عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فتى "كفر شكر" النابه!
بقلم
محمد نجم

فتى "كفر شكر" النابه!

بقلم : محمد نجم

كانت «الوجبة» دسمة.. وممتعة، فصاحب «العزومة» صديق قديم يتمتع بالذكاء السياسى والاجتماعى، فضلا عن كفاءته المهنية العالية، والتى أهلته - خلال سنوات قليلة - أن يحتل المكانة التى يستحقها على المستوى المحلى والدولى.



كما كانت الصُحبة جميلة ولطيفة.. وهن مجموعة من الجميلات.. راهبات العلم.. من أساتذة وطالبات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

نعم.. لقد استمتعت بمحاضرة د. محمود محيى الدين، الذى صال وجال فيها شارحًا أحوال الاقتصاد والاقتصاديين بعد عشر سنوات من الأزمة المالية، التى شهدها العالم عام 2008، فعلى المستوى الشخصى بدا «نجمنا الاقتصادى» مفعما بالنشاط والحيوية، سعيدًا بتواجده بين أساتذته وزملائه وطلابه، وفى ذات المدرجات التى شهدت تدرج حياته العلمية.. من طالب إلى معيد، ثم مدرس.. وأخيرًا أستاذًا للاقتصاد ونائبًا أول لرئيس البنك الدولى!

والبنك الدولى - لمن لا يعلمون - هو أحد ثلاث مؤسسات عالمية.. مع أشقائه صندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية، والثلاثة يتحكمون فى الاقتصاد العالمى من حيث التنظيم والرقابة.. والتجارة والتمويل.

بل إن البنك الدولى وحده فى إمكانه - لو أراد - انتشال دولة ما من مرحلة الفقر المدقع إلى مرحلة التنمية المستدامة ووضعها على تراك الثروات ويمكنه أيضا العكس.. وهو ما حدث معنا فى فترة الستينيات من القرن الماضى عندما رفض تمويل بناء السد العالى، وللفنان عبد الحليم حافظ أغنية شهيرة عن ذلك بعنوان  «قلنا هنبنى.. وبنيناه بأيدينا.. السد العالى»!

ومن ثم كانت سعادتى بوصول الصديق د. محمود محيى الدين إلى هذا المنصب المهم فى تلك المؤسسة الخطيرة خلال تسع سنوات فقط من التحاقه بها.

أما على المستوى الموضوعى.. وهو موضوع المحاضرة والتى امتدت لأكثر من ساعتين من السياحة الاقتصادية على كافة المستويات، فقط تطرقت لموضوع فى غاية الأهمية: لماذا يفشل خبراء الاقتصاد فى العالم فى التنبؤ بما يحدث من أزمات رغم تكرارها كل عدة سنوات؟!

وقد كان هذا الفشل دافعًا لملكة بريطانيا عندما زارت مقر ما يسمى «بمدرسة لندن للاقتصاد» - أن تسأل أساتذتها باستهجان: كيف فشلتم فى التنبؤ بالأزمة الأخيرة والتى حدثت عام 2008، على الرغم من إرهاصاتها التى لم تكن تخفى على أحد.. وعلى الرغم أيضا من شهرتكم الدولية وحصول الكثير منكم على جائزة «نوبل» فى الاقتصاد؟! وبالطبع عكف الأساتذة على الرد فى مذكرة امتدت إلى ما يقرب من 16 صفحة!

ولكن المشكلة طبقا لما قاله د. محمود أن «الأزمات» الدولية تتكرر ولا يخرج العالم منها إلا بمشكلة أكبر فى بعض الأحيان، وهو ما حدث فى الأزمة الشهيرة فى ثلاثينيات القرن الماضى.. والتى نشبت بعدها الحرب العالمية الثانية، ثم عادت الأزمة مرة أخرى فى نهاية التسعينيات فيما عُرف بأزمة النمور الآسيوية، وجاءت مرة أخرى فى بداية الألفية الجديدة - 2008 - وتسببت فى خسارة أمريكا بحوالى 22 تريليون دولار، والدول الصناعية الكبرى بأكثر من 40 تريليون دولار!

ومن ثم كان سؤال «الملكة» والذى يعنى إذا كان لدينا أطباء بهذا العدد والخبرة والكفاءة.. فلماذا ينتشر المرض؟!

والمشكلة فى رأى د. محمود أن هناك من يكتب ويحذر ولكن أحيانا كثيرة ما تتعامل الحكومات بغير الجدية المطلوبة مع هذه التحذيرات أو الإنذارات!، هذا مع أن الاقتصاديين هم مهندسو الأسواق ويجب أن يهتم رجال السياسة بما يقوله الاقتصاديون.

والطريف فى الموضوع - كما أوضح نجمنا الاقتصادى - أن الذى يدفع الثمن فى تلك الأزمات.. غالبا ما لا يكون هو المتسبب فيها، بل أحيانا ما يكون هو الأكثر الفائزين منها!

ونبهنا د. محمود إلى عدم الانخداع بتراجع ظاهرة العولمة من خلال مؤشرات الاستثمارات العالمية.. والتجارة والهجرة، فنحن فى بداية ثورة صناعية رابعة.. أساسها المعلومات بسبب التطور التكنولوجى السريع، ومن ثم يجب ملاحظة ودراسة تأثير تلك الثورة على النظام المالى العالمى.. والمحلى أيضا.. وحتى لا يفاجأ الجميع بأزمة جديدة!

ولم يكتف «فتى كفر شكر» النابه بالتنبيه، ولكنه أشار إلى مجموعة من الحقائق التى لم تعد تخفى على أحد، ومنها انتقال «الثقل الاقتصادى» العالمى من الغرب إلى الشرق.. حيث الصعود الاقتصادى السريع لكل من الصين والهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى.

ومنها أيضا إن تحقيق نهضة اقتصادية وتنمية مستدامة لا يتوقف على الموقع الجغرافى أو امتلاك الثروات الطبيعية.. وضرب مثلا على ذلك بما يحدث فى كوريا الجنوبية والتى رفعت شعار «لا للفساد» ثم عبأت مواردها البشرية المدربة للعمل فى آن واحد فى جميع المجالات والأنشطة المرتبطة، وهو ما يسمى بالتكامل الصناعى والتجارى، كما أشار أيضا لتجربة رواندا والتى دخلت - منذ سنوات قليلة - فى حرب أهلية شعواء مع جارتها بورندى ولكنها الآن تسعى للحاق بركب الدول الاقتصادية الناهضة وبمعدلات نمو مدهشة، خاصة بعد أن سمحت للنساء بريادة الأعمال وقيادة عجلة التنمية..

والمعنى.. أن التنمية ليست معضلة.. ومن السهل تحقيقها بشرط توافر السياسات والمؤسسات والتمويل.

لقد استفزنى د. محمود لسؤاله فى نهاية المحاضرة - وكما فعلت الملكة إليزابيث - إذا كان لدينا رجال اقتصاد مثلكم.. فلماذا اقتصادنا متعثر؟!

فكيف يكون لدينا د. محمد العريان ود. محمود محيى الدين.. وغيرهم.. ثم نلجأ لصندوق النقد للمساعدة وطلب المشورة؟

وأكتفى بهذا القدر.       

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز