عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
خدعة تمكين المرأة

خدعة تمكين المرأة

بقلم : طارق رضوان

فجأة ينفجر اللفظ، ويحقق انفجاره المحسوب الدوى المطلوب، والوهج المطلوب، وتتناثر حممه فى كل مكان، ويظهر خلف غبار الانفجار وبريق الوهج، دانات مدافع الإعلام لتسويقه، والدفاع عنه، فكلما اخترع الغرب تعبيرًا جديدًا، لابد أن نتحسس عقولنا، ونتدبر، ونتوقع الخطر. وكلما خرج اختراع لفظى من منظمة عالمية تقع تحت السيطرة الأمريكية وتخص العرب، لابد أن فى الأمر شيئًا ما، وعلينا الحذر، والمرأة بكل ما تملكه من أهمية وتأثير، وحياة، هى إحدى أدوات استغلال الغرب للعالم الثالث.

فالدول، خصوصًا الدول الكبرى، ليست مؤسسات خيرية، وليس من همومها مسح دموع البشرية، وإنما هى كيانات تقوم على مصالح مجتمعات لها ضرورات أمنها، ولها فى ذلك استراتيجياتها وإدارة علاقتها مع مجتمعات أخرى على أساس تبادل المنافع من ناحية وموازين قوة من ناحية أخرى، وليس على أساس التبرع بالخيرات، فمع انتصاف القرن العشرين، كان العالم قد تغير كثيرًا عما كان عليه قبل نصف قرن، وأصبحت بعض أنواع التقدم الاقتصادى فى البلاد الفقيرة مطلوبة حتى من وجهة نظر الدول المتقدمة نفسها، أسلوب جديد لاقتصاد جديد، ومصالح جديدة، لكنها أنواع من التقدم المحسوب دون غيرها، ومازالت بعض أنواع التقدم الأخرى مضادة لمصلحتها ويجب التحذير منها، ومنعها، فمن المفيد للدول المتقدمة أن تتسع أسواق الدول الفقيرة لاستهلاك سلع وخدمات جديدة لم تكن تنتج من قبل، أو لم تكن بهذه الكثرة، منتجات من السيارات وزجاجات الكوكاكولا إلى السوشيال ميديا، وتصريف هذه السلع يحتاج إلى بعض أنواع التنمية، كارتفاع متوسط الدخل بشرط ألا يعنى هذا زيادة قدرة الدول الفقيرة على إنتاج مثل هذه السلع بنفسها والاستغناء عن استيرادها، لم يعد من المفيد إذن القول إن التنمية فى هذه البلاد مستحيلة، بل من المفيد التشجيع عليها، وهكذا ظهرت شعارات جديدة من اختراع ماكينات الغرب، شعار (التنمية)، ذلك الشعار الذى تردد بكثرة فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، انتشر انتشار النار فى الهشيم، ولأن التنمية الآن أصبحت ممكنة ومرغوبا فيها، فإن من الأفضل الإقلاع عن تسمية بلادنا بالمتأخرة، وإطلاق أسماء أكثر تفاؤلا، فاخترعوا اسمًا جديدًا يناسب المرحلة.
(الدول النامية)
وعلى هذا ظهر معيار جديد لتقييم أداء النمو، فاخترعوا مسمى آخر وهو (التنمية البشرية)، أى تلك المتعلقة بالإنسان كآدمى وليس فقط باعتباره مستهلكًا ومنتجًا للسلع والخدمات، هذا المعيار الجديد، معيار التنمية البشرية قامت بالإعلان عنه هيئة تسمى برنامج الأمم المتحدة للإنماء(undp)  فى سنة 1990، وقيل إنه سوف يتم بناء عليه ترتيب البلاد المختلفة من حيث تقدمها أو تأخرها فى مضمار التنمية البشرية، ويقوم هذا المعيار على ثلاثة مؤشرات (متوسط الدخل - العمر المتوقع لدى الميلاد - حالة التعليم)، ثم ظهر فجأة فى سنة 2002 تقرير مدهش من نفس المنظمة (undp)، ولكنه خاص بالبلاد العربية وحدها ويحمل عنوانا أكثر اندهاشًا وهو (التنمية العربية الإنسانية)، اختراع لفظى آخر كما ترون،  تجرأ هذا التقرير على الادعاء بأنه يقدم لنا معيارًا أكثر شمولاً للتقدم الإنسانى والتخلف، وهو يعتمد على ثلاثة مؤشرات هى، الحرية والمعرفة وتمكين المرأة، أى الارتفاع بمستوى المرأة ورفع القهر عنها، وراح التقرير يقارن الدول العربية بعضها ببعض، وكذلك بالدول الأخرى فى هذه الأمور الثلاثة، دعك من المعيارين الأولين (الحرية والمعرفة)، وعلينا التركيز على تمكين المرأة، لا ينكر أحد أن المرأة المصرية أو العربية تعانى من بعض صور القهر التى يتعين التخلص منها، ولكن أى امرأة فى العالم لا تعانى من بعض صور أو أخرى من القهر؟ وأى مرحلة من مراحل التاريخ عرفت مساواة المرأة بالرجل؟ إن من الخطأ الظن بأن الأمم المتقدمة اقتصاديًا وتكنولوجيًا لابد أن تكون قد نجحت أيضًا فى تحرير المرأة من كل صور القهر، فالتقدم الاقتصادى والتكنولوجى قد يؤدى بذاته إلى زيادة استغلال المرأة اقتصاديًا ونفسيًا، إما خضوعًا لمنطق تعظيم الأرباح فى ظل الرأسمالية، أو لمنطق تسويق السلع فى ظل المجتمع الاستهلاكى، أو لمنطق تشجيع الفردية والاستقلالية فى ظل المجتمع التكنولوجى الحديث، أو لكل هذا معًا، لا عجب إذن أن يبدو الكلام عن تمكين المرأة ادعى إلى السخرية منه إلى معاملته معاملة الكلام الجاد، بل إن العبارة نفسها (تمكين المرأة) تفضح سخافة الهدف، فهو تعبير فى اللغة العربية عبارة غير مكتملة، إذ إن كلمة تمكين بالعربية لا يكتمل معناها إلا إذا اقترنت بالبوح بالشىء الذى يراد تمكين المرأة منه، فتمكين المرأة من المال قد يفقدها استقلالها وحريتها إزاء الشركة التى تكسب المال منها، وتمكينها من الاستقلال عن الزوج قد يفقدها التمتع بمكانتها كأم وربة أسرة، إنها خدعة كبرى كما نرى، التقرير المدهش فى تفاصيله وفى أغراضه، يبين لنا أن أغلبية النساء فى مصر يعملن بسبب الحاجة الاقتصادية، أو لأنهن بلغن مستوى عاليا من التعليم، ( 41 % ) من إجمالى النساء العاملات أميات (6.1 % فى الحضر و 60.7 % فى الريف) و(27 % من القوة العاملة النسائية الموظفة لديهن شهادة متوسطة (39 % فى الحضر و20 % فى الريف) وعلى الجانب الآخر نجد أن 18.6 % من النساء معهن درجة جامعية أو أعلى، أى ماجستير أو دكتوراه ( 40 % فى الحضر و6.5% فى الريف)، وهذا النمط لم يتغير كثيرا على مدى العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، فالنساء العاملات إما يكن أميات ويعملن فى المقام الأول فى القطاع الزراعى أو القطاع الحضرى غير الرسمى (فى الغالب كخدم فى البيوت) أو متعلمات إلى درجة كبيرة، ويعملن فى الوظائف المهنية خاصة فى ميادين الصحة والتعليم مؤخرًا، ففى المناطق الحضرية تتركز النساء فى الوظائف المهنية والفنية فـ62% من كل النساء العاملات الحضريات يتركزن فى هذه الوظائف فى مقابل 29 % فقط من كل الذكور الحضريين العاملين، وأعلى معدلات تركز النساء الحضريات توجد فى التعليم (32 % من كل النساء، العاملات ) يليه الإدارة (22.5 %) ثم الصحة والعمل الاجتماعى (11.3)، أما فى المناطق الريفية فيتركز 70 % من كل العاملات فى الوظائف الزراعية فى مقابل 44 % فقط من الذكور العاملين الريفيين، إن الإحصائيات السابقة تظهر حقيقتين مهمتين أولا: إن النساء العاملات المتعلمات تتركزن فى وظائف قليلة جدا (التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والإدارة العامة)، وهى وظائف تعتبر ملائمة أكثر للنساء وامتدادًا لأدوارهن فى الأسرة القائمة على تقديم الرعاية، والنساء فى الزراعة تكن فى الأغلب عاملات أميات يعملن بلا أجر لصالح الأسرة، ولا يحظين حتى بتقدير أو اعتراف بإسهامهن فى العمل، وإنما ينظر إليهن على أنهن يؤدين جزءا من دورهن كزوجات خاضعات، وهذا التركيز للإناث فى بضع وظائف قليلة يعزز الإدراك العام لأدوار النوع الجامدة التى يتخصص النساء وفقًا لها فى وظائف تعتبر أنثوية، ثانيا: تراجعت نسبة الإناث فى فئة عمال الإنتاج من 10 % فى 1990 إلى 1.1 % فى 2002. وذلك مؤشر على تهميش النساء والتمييز من جانب أصحاب الأعمال ضدهن سواء فى القطاع الخاص أو فى المشروعات المملوكة للدولة. إن التراجع فى فرص العمل بالنسبة للإناث والزيادة الكبيرة فى معدلات بطالتهن والنسبة العالية للأسر التى تترأسها نساء تشير معًا إلى الميل إلى تأنيث الفقر فى مصر، فقد استخدم مؤتمر المرأة فى بكين 1994 مؤشرين لقياس فقر النساء، معدلات بطالة النساء ونسبة النساء اللاتى يترأسن أسرًا، وتقرير البنك الدولى حول دفع التنمية يعارض إمكانية استخدام مؤشر ترأس النساء للأسر كدليل على الفقر النسائى، ويشدد التقرير على أن كثيرًا من الأسر التى ترأسها نساء يمكن أن تتكون من امرأة موظفة وحيدة، وفى سياق المعايير الاجتماعية والثقافية المصرية يندر أن تعيش النساء العازبات وحدها حتى المهنيات منهن، فالروادع والتقاليد الثقافية لحماية فضيلة النساء لا تشجع النساء العازبات على العيش بعيدًا عن الأسرة، إضافة إلى ذلك فإن أحدث مسح بالعينة العشوائية للقوة العاملة يكشف أن 16 % تقريبًا من كل الأسر يترأسها نساء وغالبية هؤلاء الإناث أميات (حوالى 64 %) أو شبه أميات (18 %) من إجمالى 82 % والأمية مؤشر آخر على الفقر، ولذلك فإن مؤشر الأسر التى يترأسها نساء يمكن أن يكون دليلا جيدا على الفقر النسائى فى سياق المجتمع المصرى، من هنا لابد أن نتوقع الخطر، خطر المؤسسات الغربية للتدخل فى شئون الدول النامية تحت مظلة تبدو عادلة، أهمها تمكين المرأة، وهو مسمى يسيل اللعاب ويعطى مبررات لمنظمات حقوق الإنسان أن تتلقى دعما خارجيًا لأغراض أخرى تحت مسمى إنسانى، وتتدفق الدولارات، وتصرخ وسائل إعلامهم للدفاع عنهم، فالغرب لا يعمل من أجل الإنسانية المعذبة، بل لتعذيب الإنسانية لمصلحته الخاصة.•



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز