عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أمريكا خرجت من اللعبة

أمريكا خرجت من اللعبة

بقلم : طارق رضوان

للقدس جلال. ومحبة وحنين. وللقدس رجال. مهما مر الزمن ومهما كانت انتهاكات المستعمر ستظل المدينة العتيقة تسير فى دمائنا. محفورة على جدران ذاكرتنا. رمزا لعروبتنا ونخوتنا. وهى قضيتنا. وقضية مصر كلها حكاما وشعبا. لكننا نحتاج لوقفة مع النفس. ويعرف كل منا دوره. من قام بدوره كاملا. ومن كان خائنا. ومن كان منبطحا. ومصر منذ مائة عام. منذ أن اتصل بلفور هاتفيا بتيودور هرتزل يبشره ضاحكا (مبروك جالك ولد) ردا على مقالة هيرتزل فى التايمز البريطانية (مطلوب ولد) طالبا بوطن لليهود. ومصر تحمل تلك القضية على أكتافها. والآن منذ أن أصدر الرئيس الأمريكى قرارا بنقل سفارة بلاده إلى القدس. ستبدأ مصر مرحلة جديدة فى تحمل القضية وإدارتها كعهدها.



عندما انتهت المصالح الأمريكية وانتهت أولوياتها. صدر القرار. وكل ما فعله ترامب هو إعلانه وهو يرتدى رابطة عنق بلون دولة إسرائيل. وهو بداية النهاية للقضية الفلسطينية. ويعنى خروج الأمريكان نهائيا من اللعبة كطرف محايد. ونجح تيار منظمة الصهونية العالمية فى فرض وجهة نظرهم. فقد كان هناك فريقان من اليهود يتصارعان من أجل غلق القضية. فريق اليمين المتطرف يتبنى حل الدولتين ويسانده التيار السياسى فى الإدارة الأمريكية بقيادة جاريد كوتشنر. وتيار منظمة الصهونية العالمية ويسانده الجنرالات فى الإدارة الأمريكية. الذى يتبنى حل الدولة الواحدة - تشبه دولة جنوب أفريقيا - ينصهر فيها العرب مع اليهود فى دولة واحدة كما انصهر السود مع البيض فى جنوب أفريقيا - الأبارتيد - وهو ما جعل بنيامين نتياهو يعلن مسرعا عن يهودية دولة إسرائيل خوفا من المستقبل. فعدد العرب والتوقع بزيادتهم فى المستقبل تجعل اليهود أقلية. وهو ما يخشاه صقور إسرائيل. ينصهر العرب مع اليهود مع تمثيل كل فئة فى الكنيست وفى الإدارة وفى الجيش. حسب الكتلة السكانية. ويعنى ببساطة انتهاء الهوية اليهودية خلال ثلاثة عقود على الأرجح. أما فى عالمنا العربى فقد حولنا القضية إلى قضية دينية. رغم أن القرار الأمريكى قرار سياسى. لكنها العادة العربية. القدس المدينة المقدسة مساحتها 1 كيلو متر مربع. المقدسات المسيحية تمثل 90 % والأقصى وقبة الصخـرة وغيرها من الأوقاف الإسلامية تمثل 10 %. لكن جماعة الإخوان ومن ورائهم حولوا القضية إلى قضية دينية للمزايدة. وقرار الأمريكان أحد أهدافه هو دعم التيارات الدينية المتطرفة للضغط على شعبها وحكومتها لمحاولة إعطاء قبلة الحياة لتلك التيارات للاستفادة منهم فى خططهم المستقبلية. وليجمع ترامب أصوات اليهود ودعمهم فى الإمبراطورية بعدما اهتزت شعبيته. والعرب كعادتهم الكل فى واد والكل يتصارع والبعض منهم يزايد. والبعض انتهت دولته وتحاول أن تلملم أشلائها من جديد. والجميع فى انتظار دور مصر. أكبر جيش فى المنطقة وأكبر دولة بنفوذها وحجمها ودورها التاريخى. والحقيقة أن القضية الفلسطينية هى أحد أهم اهتمامات الدولة المصرية منذ حرب 48 الشهيرة. وقد كان لرئيس الوزراء المصرى إسماعيل صدقى وجهة نظر فى الدولة اليهودية حيث قال إذا حاربتم اليهود وهم أمة غير مقاتلة انصرفت للتجارة وقطاعى المال والبنوك، فإذا قاموا بالتركيز على القتال فسوف يتفوقون فيه. وكإنما نكون نحن الذين علمناهم الاهتمام بالحرب وفنون القتال. ولقد أدرك «إسماعيل صدقي» برؤيته المبكرة أن اليهود الذين احتشدوا من أنحاء العالم على أرض «فلسطين» سوف يسعون إلى إجادة ما يعملون مثلما هو أمرهم فى باقى شئون الحياة، وأنهم سوف يحيلون الأراضى المحتلة إلى ترسانة أسلحة ويستقطبون الخبرات العسكرية من كل مكان، ونكون بذلك قد حولناهم من شعب لا يجيد القتال إلى دولة محاربة، وهذا ما حدث بالضبط. فالحل للمشكلة الفلسطينية يمكن أن يرتكز على معادلة اقتصادية يفهمها اليهود جيداً قد تكون أقرب إلى قرار التقسيم الذى رفضناه فى حينه. وتولت مصر مسئولية القضية الفلسطينية. فقد سأل حبر عربى على الورق عن قضية فلسطين بأكثر مما سال دم فى معاركها على مختلف الميادين. ومصر وحدها. ووحدها فقط هى من تبنت القضية دون مصالح لفرض نفوذ أو ذريعة للتطبيع كما هو الحال فى بعض الدول الخليجية. ولم تكن من أجل أوراق ضغط لمصالح خاصة ويتم المتاجرة بها كتركيا وإيران. فالإدارة المصرية حريصة على القضية وقت الحرب ووقت السلم. فقد كانت المدرسة المصرية هى المعلم الأوحد للوفد الفلسطينى فى مؤتمر مدريد الشهير وقت أن كان ياسر عرفات يعد فى نفس الوقت لاتفاقية أوسلو. وهى الاتفاقية التى قال عنها الشاعر محمود درويش إننا دخلنا بهذه الاتفاقية إلى زمن بغير ماض. وهو من قام بصياغتها باللغة العربية ومن قام بصياغتها باللغة الإنجليزية الكاتب المستشرق إدوارد سعيد. حيث جاء الوفد الفلسطينى إلى مصر قبل الذهاب إلى مدريد. وتحول الدور الأعلى فى فندق شيراتون الجزيرة إلى شبه مدرسة تقوم بتدريس فن التفاوض مع إسرائيل للوفد الفلسطينى. وجلس الدكتور حيدر عبدالشافى والدكتورة حنان عشراوى والسيد فيصل الحسينى والدكتور صائب عريقات على مقاعد الطلبة. وقام الأساتذة المصريون بدور المدرسين. وكان بينهم الدكتور مصطفى خليل والمستشار أسامة الباز والسيد عمرو موسى والدكتور نبيل العربى. وحضر أبومازن الموجه الفلسطينى لعملية التفاوض معظم هذه الدروس وهو أحد أهم مفوضى اتفاقية أوسلو. وفى الأيام الأخيرة قام رجال المخابرات المصرية ممن يعرفون كل صغيرة وكبيرة وكل معلومة عن الطرفين بدور كبير فى محاولة الصلح ما بين منظمة فتح وحركة حماس. وتعنت كل من الطرفين ليفشلوا الصلح لمصالح خاصة. لكن صبر مصر كان أكبر من أى خلافات. لأن دورها التاريخى مهما كانت الصعوبات. وكان القرار الأمريكى المؤجل بنقل السفارة هو بداية لانطلاق المخطط الكبير للشرق الأوسط الجديد الذى بدأ منذ بداية ما يسمى بالربيع العربى. وانهيار أنظمة وتدمير دول وتفكك حدود. وبسقوط الحواجز على طريق الشرق كان اتجاه الاستراتيجية الإسرائيلية يواجه أفقا مفتوحا. فهى إسرائيل ثم الضفة الغربية منطقة مفتوحة ومشاع بينها وبين الأردن وربما مع دور يتقرر حجمه فيما بعد للسلطة الوطنية ومن ثم ينطلق السهم الاستراتيجى إلى الخليج . وهو القوس الواسع بعرض السماء للمستقبل الإسرائيلى وفى التصور الاستراتيجى فهو نوع من (البينولوكس) - الاتحاد الاقتصادى الذى يجمع بلجيكا وهولندا ولوكسمبرج - هو بداية محددة حتى يتضح اللا محدود فى خطط سوق شرق أوسطية تكون إسرائيل ركيزة ترتيباتها فى مجالات الإنتاج والتبادل التجارى والسياحة والخدمات من المواصلات والاتصالات إلى الكهرباء والماء وبحيث تكون هى الواسطة وهى القاعدة والعقدة وذلك هو شكل المستقبل المطلوب وبه يتحقق السلام المرتجى. وفى المقابل يقف الشعب الفلسطينى مغلوبا على أمره وسط صراعات فى السلطة ما بين فتح وحماس والكل يتاجر بالقضية دون تقديم حلول فعلية تنتشل الشعب الفلسطينى من مأساته التى طالت أكثر من اللازم. وقد كان للقيادات الفلسطسينية الواعية وللشعب دورا من قبل فى انتفاضة الحجارة الأولى التى بدأت فى الثامن من ديسمبر عام 1987 وهو دور عبقرى يبدو عفويا نابع من وصول شعب إلى طريق المستحيل. فكانت انتفاضة الحجارة الأولى التى خطط لها (خليل الوزير) أبوجهاد. لذلك كانت الانتفاضة مشهدا إنسانيا جليلا وكان أعظم ما فيه أنه جاء طبيعيا ولدرجة تكاد تكون تلقائية. وهذا هو الذى يحدث عادة عندما تجد الشعوب نفسها فى مواجهة مصائرها. ويكون عليها فى لحظة من اللحظات أن تقف وتثبت استحقاقها الحياة. أو تركع وتتخلى عن الحياة ذاتها. وهذا هو دور القادة وأهميتهم. لقد بدأ المشهد الجليل للانتفاضة بطفل صغير عمره تسع سنوات شاهد سيارة عسكرية إسرائيلية تحاصر شارعا فى غزة. وإذا هو بطريقة عفوية يمد يده إلى الأرض يلتقط حجرا ثم يفرد ذراعه على طولها متخذا وضع الرامى وقذف الحجارة فى اتجاه السيارة الإسرائيلية. وتبعه صبية مثله وفى ظرف ساعات كان أطفال الحجارة قد دخلوا المعركة بتدبير وتخطيط وهدف. المقاومة فى حد ذاتها مستمدة من إرادة الحياة. كانت الانتفاضة على هذا الشكل عملا عبقريا استمد كل عناصر قوته من وضع راهن متدهور ومهترئ. لكن عبقرية الفعل كانت بالضبط هى ظروف حركته وكان رد وزير الدفاع الإسرائيلى وقتها إسحاق رابين منفعلا وهو يقول. أنا لا أستطيع أن أقبل بأن يتحول الجيش الإسرائيلى إلى قوة بوليس تطارد أطفالا فى إحدى مدن العالم الثالث. ومن هنا تم اغتيال مهندس الانتفاضة أبوجهاد فى 16 أبريل 1988. الأمة أمام مفترق طرق. عليها أن تعى جيدا خطورة اللحظة وتختار رجالها المخلصين الموهوبين فى كل المجالات لتواجه إعصار التغيير العنيف القادم. وعلينا أن نتخلى نهائيا عن أوهام العنترية والحنجورية والشجب والإدانة. فقد بدأت مصر. ومصر مستمرة ولن تتوقف عن دعم القضية الفلسطينة مهما طال الزمن. فهذا هو قدرها تقوم به بكل نبل.

رئيس تحرير مجلة صباح الخير

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز