الانعزال الاجتماعي

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

أصبح التواصل الاجتماعي هو سمة هذا العصر، وأصبحت وسائله تتزايد بسرعة هائلة، وبأساليب مُبتكرة، ولكني أظن أن هذا ليس تواصلاً اجتماعيًا، بل إنه تواصل تكنولوجي، بدليل أن أفراد الأسرة الواحدة قد لا يعرفون عن بعضهم بعضًا، سوى الخطوط العريضة فقط لحياتهم، رغم أنهم يعيشون تحت سقف واحد، وعندما يُحبون التواصل، يختارون الأساليب التكنولوجية، ولا يُكلفوا أنفسهم بُرهة من الزمن، ليتحدثون فيها وجهًا لوجه، لكي يقفوا على مشاعر بعضهم البعض.

فللأسف، هذه الوسائل التواصلية، قتلت المشاعر القوية الفياضة بين البشر، فلم يعد هناك تواصل نفسي وحسي بين الناس، فالصداقة أصبحت إلكترونية، والحُب اختنق عبر وسائل التكنولوجيا، فالإنسان أصبح يتعامل مع الأجهزة والأدوات أكثر ألف مرة من تعامله مع البشر، لدرجة أنه أصبح يُصاب بحالة من الهوس، إذا فقد أحد هذه الأجهزة؛ لأنه يشعر حينها أنه أصبح في عزلة تامة عن المجتمع، وكأنه قبل اختراع هذه الأساليب للتواصل، لم يكن يعيش في هذا المجتمع، ويتواصل مع بقية البشر.

وأظن أن الإنسان في البداية كان أكثر تواصلاً من الآن، ربما كانت علاقاته أقل، وكذلك معارفه، ولكن كانت هذه العلاقات تتسم بالحميمية والمصداقية، وكان فيها من التواصل النفسي، والعمق الفكري، ما يُشعر الإنسان بأنه ليس مُنعزلاً أو وحيدًا، أما الآن، فالإنسان أصبح يجلس في عزلة، حتى وهو مع أقرب المقربين له؛ لأنه يتعايش مع أجهزة، ويتواصل مع الآخرين بصورة ليس فيها دفء أو إحساس، فهل يُمكن أن نُسمي ما يحدث الآن بالتواصل الاجتماعي، أم بالانعزال الاجتماعي.