عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مولد الهدى

مولد الهدى

بقلم : محسن عبدالستار

في مكة المكرمة أقدس بقاع الدنيا ومحضن أول بيت وضع للناس، تعاقبت عليها القرون بأحداث كثيرة، وطلع عليها القرن السابع الميلادي وقد تفشت الوثنية في أهلها وتزاحمت الأصنام عند كعبتها، وصارت عاصمة للشرك بعد أن كانت عاصمة للتوحيد.



كانت مكة تسكنها قبيلة "قريش" بفروعها المتعددة، وتتولى سدانة البيت وحفظ أصنامه وخدمة الحجيج الذين يتوافدون إليها من شتى بقاع الأرض، فكانت تحظى باحترام القبائل القريبة والبعيدة.

وكانت مكة المكرمة على موعد مقدر لها لحدث جلل يبدأ فيها وتمتد آثاره إلى أنحاء الدنيا كلها، على امتداد العصور التالية، إنه حدث سوف يغير العالم بأثره، ألا وهو ظهور نبي عربي يحمل رسالة الإسلام للعالمين، ليخرجهم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهداية والإسلام.

وفي حي قريب من بيت الله الحرام يسمى، "شعب بني هاشم"، وفي بيت هاشمي عريق في الفضل والشرف والكرم، هو بيت عبدالمطلب بن هاشم، كان مولد النبي - صلى الله عليه وسلم – في عام الفيل. 

توفي أبوه عبدالله بن عبدالمطلب قبل أشهر قليلة من ميلاده، ففرح الجد عبد المطلب بحفيده الجديد، وحمله معه إلى جوف الكعبة تيمنًا، واسماه محمدًا، وأحبه حبًا شديدًا.. فكان في انتظار مجيئه إلى الدنيا بشغف.. وأرسله إلى البادية – كعادة وجهاء أهل مكة في ذلك الوقت – ليسترضع في بني سعد، ويحمل من نقاء الصحراء سلامة اللغة، وأصالة النشأة، وقوة البدن، وفصاحة اللسان، وبعد مرور ثلاث سنوات عاد إلى مكة وحضن أمه وحنانها مرة ثانية لتهنأ به وتسعد، فهي لم يكن لها في الدنيا سواه، ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى توفيت أمه، وهي قادمة من المدينة، وهو في السادسة من عمره فقد أراد الله لنبيه أن يعيش يتيمًا، كي يتعلم الرحمة ويتعود على شظف العيش وقسوة الحياة.

وانتقلت رعايته بعد ذلك إلى جده العطوف، عبدالمطلب، الذي كان يُجلسه دون أبنائه على بساطه في ساحة الحرم الشريف، فكان أبناء عبدالمطلب كلهم يقفون عند الحرم في انتظار أبيهم ولا يجلسون معه، احترامًا وتبجيلًا له، والذي يسمح له بالجلوس معه هو حفيده المحبوب "محمد"، فجلس يستمع لكبار القوم ويتعلم منهم، مما كان له الأثر العظيم في نشأة النبي الكريم، وفصاحته وحسن تصرفه وتعامله مع الآخرين، ولكن هذه الرعاية لم تدم سوى سنتين، حيث توفي الجد وانتقلت رعايته وهو في الثامنة من عمره إلى عمه أبي طالب، وعاش مع أولاده الستة واحدًا منهم.. وكان عطوفًا على ابن أخيه وأحبه "محمد"، وكان شديد التعلق به، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره اصطحبه عمه أبو طالب في رحلته التجارية إلى الشام ولقيهم بحيرة الراهب، وعرف فيه علامات النبوة وأخبر عمه وحذره من خطر اليهود عليه.. فأعاده عمه إلى مكة ولم يُكمل رحلته إلى الشام خوفًا عليه، لينشأ مع فتيانها متميزًا عنهم، بخلقه الرفيع، وأمانته، وصدقه، ونفوره من عبادة الأصنام التي كان يكره ذكرها ولا يحلف بها، وما سجد لها في يوم من الأيام قط.

ولما بلغ الخامسة عشرة من عمره، شارك أعمامه في حرب "الفجار"، فكان يعد لهم النبال، وشهد معهم حلف "الفضول"، الذي كان ينتصر لحقوق الضعفاء والمظلومين.

وحفظه الله من أن يقع فيما وقع فيه شباب الجاهلية من لهو وارتكاب الفواحش.. وظهرت استقامته وشاعت صفاته الكريمة بين قومه وتفوق بها عن أقرانه، حتى لقب بالصادق الأمين.

وفي الخامسة والعشرين من عمره اختارته السيدة، خديجة بنت خويلد، ليذهب مع غلامها ميسرة بتجارتها إلى الشام، فقام بالمهمة على أكمل وجه وأفضل حال، وعاد ميسرة إلى خديجة وأخبرها بأمانته وخلقه الرفيع، فتوسمت خديجة فيه صفات الزوج الصالح الذي تتمنى أي امرأة الارتباط به والعيش في كنفه.. وشجعته عن طريق إحدى المقربات منها على أن يخطبها، فخطبها وتزوج منها وكان نعم الزوج لها كما كانت له نعم الزوجة.

وحين بلغ الأربعين من عمره، وفي أثناء تعبده في غار حراء نزل عليه الوحي، جبريل عليه السلام، وضمه إليه ضمًا شديدًا، وقال له "اقرأ" فرد عليه السلام ما أنا بقارئ وكررها ثلاثًا، فقال له: "اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم".

وبدأت مرحلة أخرى في حياة النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، وهي مرحلة الدعوة إلى الله الواحد الأحد.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز