بقلم : عمرو الأنصاري

في رحلته على ظهر الباخرة التي أقلته من الاسكندرية صوب روما جلس محمد حسن يتذكر تعذيب زوجات أبيه الأربعة له، وكيف ألقت به إحداهن في ورشة الخراطة عاملًا للنظافة للتخلص منه.



يبتسم عندما تتصدر صورة "الأسطى" الألماني "هانز بياليجي" ذهنه وهو يردد فرحًا: "محمد حسن اللي علمته الخراطة بقى أحسن مني"

بعد نجاحه في صناعة وبيع 6 مواتير في غياب الخواجة المريض بالمستشفى.

قبل أن يطلب منه السفر للعمل في ألمانيا التي كانت تحاول  التعافي بعد الحرب عام 1957، مهديًا اليه ثمن الرحلة عبر البحر.

ينظر "حسن" إلى البيضات العشر المسلوقة التي سلحته بها أمه  وفسدت في الطريق، ويضحك من السلاح الفاسد، وسخرية القدر الذي لم يُبقي له في رحلته إلا "الخبز والدُقّة".

يصل إلى ألمانيا بالقطار عبر ايطاليا صوب شقيق "معلمه الألماني" لينضم إلى مصنعه.

رحلة طويلة واجه فيها "ابن السيدة زينب" أمية اللغة "العربية والألمانية"، والعنصرية وأوجاع الغربة استطاع فيها قهر المستحيل بالجهد والعرق.

ذاع صيته بين عمال المصنع فنيًا بارعًا، وأهدته موهبته في الملاكمة مجدًا جديدًا صنعه بتمثيل ألمانيا في مباريات رسمية وانتصارات وصلت إلى اسطورة الملاكمة الأمريكي "كلاي".

قصة كفاح حقيقية لعامل فني مصري خلدتها السينما المصرية بأداء العبقري الراحل أحمد زكي "النمر الأسود".

 

هُزمت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وانتحر هتلر مخلفًا ورائه إرثًا من الكراهية والرغبة في الانتقام وصلت إلى الدعوة لإخصاء وتعقيم 45 مليون ألماني، لقطع نسل أبناء هتلر.

 -وفقا لاعترافات رجل الاعمال اليهودي كوافمان في كتابه "ألمانيا يجب أن تُسحق Germany Must Perish!" -

العالم كله اجتمع على ترويض  الألمان خوفًا من تكرار النموذح النازي بخطة إضعاف الاقتصاد وتحويل ألمانيا من دولة صناعية إلى دولة زراعية.

فقدت ألمانيا كثيرًا من أراضيها في الشرق بفعل قصف الحلفاء، وقتل من أبنائها تسعة ملايين، وشرد منهم اثنا عشر مليونًا.

أعلنت دول الحلفاء الوصاية عليها، وقسموها إلى ألمانيا الشرقية التي استحوذ عليها الاتحاد السوفيتي، وألمانيا الغربية التي وقعت في نصيب الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن الشعب الألماني الذي رفعت نسائه  شعار "المستحيل ليس ألمانيًا" ابتلع مرارة الانكسار، وآمن بأن السواعد المدربة تستطيع بناء ألمانيا الجديدة.

كان التعليم هو حجر الأساس في خطة إعادة الاعمار. خطة تعليمية مصاحبة لخطة اقتصادية واجتماعية وضعها الألمان لإعادة البناء، في مقدمتها تعويض غياب الكوادر البشرية بعد  مقتل 3 مليون مدني في الحرب، عن طريق استقدام عمالة زائرة عام 1955قدرت ب14 مليون عامل من ايطاليا واسبانيا والبرتغال واليونان و المغرب، وتونس وتركيا  للمساعدة في بناء ألمانيا القوية.

بجانب اعداد كوادر بشرية المانية تتسلم الراية لتحقق نهضة تعليمية، وتصنع نهضة صناعية من خلال تجربة جمعت التعليم العام والتعليم المهني أتت ثمارها.

شرع المسئولين عن التعليم والصناعة في  إنشاء مؤسسات التعليم الفني، بهدف تطوير الصناعة الألمانية، وتعزيز قدرتها التنافسية في السوق الدولية. أصبح التعليم إلزاميًا وحقًا بحكم الدستور، وهو ما انعكس على الميزانيات المخصصة له.

أُقِر نظامًا للتعليم المزدوج يربط التعليم باحتياجات الصناعة والتشغيل، يعزى له الفضل في تخريج طبقة متميزة من العاملين الفنيين المهرة في أدق التخصصات قادت ألمانيا نحو المستقبل.

يقضي التلميذ الألماني يومان في المدرسة لتلقي الدروس النظرية التي تمثل الأساس العلمي للعمل الذي سيقوم به، وفقا للتخصص الذي يقوم باختياره، ويتم قياس استيعابه من خلال امتحانات دورية، بينما يقضي بقية الأسبوع في التدريب العملي في المصنع الموافق لتخصصه.

برغم مجانية الجامعات إلا أن أكثر من 75% من الشعب الألماني يحمل شهادة تعليم فني – وفقا للمركز المصري للدراسات الاقتصادية-  

ولم لا فما يجنيه عشرة أكاديميين يساوي راتب عامل واحد.

نجحت ألمانيا عبر بوابة التعليم الفني في أن تكون أكبر اقتصاد داخل الاتحاد  الأوروبي EU، ورابع أكبر اقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين واليابان. بفضل امتلاكها للعمالة الفنية الماهرة التي تميزت في قطاعات عدة حققت نسب هائلة في التصدير على رأسها قطاع السيارات وبناء الآلات والتجهيزات ومجالات الطب والتقنيات النانوية والليزر لتتربع على قمة الهرم الصناعي.

قصة نجاح ألمانيا كانت ومازالت ملهمة لمصر. حيث شهدت مصر محاولات في تسعينات القرن الماضي لتطبيق النموذج الألماني بتجربة مدارس "مبارك كول"، لكن المشروع لم يؤت ثماره المنتظرة بسبب عدم تبني الدولة لرؤية شاملة تربط التعليم باحتياجات السوق.

29 ألف طالب مصري فقط يدرسون في التعليم المزدوج "مبارك كول"- ما يمثل أقل من 3% من مجموع الطلاب المقدر ب٢ مليون طالب- الذين يدرسون في مدارس التعليم الفني البالغ عددها ٢٠٠٠ مدرسة على مستوى الجمهورية.

٥٠٪ من طلاب المدارس الفنية ينتمون إلى التعليم الصناعي، و١٩٪ في التعليم التجاري، و٣١٪ في التعليم الزراعي

  -وفقا لوزارة التربية والتعليم والسفارة الألمانية-

نسب نجاح متدنية سجلها طلاب التعليم الفني في مصر العام الماضي بما فيهم طلاب "مبارك كول" -وفقا لوزارة التربية والتعليم-

في الدبلوم الصناعي كانت نسب النجاح "58.71" وفي الدبلوم التجاري 53% بينما كانت في الدبلوم الزراعي  35.38%

في التعليم الفني المزدوج بلغت نسبة نجاح الدبلوم الزراعي 55.98% في مقابل %78.82 للدبلوم التجارى، بينما وصلت نتيجة الدبلوم الفندقى نظام 3 سنوات 75.48% و62.23% لنظام الـ5 سنوات، في حين بلغت نسب النجاح العامة 54.49%.

-احصائيات كاشفة لمستوى التعليم الفني المصري-

 

التعليم الفني في مصر يحتاج إلى ثورة شعارها "انسف حمامك القديم" تعيد بنائه من جديد على أسس صحيحة في مقدمتها تغيير نظرة المجتمع المصري "الدونية" لهذا النوع من التعليم.

يخطئ البعض حين يظن أن الغاء مسمى "دبلوم صنايع" أمر هامشي وبعيد عن صلب التغيير، إذ أن هذا المسمى يمثل اشكالية حقيقية في الانضمام للتعليم الفني، وتغييره بات أمرًا ضروريًا لتغيير الصورة الذهنية داخل العقل المصري.

 ذلك التغيير الذي  لابد أن يكون مصاحبًا لتغيير حقيقي في القوانين ونظم التعليم من التعليم النظري إلى ربط التعليم بالصناعة واحتياجات السوق والتشغيل، وهو ما سوف يشجع الأسر المصرية على الحاق أبنائها بالتعليم الفني ويخفف من تكدس الجامعات الذين يقف خريجوها على رصيف البطالة .

خرج من مصر نمر أسود وفي المحروسة ملايين النمور.. ولذلك تستطيع فالمستحيل ليس مصريًا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز