عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حكاية "الأرزقية"
بقلم
محمد نجم

حكاية "الأرزقية"

بقلم : محمد نجم

لا يكل ولا يمل الإخوة الأكاديميون وبعض الخبراء «المتكلمين» عن ترديد العبارة الشهيرة «مخرجات التعليم لا تتناسب مع متطلبات سوق العمل»، لقد صكوا هذه العبارة وحولوها إلى ما يشبه «العنوان» الذى يتم استدعاؤه عندما يتم مناقشة البطالة فى مصر أو أوضاع سوق العمل فيها.



والمشكلة أن كلامهم تؤيده الإحصاءات المتكررة والتى يصدرها الجهاز المركزى للإحصاء من آن لآخر حول حجم وطبيعة البطالة فى السوق المصرى، حيث ترتفع النسبة بين خريجى الكليات والمعاهد العليا.. وأيضا بين الإناث، وأخيرًا بين الشباب عموما وخاصة الحاصلين على الدبلومات.

والطريف أن ما يقولونه يؤيده الواقع أيضا، حيث زحام غير مبرر على القهاوى والكافيهات، بل هناك توسع لا تخطئه عين الملاحظ فى كثرة «القهاوى» فى الشارع الواحد ويجاورها مباشرة مطعم جديد أو مخبز صغير!

والمعنى أن «الشباب» فاضى.. أى لا يعمل.. ومن ثم ليس أمامه سوى «قتل» وقت الفراغ مع شلة القهوة، وعندما يقرص بطونهم الجوع، يطلبون من الجرسون أن يمدهم بسندوتشات أو بتيهات من المطعم أو المخبز المجاور.

طيب وبعدين؟!.. ومين بيصرف عليهم؟ وإيه السبب فى تلك الحالة التى نحن عليها؟

لقد حفظنا أيضا عبارة التربويين وغيرهم من خبراء التعليم والحكماء من أن «التعليم» هو الطريق الشرعى للصعود إلى الطبقات الأعلى فى المجتمع، وكثيرًا ما سمعنا فى المؤتمرات والندوات النداءات المتكررة بضرورة اهتمام الدولة بالصحة والتعليم، حيث العقل السليم لن يكون إلا فى الجسم السليم، كما أن التعليم حق لكل إنسان كالهواء والماء.. كما قال الرائد المجدد طه حسين.

ولكن الواقع - يا أهل الخير - يكشف أن التعليم لم يعد كما قلتم، وأنه تحول إلى استثمار خاسر، فضلا عن وجع القلب والقلق المستمر الذى تعانى منه الأسرة المصرية طوال فترة المراحل التعليمية لأبنائها.

وأعتقد أن أغلب الأسر المصرية تعانى حاليًا من ارتفاع مصاريف «الحضانة» والتى بلغت فى بعض الأماكن إلى «ثلاثة آلاف جنيه فى الشهر» للأطفال من عام إلى 3 أعوام، أى قبل مراحل الـ كى جى واحد واثنين!

ولا يخفى على أحد أيضا المصروفات الباهظة التى يدفعها أولياء الأمور فى بعض المدارس الخاصة أو مدارس اللغات والتى بلغت مؤخرًا حوالى 400 ألف جنيه فى العام الواحد.

حتى الجامعات الحكومية اخترعت ما يسمى بالنظام الخاص أو التعليم الموازى سواء فى اللغات أو فيما يسمى بالساعات المعتمدة، وكلها برسوم بلغت 18 ألف جنيه فى التيرم الواحد فى بعض الكليات العملية.

والمعنى أن 22 سنة من تربية الأسرة وتعليمها لأبنائها تضحى فيها بالغالى والنفيس ليحصل أبناؤها على «الشهادة العليا» ثـم بعدهـــا يجلسون فى البيت أو على كراسى أقرب مقهى!

ولماذا يحدث ذلك؟

لأن مستوى التعليم تدهور فى السنوات القليلة الماضية، فلجأت الأسر إلى «التعليم أبو فلوس»!

ولأن الحكومة لم تعد تعين «الخريجين» فانخفض حجم الوظائف المتاح، ليس ذلك فقط.. بل إن الحكومة مُركّزة فى الاستثمار العقارى.. وبعض المشروعات القومية الكبرى.. وهذا وتلك تستوعب حجمًا لا بأس به من العاملين.. ولكنهم من غير خريجى الجامعات، ثم إنها فرص عمل مؤقتة بانتهاء البناء أو شق الطريق.. إلخ.

ولذلك وطبقا لدراسة قيّمة أجراها د. راجى أسعد أستاذ السياسات العامة بجامعة مينسوتا الأمريكية، انتشرت ظاهرة «الأرزقية».. وهم الذين يعملون فى القطاع غير الرسمى بدون عقود عمل وبدون تأمينات.. وهؤلاء نسبتهم أكثر من 40% فى سوق العمل، وكلها بالطبع لا تحقق حماية اجتماعية للعامل وهى غير ثابتة.. أى مؤقتة، أضف إليهم الذين يعتمدون على أنفسهم بتدشين مشروع خاص.. كسائقى الأجرة أو الميكروباصات أو عربات الفول المنتشرة فى الشوارع المصرية.. وهؤلاء - طبقا للدراسة - يمثلون 60% من سوق العمل بالقطاع الخاص.

طيب.. والشهادة الجامعية يا د. أسعد والذى حصل عليها الخريج بعد جهد جهيد وتكليف باهظ، يخبرنا الدكتور أنها تحولت إلى نوع من الوجاهة الاجتماعية يتم استغلالها عند الزواج!

لو سمحت.. زدنا يا دكتور أسعد..

فيخبرنا د. أسعد بأن أكثر قطاعات العمل بالقطاع الخاص التى تخلق فرص عمل جديدة.. هى قطاعات النقل والتشييد والبناء والتجارة الداخلية، وقطاع التشييد والبناء وحده يشكل ربع وظائف القطاع الخاص فى مصر، رغم أن فرصة العمل به غير مستديمة وغير مستقرة، أما العمل فى التجارة فلا يحقق الدخل المناسب لمواجهة متطلبات الحياة الضرورية.. هذا على الرغم من أن 20% من خريجى الجامعات يعملون بهذا القطاع حاليا.

لقد فهمت من تلك الدراسة وبعض الخبراء ومنهم د.عبلة عبد اللطيف وإبراهيم عوض أن المشكلة ليست فى سوق العمل.. ولكن فى السياسات بمعنى أنه لابد من التركيز على الاستثمار كثيف العمالة.. أى الذى يتيح أكبر فرص عمل ممكنة، والأهم أن تتميز بالاستمرار والثبات.

والمعلوم أن القطاع الخاص يبحث عن القدرة على العمل والمهارة فيه، أما حكاية الشهادات الجامعية.. فنسبة الاحتياج إليها قليلة مثل البنوك أو قطاع الاتصالات أو بعض المهن النوعية.

هذا مع توقف الحكومة عن تعيين الخريجين - كما كان يحدث من قبل - مع تباطؤ النشاط الاقتصادى.. ووجود العديد من المصانع المغلقة لأسباب مختلفة.. كل ذلك كان سببا فى ارتفاع نسبة البطالة فى المجتمع وظهور «الأرزقية»، أى الذين اعتمدوا على أنفسهم.. ويحصلون على رزقهم يومًا بيوم وحسب تساهيل ربنا والسوق.

ومن هنا لابد من إعادة النظر فى منظومة التعليم بالكامل، وأيضا فى توجهات الاستثمار الحالية والتركيز على الصناعات التحويلية كثيفة العمالة ومنها النسيج على سبيل المثال.

الموضوع كبير.. وفيه تفاصيل كثيرة.. ونكتفى بهذا القدر.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز