عاجل
الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
هل تعرف الحكاية؟! (١).. الصفعات واستراتيجية تحطيم الأعمدة

هل تعرف الحكاية؟! (١).. الصفعات واستراتيجية تحطيم الأعمدة

بقلم : أيمن عبد المجيد

طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من الإعلام أن "يقول للناس الحكاية"، وهل ثمة حكاء يستطيع نقل حكاية لا يعلمها لعموم القراء؟



ولأننا نرفع شعار "صحافة تحترم عقلك"، فقد غُصت في أعماق مشكلاتنا، انطلاقًا من الماضي بخبراته، والحاضر بتحدياته، استشرافًا للمستقبل بتوقعاته.

بدأت الحكاية عام ١٩٦٧، وَهَنٌ عربي، واحتلال الصهاينة أراضي عربية، صدمة سيطرت على الشعوب، فقدان الدولة المصرية جزءًا غاليًا من الأرض والسيادة عليها، سخط شعبي ورئيس يتنحى، وشعب واعٍ يرفض التنحي، يقفز على الأخطاء، ويؤجل محاسبة المقصرين، ويُعلي من أهمية الوحدة من أجل هدف أسمى وهو استعادة الأرض والكرامة.

تحشد الدولة قوتها الشاملة بمعناها الدقيق، اقتصادية وسياسية داخليًا وخارجيًا، وعسكرية، واجتماعية، اقتصاد حرب، الشعب يتحمل من أجل هدف قومي، المقاومة تنطلق وحرب الاستنزاف تشتعل، والضربات توجع العدو، والعرب يستيقظون ويتوحدون.

انتقل الرئيس جمال عبد الناصر إلى دار البقاء، وتولى السادات المسؤولية، الوعي الشعبي يتنامى، والإصرار على بلوغ الهدف يتزايد، من آنٍ لآخر يعد الرئيس السادات بتحرير سيناء، محددًا المدى الزمني "هذا العام"، وتمر الأعوام بلا فعل، فيخرج الشباب ساخطين في جامعاتهم هاتفين ضد الرئيس، لكنه كان يرى أشمل وأبعد من الشباب الغاضب حمية على وطنه.

كان الشباب المفعم بالحيوية، محقًا في غيرته على أرضه، وكان الرئيس المنتقَد حينها أكثر وطنية وحمية وغيرة وإصرارًا على تحرير الأرض، لكنه المسؤول عن القرار والنتائج، وتمهيد الأرض لأي فعل، ودراسة أبعاده ونتائجه ومؤثراته الداخلية والخارجية على مصر وردود فعل العدو ومن يقفون خلفه.

قرار الحرب ليس بهذه السهولة، فهناك خطة خداع استراتيجي لتحقيق عنصر المفاجأة للعدو، ومن يناصره، وفي مقدمتهم أمريكا، القوة الأضخم في العالم، وهناك سلاح نحتاجه للمعركة، وأموال لتوفير لوجستيات المعركة، وتصور للمدى الزمني للقتال، ومدى قدرتنا على توفير متطلباته إذا طال، ما هو المخزون الاستراتيجي للجبهة الداخلية (الشعب) من الطعام والشراب، كذلك لجبهة القتال من السلاح والتموين والإمداد.

ما الدول التي ستدعمنا وحجم ذلك الدعم، ومدى قدرتها على المواصلة، إذا ما تعرضت لضغوط من الصهاينة والأمريكان، أين أقرب مخازن للسلاح ممكن أن توفر لنا الدعم منها؟

كل هذه الأسئلة تدور في رأس الرئيس وأجهزة الدولة المسؤولة عن اتخاذ القرار، مؤكد أن أغلبها لم يفكر فيها الشباب المتحمس وهو يلح على الرئيس محمد أنور السادات بضرورة الحرب (الآن)- لحظة التظاهرات حينها- لتحرير الأرض.

وفي الوقت المناسب، وبعد الدراسة العميقة، وحشد القوة الشاملة للدولة، وتحديد إجابات كل الأسئلة السابقة، وتأمين متطلبات ومستلزمات المعركة، كانت ساعة الصفر وكان النصر، استعادة ١٥ كيلومترًا من سيناء في السادس من أكتوبر ١٩٧٣.

توالت المعارك، فالعسكرية، كانت اليد الثقيلة التي صفعت الصهاينة وراعيهم الرسمي الأمريكان، الصفعة تمثلت في بسالة الجندي المصري، الذي أثبت عمليًا للعالم، أنه بسلاحه الأقل تقدمًا، استطاع قهر آلة الحرب الأمريكية الأحدث، المهداة للصهاينة.

الصفعة وجهتها أيضًا أجهزة المخابرات والتخطيط المصرية، لنظيرتها الأمريكية والصهيونية، فمصر نجحت في الإعداد للحرب واتخاذ قراره، ومخابرات أمريكا والصهاينة، في سبات عميق، لم تستطع بما لديها من معلومات أن تحلل وتتوقع ما حدث.

الصفعة، تلقتها الإدارة السياسية للكيان الصهيوني، عندما وجدت نفسها مجبرة، وفق لغة القوة- (التي لا يفهم الصهاينة غيرها)- على الجلوس للتفاوض مع مصر، وتسليم كامل سيناء، بل والرضوخ للسلام، وإن كان رضوخهم مجرد تكتيك مرحلي، حتى تتسنى لهم فرصة أخرى لعدوان معلن، أقولها (معلن) فعدوانهم مستمر في الخفاء بواسطة العملاء وفي مقدمتهم رؤوس الثعابين، قادة الإرهابيين.

توقف أزيز الطائرات، وضجيج المدافع، ووضعت الحرب أوزارها، وبدأت هدنة طويلة، استغرق العدو في دراسة المعركة، أسباب انتصار مصر وأسباب هزيمته، ثم الانطلاق من ذلك إلى تفكيك عناصر القوى الشاملة مصريًا وعربيًا، التي ألحقت بالحلف الصهيو-أمريكي الهزيمة، للحيلولة دون تكرار مثل هذا الانتصار في أي مواجهة محتملة لاحقًا.

كان السؤال الجوهري في ذهن أجهزة استخبارات الاحتلال ومراكزه الفكرية: كيف انتصرت مصر، ومن أين تحقق لها الدعم اللوجستي، ومخزونها الاستراتيجي تسليحيًا؟

والسؤال الثاني: كيف يمكننا تدمير أعمدة تلك القوة محليًا وإقليميًا؟ وما الخطة الزمنية لتحقيق ذلك؟

خلصت تحليلات الصهاينة للواقع، إلى:

١- أن ركيزة قوة مصر الرئيسية، هي (القوى البشرية) الشعب وتوحده خلف الهدف القومي، وقدرته اللامحدودة على التضحية، وقوة نسيجه ولحمته.

٢- أن الدائرة الثانية لقوة مصر ١٩٧٣، تمثلت في دعم محيطها العربي، فعلى مستوى أسلحة الضغط استخدم العرب سلاح البترول، لردع مساعٍ دولية كانت تستهدف دعم الصهاينة، وقاد خادم الحرمين الشريفين ذلك حينها.

٣- توحد العرب وفّر لمصر دعمًا استراتيجيًا من مخزون السلاح، فالسلاح في ليبيا والعراق والأردن واليمن، مثّل مخزونًا استراتيجيًا لصالح مصر؛ حال الحاجة إليه، كما شاركت فرق عسكرية عربية في الحرب.

٤- موقع مصر الجغرافي، ومصادر ثرواتها، بداية من النيل نبع النماء، بما يحققه من ضمانة الأمن المائي والغذائي عبر الزراعة، أي أن مصر قادرة على توفير الحد الأدنى لمتطلبات الصمود، مرورًا بقناة السويس والفرص الاستثمارية في سيناء البكر، بما يمكن أن يمثل دفعة قوية للنهوض، وتحقيق تفوق نوعي مستقبلي إلى جانب التفوق الكمي على العدو ومن يرعاه.

٥- قدرة العرب على فتح أكثر من جبهة قتال في آنٍ واحد، عند أي مواجهة، فالمعركة على الجبهة المصرية- سيناء- تزامنت معها معركة على الجبهة السورية- الجولان- وهذا حقق أهداف تكتيك استهدف تشتيت قوى الصهاينة، وإجبارها على توزيع قواتها العسكرية على جبهتين.

وفي ظل تلك المعطيات، بدأ الحلف الصهيو-أمريكي، يضع خطة هدم أعمدة القوة تلك، وفق مخطط زمني مدروس بعناية، تنبثق منه خطط فرعية لكل منطقة جغرافية على حدة، لكسب استراتيجية (تحطيم الأعمدة) بالنقاط.

عن تفاصيل تلك الاستراتيجية للحديث بقية..

[email protected]

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز