عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القدس ونضال "الكيبورد"..!!

القدس ونضال "الكيبورد"..!!

بقلم : د. شريف درويش اللبان

عجبت كثيرًا من نضال البعض من شبابنا ورجالنا ونسائنا من تعاملهم مع قضية القدس على شبكات التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، فلقد امتلأ الفيس بوك عن آخره بتدوينات ولا أروع، وتم تغيير صورة البروفايل Profile Picture، وصورة الغلاف Cover Photo لحسابات العديدين لتحل صورة المسجد الأقصى أو ما يُعتقد أنه المسجد الأقصى محل صورهم الشخصية وصور السيلفي والصور الاجتماعية التي كل تحتل أغلفة صفحاتهم. وكأن هذا هو كل المراد من رب العباد في قضية القدس. وكأن إيمان المرء لا يكتمل إلا إذا خاض معارك النضال على "الكيبورد" على جهاز الكمبيوتر الشخصي أو المحمول "اللاب توب" أو أجهزة الكمبيوتر اللوحية Tabs أو أجهزة الموبايل الذكية  Smart Phone.



وهنالك على صفحات التواصل الاجتماعي، وفي ذروة النضال "الفيسبوكي" ظهرت الفتنة بين القوم وزُلزلوا زلزالاً شديدًا، فمن قائل يا جماعة الخير.. يا من قمتم بنشر صورة المسجد الأقصى على حساباتكم وبروفايلاتكم وأغلفة صفحاتكم، هذا ليس المسجد الأقصى بل هذا هو مسجد قبة الصخرة والفارق بينهما كبير ولابد من أن تعلموه لأولادكم، وبمجرد هذا الاكتشاف المذهل نسينا القدس، وبدأنا "نتفذلك" على بعضنا بأن هذا يعرف الفارق بين المسجديْن، وذاك "الجاهل" لا يعرف هذا العلم اللدُني، وهذا يدخل في إطار المكايدة الثقافية والمعرفية بين شباب وكبار يتمتعون بقشور ثقافية لا تختلف كثيرًا عما تتمتع به "القشريات" من قشور على جلدها السميك.

وتأتي الظاهرة الثانية في هذا المضمار وهي ظاهرة "المزايدين" على زملائهم الفيسبوكيين حفظهم الله ورعاهم، الذين قالوا لإخوانهم هلموا إلينا نناضل بطريقة أكبر من مجرد تغيير البروفايل وصورة الغلاف، وهو ما أغضب من قاموا بذلك، واعتبروا ذلك تدخلاً في أمورهم الشخصية وحساباتهم الفيسبوكية التي منحهم زوكربرج إياها، على اعتبار أنه قد تمت هندسة الشبكات الاجتماعية بحيث تكون لنا حسابات متجاورة مثل البيوت لنا أن نفعل فيها ما نشاء، فلا تثريب عليكم اليوم، إن ناضلتم بتغيير صورة البروفايل والغلاف، واعتبرتم أن هذا هو كل ما تطيقونه في سبيل الله والقضية الفلسطينية التي مر عليها 100 سنة بالتمام والكمال من وعد بلفور إلى وعد ترامب. المصيبة الأكبر أن مَن يُزايدون على هؤلاء لا ينوون أن يفعلوا أي شئ أكثر من المزايدة الإنترنتيْة التي بدأت تغزو الشبكة العالمية في الأونة الأخيرة للحصول على السلع والخدمات، ولكن المزايدة في موضوع القدس هي للحصول على "الوجاهة النضالية" وتسفيه نضال الآخر، بأنه لا يليق وغير كافٍ. ولم يزايد البعض الثالث على الآخرين لأنه يحترم نفسه ويحترم حسابات الآخرين، إلا أنه زايد على نفسه بأنه قال إن القضية أهم وأخطر من مجرد تغيير صورة البروفايل أو الغلاف ولذلك فإنه لن يقوم بذلك، ولكنه لم يوضح لنا ضروبًا أخرى من النضال.

والظاهرة الثالثة هو النضال فداءً للقدس على الأرض من أجل التواجد المميز على الفيس بوك، فهناك بعض المناضلين الأشداء مضوا إلى ما هو أبعد من النضال الفيسبوكي اللعين، لأن القضية تستحق ما هو أكثر من ذلك، تستحق المشاركة في مظاهرات محدودة خافتة لم نكد نسمع لها صوتًا لأنها جاءت على عجل ودون إعداد جيد وخجولة خشية تطبيق قانون التظاهر عليها، والمصيبة بعض مَن شارك في هذه المسيرات سواء داخل الجامعات أو خارجها شارك فيه عفو الخاطر أو بالصدفة المحضة أو للفُرجة على المظاهرات اللي وحشته لما كان بيتفرج عليها أيام التحرير والاتحادية، إلا أن المناضلين الأشداء كانوا يشاركون في هذه المظاهرات أو المسيرات بغية أمريْن لا ثالث لهما وهما أن يقولوا أنهم مناضلون بجد مش "بلاستيك" ولم يكتفوا بنضال "الكيبورد"، وأن يكونوا "لايف" على الفيس أثناء نقل هذه المسيرات ليثبتوا للقاصي والداني أنهم كانوا هناك في وسط العشرات الذين جمعتهم محاسن الصُدف ليناضلوا شوية إبراءً للذمة.

والظاهرة الرابعة هي الحيرة الممزوجة بالأسى لدى البعض، وكأن الكائن الفيسبوكي وقع فجأة في بئرٍ عميقة لا قرار لها، وهنالك جلس يفكر ويفكر، ويُشركنا معه في تفكيره العميق والعقيم في آن واحد قائلةً: " والله أنا محتارة أشارك معاكم في موضوع القدس إزاي.. يعني أكتب بوست.. ولا أغير صورة البروفايل".. وطبعًا الواحد مرارته "اتفقعت"، والنبي يا حاجة ولا يا آنسة ولا يامدام الحكاية مش نقصاكي، إعملي أي حاجة.. أقولك إعملي بامية..!!.

والظاهرة الخامسة التي لا أجد لها تفسيرًا هو السخرية من الرؤساء والملوك والأمراء العرب وموقفهم من القضية، بأن الملك فلان عمل "بلوك" لترامب والرئيس علان لم يجرؤ على الإقدام على هذه الخطوة فعمل لترامب Unfollow. والغريبة أن هؤلاء يطلبون ما لا يمكن طلبه من هؤلاء القادة، ويرفعون سقف المطالب والردود العصبية العنيفة التي لا تنفع في السياسة ولا تتسق مع القانون الدولي، بل تصلح لناس قاعدين على قهوة أو بيتخانقوا في حارة..!.

والظاهرة السادسة هي المكايدة بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وهنعمل إيه أكثر مما عملناه من تصريحات وبيانات وجامعة عربية ووزراء خارجية، أُمال فين الإخوان والسلفيين وبيت المقدس وأحرار الشام وجبهة النُصرة، ما يروحوا يحرروا القدس، مش الإخوان كانوا بيقولوا "ع القدس رايحين شهداء بالملايين"، وهذا منطق معوج يأتي في إطار المكايدة، وهو ما لا مجال له إذا أردت أن تشارك في مناقشة قضية، وهو منطق نسائي بحت لا يليق برجال طول بعرض الواحد منهم زي "الفلق" ورغم ذلك يقع في هذه التصرفات الصغيرة التي لا تليق بالصبية.

إن قضية القدس ومن قبلها القضية الفلسطينية في حاجة إلى ما هو أبعد من الفيس بوك، فهي في حاجة إلى الكُفر بعملية السلام والكُفر بالولايات المتحدة كراعي لهذه العملية التي مات فيها الجنين مرات ومرات منذ اتفاقيات أوسلو ومؤتمر مدريد منذ تسعينيات القرن الماضي، ورغم ذلك لسه العرب ماسكين في ديل "ماما أمريكا". إن الحل هو ممارسة النضال الوطني بأشكاله كافة على أرض الواقع وليس على الإنترنت، وليكن هذا النضال سياسيًا وقانونيًا واقتصاديًا.. ومسلحًا إن لزم الأمر.. نضالًا نفسه طويل، ولايتغير بتغير الأحوال على الفيس بين ساعة وأخرى.. نضالًا لا يتأثر بهزيمة الأهلي أمام مصر المقاصة، فينسى الناس القدس، ويبتأس الأهلاوية، ويفرح الزملكاوية بنصر الله على أعدائهم وأعداء الإنسانية من "الشياطين الحُمر".

عزيزي الفيسبوكي: هل غيرت صورة "البروفايل" اليوم؟!!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز