عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
البخلاء

البخلاء

بقلم : محسن عبدالستار

البخيل في حياتنا هو من يجمع المال ولا ينفقه، وكثيرًا ما يكون الشخص البخيل حريصًا على تخزين أمواله ولا ينفق منها إلا القليل. وتختلف صفات البخلاء، فمنهم الكريم على نفسه والبخيل على أهله، ومنهم أيضًا من هو بخيل على الأصدقاء وكريم على أهل بيته.. وليس البخيل بخيل المال فقط، ولكن أحيانًا يكون بخيلًا في المعاملة أيضًا.



ولا شك في أن البخل خلق ذميم، وهو مناقض تمامًا لطبيعة الإنسان، الذي يعيش في جماعة، يحتاج إليها كما تحتاج هي إليه. ومن المعروف أن العطاء الذي يقدمه الأفراد للمجتمع هو الذي ينهض به، ويحوّله من مجتمع أناني متفتت إلى مجتمع متضامن قوي.

والحقيقة أن البخل مهما كان نوعه فهو من أسوأ الصفات وأقبحها، فالرجل البخيل من الصعب أن يجد من تشاركه الحياة؛ لأنها ستشعر بالخوف على مستقبلها ومستقبل أبنائها معه، وقد اعتبر العرب في السابق أن البخل يقلل من قيمة الرجل وهيبته، فالكرم والجود كانا من أهم صفات العرب قبل وبعد الإسلام.

ومن السهل أن نلمس الفرق بين البخيل والمقتصد ويختلف مفهوم البخل عن الاقتصاد، ففي الاقتصاد يدخر الشخص جزءًا من ماله لإنفاقه في أمور مهمة في المستقبل، لذا فهو ينفق على نفسه وعلى أهله، ويأتي بكل ما يحتاجه من أشياء أساسية، ويؤتي الزكاة وقد يخرج الصدقات في بعض الأحيان، ولكن مع بقاء جزء من ماله، محفوظًا لسبب معين، كأن يرغب- مثلًا- في توفير المال لدراسة أبنائه أو لعمل مشروع يجني منه الأرباح. وكثير من الناس لا يفرقون بين البخيل والمقتصد، ولكن الصحيح أن هناك فرقًا كبيرًا بين كليهما.

ومن أشهر الكتب التي تحدثت عن البخل، كتاب "البخلاء" للجاحظ، حيث صور لنا في كتابه تصرفات البخلاء، بناءً على مواقف كان يشهدها في البلدة التي كان يعيش فيها.

ويكشف لنا عن نفوس البشر وطبائعهم وسلوكهم، فضلًا عن احتوائه على العديد من أسماء الأعلام والمشاهير والمغمورين، وكذلك أسماء البلدان والأماكن وصفات أهلها.

ورغم ذلك يمتاز بخلاء الجاحظ بالطيبة والسذاجة وخفة الدم أحيانًا، فهم بريئون من الأذى ومن سوء المعاملة، وليس فيهم من تنفر النفس منه أو تشمئز، فهم لا يظلمون إلا أنفسهم، ونجد أن موائد بعضهم ممدودة يتظاهر بعضهم بالكرم، فلا يقوم الجاحظ في كتابه بتجريحهم أو إيذاء مشاعرهم بل يبسط تصرفهم، ويعرض طريقة اقتصادهم واستخدامهم المال ومحاربتهم الإسراف، وما نلاحظه أن بعض هذه الشخصيات من نسج خياله وغير موجودين أصلًا.

ومن نماذج بخلاء الجاحظ: بخيل البخور، فقد قال: "حبذا الشتاء فإنه يحفظ رائحة البخور، ولا يفسد فيه مرق إذا بقي أيامًا، وكان لا يتبخر إلا في منازل أصحابه، فإذا كان في الصيف دعا بثيابه فلبسها على قميصه لكيلا يضيع من البخور شيء.

ومن يسري البخل في عروقه، فيقول كنت عند شيخ من أهل "مرو"، وصبي له صغير يلعب بين يديه، فقلت له: إما عابثًا وإما مُمتحنًا: أطعمني من خبزكم، قال: لا تريده هو مر، فقلت: فاسقني من مائكم، قال: لا تريده هو مالح! قلت: هات لي من كذا وكذا قال: لا تريده هو كذا وكذا، إلى أن أعددت أصنافًا كثيرة كل ذلك يمنعنيه ويبغضه إليّ، فضحك أبوه وقال: ما ديننا؟ هذا من علمه ما تسمع؟ يعني: "أن البخل طبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم".

ومن بخلاء الجاحظ الكندي، أبخل خلق الله.. حدثني عمرو بن نهيوي قال: تغديت يومًا عند الكندي فدخل عليه رجل كان له جارًا وكان لي صديقًا، فلم يعرض عليه الطعام ونحن نأكل. وكان أبخل من خلق الله. فاستحييت منه، فقلت: سبحان الله، لو دنوت فأصبت معنا مما نأكل! قال: قد والله فعلت. فقال الكندي: ما بعد الله شيء! قال عمرو: فكَتَّفَه والله كتفًا لا يستطيع معه قبضًا ولا بسطًا، وتركه. ولو مد يده لكان كافرًا، أو لكان قد جعل مع الله – جل ذكره – شيئًا!

ويذكر لنا الجاحظ حيلة ماكرة كان يلجأ إليها أحد الشيوخ إذا أتاه زائر وأطال جلوسه عنده فيقول له: تغدّيت اليوم؟ فإن قال نعم، قال: لولا أنك تغديت لغدّيتك بغداء طيب، وإن قال لا. قال: لو كنت تغديت لسقيتك خمسة أقداح. فلا يصير في يده على الوجهين قليل ولا كثير.

ومن نماذج البخل في المعاملات، كان بالمدائن بائع تمر، وكان بخيلًا وكان غلامه إذا دخل الحانوت، يحتال على سرقة التمر لأكله، فربما احتبس (دخل الحانوت فغاب فيه) فاتهمه بأكل التمر، فسأله يومًا فأنكر فدعا بقطنة بيضاء، ثم قال: امضغها، فمضغها، فلما أخرجها وجد فيها حلاوة وصفرة. قال: "هذا دأبك كل يوم، وأنا لا أعلم، أخرج من داري".

ومن البخل في السلوك.. فقد قال المكي: دخل إسماعيل بن غزوان إلى بعض المساجد يصلي، فوجده الصف تامًا، فلم يستطع أن يقوم وحده، فجذب ثوب شيخ في الصف ليتأخر فيقوم معه، فلما تأخر الشيخ، ورأى الفرج، تقدم فقام في موضع الشيخ، وترك الشيخ قائمًا خلفه، ينظر في قفاه، ويدعو الله عليه.

وختامًا البخل في الحياة الزوجية: من الحقائق الاجتماعية المقررة، أن كرم الرجل مع المرأة يعد أحد العناصر الأساسية في علاقته بها، وأنه على قدر ما يبذل لها أو حتى ما يبدى لها من استعداد لذلك، يستمر ودها له ويتجدد.

أما أبو القماقم، فقد ذهب لخطبة امرأة، وأثناء الحديث مع أهلها عن ترتيبات الزواج، راح يسأل عن مالها، ويحصيه، ويعيد السؤال: ويدقق فيه.

فقالوا له: قد أخبرناك بمالها، فأنت أي شيء مالك؟

قال: وما سؤالكم عن مالي؟ الذي لها يكفيني ويكفيها.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز