عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
وقفة مع «الحليف الأمريكى».. الوقح!

وقفة مع «الحليف الأمريكى».. الوقح!

بقلم : هاني عبدالله

بين النسخة الورقية من صحيفة «نيويورك تايمز»، ونسختها الإلكترونية، [كثيرٌ من «الوقاحة»، وقليل من «الدبلوماسية»].. إذ تلجأ النسخة «الورقية» - فى بعض الأحيان - لعبارات، وتوصيفات «فضفاضة»، بينما تميل النسخة الإلكترونية [الأوسع انتشارًا]؛ لتصدير الصورة [الأكثر فجاجة] فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية الخارجية (!)



ليس فى الأمر، قطعًا، أية مبالغات.. إذ كان هذا هو عين ما حدث «الثلاثاء الماضي»، على وجه التحديد (!).. ففيما حملت «النسخة الورقية» من الصحيفة، عنوانًا يقول: [صفقة مصر السيئة للولايات المتحدة] (Egypt Is Giving the U.S. a Bad Deal) كانت «النسخة الإلكترونية» قد ظهرت قبل هذا الموعد بيوم واحد، تحت عنوان مختلف يقول: [فى الحقيقة.. مصر حليف بشع] (Actually, Egypt Is a Terrible Ally).. والمقال - هنا -  «واحد»، بينما الاختلاف فى العناوين فقط (!)

وهو مقال كتبه كُلٌ من: «أندرو ميللر» (Andrew Miller) عضو مجلس الأمن القومى السابق، ومحلل «الشئون المصرية» بوزارة الخارجية الأمريكية، و«ريتشارد سوكولسكي» (Richard Sokolsky) الباحث بمؤسسة «كارنيجى للسلام الدولي»، وعضو مكتب «تخطيط السياسات» بوزارة الخارجية أيضًا (!)

طالب الكاتبان فى مقالهما بأنه يتعين على «الولايات المتحدة» أن تُغير الطريقة التى تتعامل بها مع مصر [والتى لم تعد «حليفًا جيدًا»!] وقالا إنه من الواجب عليهما تقديم «النصح» بألا تتبع «واشنطن» الخطوات السابقة فى الإشادة بهذه الشراكة الاستراتيجية (كان هذا وقت استعداد نائب الرئيس الأمريكى «مايك بنس» لزيارته الملغاة للمنطقة).. وأنه يتعين عليه (أى بنس) ألا يشجع هذه الشراكة، وهو يعلم أنها غير صحيحة (!)؛ إذ إن المصالح الأمريكية والمصرية تتباعد بشكل متزايد، والأهداف المشتركة أصبحت أقل.. كما يجدر بنائب الرئيس الأمريكى أن يوضح للرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسي» أن على الدولتين أن يعيدا ترتيب الأوراق (!)

.. وفى سياق ما اعتبراه إعادة ترتيب للأوراق؛ أجمل الكاتبان عددًا من الملاحظات.. كانت كالآتي:

(أ) ضرورة تخفيض «المعونة العسكرية الأمريكية» لمصر بشكل كبير.. إذ ستكون هذه الخطوة رسالة مهمة للدول الأخرى، التى تتلقى دعمًا من الولايات المتحدة، بأن هذا الدعم ليس دعمًا مطلقًا، كما أنها ستساهم فى تعطيل أحد الترتيبات التى أفسدت [العلاقات المصرية/ الأمريكية].. خاصة فى ظل وجود «الاتفاق المبدئي» [الأخير] بين مصر وروسيا، الذى يُمكّن كل دولة من أن تستخدم القواعد الجوية للدولة الأخري؛ إذ إن هذا «الاتفاق» أزال أى شك حول تراجع الشراكة الاستراتيجية مع مصر، ويُعد مثالاً واضحًا على التصرفات العدائية من دولة تقول إنها صديقة (!)

(ب) سبق أن قدّمت مصر الدعم للمشير «خليفة حفتر» فى ليبيا، وهو قائد الجيش الوطنى الليبى الذى يصطدم بالقوات التى تدين بالولاء للحكومة المعترف بها دوليًا [ومن قبل الولايات المتحدة، أيضًا].

(ج) فى مجلس الأمن، تبنت مصر وروسيا مواقف مشتركة تعارض مواقف الولايات المتحدة حول قضايا تخص سوريا، وفلسطين، وإسرائيل.. وزعما [مرة أخري] أنّ ثمة نوعًا من التعاون العسكرى والاقتصادى بين مصر وكوريا الشمالية (!)

(د) عندما يكون هناك أهداف «مشتركة» بين القاهرة وواشنطن؛ فإنّ «مصر» لا تسعى لتحقيق هذه الأهداف بشكل فعال.. بينما لا تدرك «واشنطن» الوضع الجديد، وهو أنّ «مصر» لم تعد حليفًا إقليميًّا، ولم يعد بإمكانها تدعيم سياسات الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط.

(هـ) لم تبذل حكومة السيسى سوى القليل من الجهد [على عكس المتوقع!] فى الحملة ضد «تنظيم الدولة فى سوريا والعراق» (داعش)، وأصرت القاهرة على تجاهل العروض الأمريكية بتدريب القوات المصرية على طرق وتكتيكات مكافحة الجماعات المسلحة، التى كان من الممكن أن تساعدها على هزيمة المسلحين فى سيناء (!)

(و) لم تعد رخصة استخدام المجال الجوى المصرى مهمة للأمريكيين مثلما كانت، والامتيازات الأمريكية فى قناة السويس مبالغ فى تقديرها بشكل كبير.. فعلى عكس ما يُشاع، لا تحظى البحرية الأمريكية بامتياز أولوية العبور من قناة السويس، بما يُمكنها من العبور قبل السفن التى تسبقها فى الصف.. وذلك على خلاف ما كان يحدث فى الماضى، عندما كانت «المكاسب المُهمة» تجمع البلدين سويًا.

(ز) ما أنفقته الولايات المتحدة خلال العقد الأخير على المساعدات الأمنية لمصر (نحو 13 مليار دولار)، لم يثمر سوى عن وظائف جديدة فى صناعة العتاد العسكرى الذى لا يناسب احتياجات مصر [الدفاعية].. كما سمحت الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة المصرية أن تتعامل مع المعونة العسكرية على أنها حق عليها لعقد مصر السلام مع إسرائيل، واستمر هذا وقتًا طويلاً.. ولم تسأل الولايات المتحدة عن طريقة إنفاق الأموال، وعما إذا كانت تخدم أهدافًا أمريكية أخرى فى المنطقة؛ مما أتاح لمصر «استغلال السخاء الأمريكي» (!)

(ح) بدأت «إدارة أوباما» فى اتخاذ أولى الخطوات لجعل المساعدات الأمريكية أقل سخاءً، وفرضت قيودًا على نوعية التسليح الذى يمكن أن تحصل عليه مصر بالأموال الأمريكية. وأوقفت «إدارة ترامب»، وأجلت أكثر من 200 مليون من المعونة العسكرية.. لكن.. يفترض أن تكون هذه هى البداية.

(ط) يجب على واشنطن أن تنفق أموالها حيث توجد مصالحها، وأن تخفض المعونة العسكرية السنوية بمقدار 500 مليون لتصبح 800 مليون دولار فقط.. إذ إن الجزء المقتطع من المعونة سيوفر أموالاً تحتاجها الولايات المتحدة بشدة، كما ستلقى هذه الخطوة ترحيبًا من الكونجرس [المستاء من الحكومة المصرية مؤخرًا].

(ي) المخاطر الناجمة عن اتخاذ «الولايات المُتحدة» لهذه الخطوة قليلة؛ إذ لا يُحتمل أن تغير مصر من سلوكها ردًا على تخفيض المعونة.. فالقاهرة [مثلاً] لن تلغى معاهدة السلام مع إسرائيل، ولن توقف تعاونها مع الولايات المتحدة فى مكافحة الإرهاب. وستستمر بالطبع فى محاربة الجهاديين الموجودين فيها.

(ك) إنّ السنوات العديدة التى منحت خلالها «الولايات المتحدة» مصر المساعدات؛ لم تفلح فى جعل رغبة مصر أقوى فى أن تنال تدريبًا عسكريًا فى مجالات ضرورية، مثل مكافحة الجماعات المسلحة.. بل على العكس من ذلك.. ربما يساعد توضيح الولايات المتحدة للقاهرة أن المساعدات ليست فرضًا عليها فى استعادة جزء من النفوذ، كى تحصل على بعض التنازلات منها.. وبدلاً من أن يقر «ترامب» بتضاؤل أهمية مصر؛ زاد من الرهان على العلاقة معها، ووعد أن يكون صديقًا وفيًا لمصر، وقدم المديح للسيسى، وصمَت «البيت الأبيض» تجاه ملف حقوق الإنسان.

(ل) رغم تفاخر الرئيس الأمريكى بقدرته على التفاوض، إلا أن مصر تُعد صفقة خاسرة للولايات المتحدة (!)

لكن.. بين حشايا ما قاله الكاتبان؛ يُمكننا أن نقف - كذلك - على عددٍ من القضايا، والملفات [المسكوت عنها] فى شأن العلاقات الثنائية بين «القاهرة»، و«واشنطن».. إذ يعكس توجه الكاتبان - من حيث الأصل - رغبات شريحة [لا بأس بها] من صانعى السياسات الأمريكية.. ولعل أهم المنطلقات التى يُمكننا أن نؤسس عليها تحليلنا [رغم محاولات النفى المتكرر، من قِبلهما] هى أنّ «القاهرة» تمثل «رقمًا صعبًا» لا يُمكن تجاوزه فى المعادلة السياسية بمنطقة الشرق الأوسط.. كما يُمكننا - فى هذا السياق - أن نؤكد على الآتي:

(1) لا شك أنّ الموقف الذى قادته - أخيرًا - مصر فى مجلس الأمن [وهو موقف جدير بالاعتزاز والفخر] فى مواجهة القرار الأمريكى بـ«الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيونى المُحتل»؛ نكأ عديدًا من الجراح الأمريكية «الغائرة»، التى لا تعترف سوى بـ«علاقات التبعية فى العلاقات الدولية». 

(2) يبدو - كذلك - أن التقارب (المصري/ الروسي) [أخيرًا، وفى عدد سابق من القضايا]؛ كان أحد «المُنغصات» الرئيسية لدى عددٍ «غير قليل» من صانعى السياسات الأمريكية.. وبالتالى، كان أن ازدادت حدة «الانتقادات الأمريكية» للقاهرة فى أعقاب توقيع عددٍ من «الاتفاقيات الأولية» بين القاهرة وموسكو، خلال الشهر الجارى.

(3) ما يدعم وجهة النظر السابقة؛ أنّ الكاتبان (كنموذج) وقعا فى تناقض [صارخ] عندما أكدا أنّ وجود «الاتفاق المبدئي» [الأخير] بين مصر وروسيا، الذى يُمكّن كل دولة من أن تستخدم القواعد الجوية للدولة الأخري؛ يُزيل أى شك حول تراجع الشراكة الاستراتيجية مع مصر، ويُعد مثالاً واضحًا على التصرفات العدائية من دولة تقول إنها صديقة (!).. ومع ذلك.. قالا فى موضع لاحق: [لم تعد رخصة استخدام المجال الجوى المصرى مهمة للأمريكيين مثلما كانت].. فإن كانت العبارة الأخيرة للكاتبين [حقيقية كما قالا]، فلماذا - إذًا - اعتبر كلٌ منهما توقيع الاتفاق [المبدئي] بمثابة فعل عدائى للولايات المتحدة؟!.

(4) تبدو نغمة الشكوى من تراجع أولويات «الولايات المتحدة» بالنسبة للقاهرة، مثل: (إنّ «البحرية الأمريكية» لم يعد لها [امتياز أولوية العبور من قناة السويس]، بما يُمكنها من العبور قبل السفن التى تسبقها فى الصف)، أوضح ما تكون بين عبارات المقال المختلفة.. إذ حفل المقال بعديدٍ من «التدليلات» المشابهة.. وهو ما يعكس - بدوره - جانبًا مُهمًا من جوانب الرؤية الأمريكية، حول «علاقات الشراكة الدولية»، التى يجب أن تُقدم - وفقًا للرؤية ذاتها - كلَّ ما هو أمريكى عما سواه (!).. وذلك من دون الالتفات [بشكلٍ كامل] إلى مصالح الآخرين، أو أولوياتهم الاستراتيجية (!).

(5) فيما يعكس التوجه السابق تأكيدًا على [استقلالية القرار المصري]، وخروجه من «حيز التبعية» إلى نطاق «الندية» فى التعامل مع الملفات الدولية المختلفة.. أكدت، كذلك، عبارات المقال «المختلفة» أن هذه [الاستقلالية] لم تعد محلاً للمساومة بأى حال من الأحوال، وأنّ على شركاء «القاهرة» [الاستراتيجيين!] التعامل مع رؤيتها بمزيد من الاهتمام، لا بمنطق «الاستنزاف السياسي» مثلما كان يحدث فى أوقات سابقة.

(6) لعل أكثر المواقف تدليلاً على «المنهج الاستقلالي» للقاهرة، هو دعم مصر للمشير «خليفة حفتر» فى ليبيا، على غير رغبة من قبل الولايات المتحدة، نفسها.. وتبنيها فى مجلس الأمن [بالتنسيق مع روسيا] لمواقف مشتركة تُعارض توجهات «الولايات المتحدة» فى قضايا تخص: [سوريا، وفلسطين، وإسرائيل].. وهو ما كان محلاً [أخيرًا] للغضب الأمريكى الفج (!).

(7) يعكس إعادة إنتاج عبارات من نوعية [أنّ ثمة نوعًا من التعاون العسكرى والاقتصادى بين مصر وكوريا الشمالية] عن حالة من العجز «المزري» لدى وسائل الإعلام الأمريكية [فى مواجهة التغيرات العالمية، واقعيًا].. إذ كلما تراجعت «الأولويات الأمريكية»؛ ازداد نشاط آلة صناعة الأكاذيب، فى محاولة [بائسة، ويائسة أيضًا]؛ لتشويه صورة الدول ذات القرار السياسى [المُستقل].

(8) يُمكننا أن نضيف إلى «حملات التشويه» السابقة، ما ردده الكاتبان حول أنّ «القاهرة» لم تبذل سوى القليل من الجهد فى الحملة ضد «تنظيم الدولة فى سوريا والعراق» (داعش).. إذ إنّ الدور المصرى فى مواجهة الإرهاب [الذى صنعته «دوائر أمريكية» متنوعة من حيث الأصل]، لا يخفى على ذى عينين.. لكن، ربما ما يعكس بُعدًا مختلفًا للأمر، هو ما كشفه الكاتبان [بنفسيهما] عن تجاهل «القاهرة» لجملة من العروض الأمريكية [أو «الرغبات الأمريكية» بالأحري] ، حول ما وصفوه بـ«تدريب القوات المصرية» على طرق وتكتيكات مكافحة الجماعات المسلحة (!).. إذ يبدو أنه كان ثمة محاولات أمريكية [متنوعة] للتغلغل بين صفوف القوات المصرية، والوقوف على درجة جاهزيتها القتالية، تحت مزاعم «التدريب».. وهو ما أجهضه - يقينًا -  القرار المصرى [المُستقل].

(9) ربما ما يدعم الاستنتاج السابق، هو الحديث [المُستفيض] من قبل الكاتبين عن «المعونة العسكرية الأمريكية» لمصر، وضرورة تقليصها.. إذ كان من بين ما لفتا الانتباه إليه عبارة تقول: [إنّ ما أنفقته الولايات المتحدة خلال العقد الأخير على المساعدات الأمنية لمصر (نحو 13 مليار دولار)، لم يثمر سوى عن وظائف جديدة فى صناعة العتاد العسكرى الذى لا يناسب احتياجات مصر «الدفاعية»].. وربما تكون كلمة [الدفاعية] هنا هى مربط الفرس.. إذ تعكس - إلى حد بعيد - أن ثمة رغبات أمريكية [مُلحة] للإبقاء على «القوة العسكرية المصرية» فى مستوى محدد، لا تُفارقه.. وهو مستوى [حد الكفاف الدفاعي]، لا التفوق العسكرى (!).

.. فتحية [مُخلصة] لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

رئيس تحرير مجلة روزاليوسف

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز