عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
هل تعرف الحكاية؟! (2).. الاستنزاف لوقف النمو تمهيدًا لـ"الهدم"

هل تعرف الحكاية؟! (2).. الاستنزاف لوقف النمو تمهيدًا لـ"الهدم"

بقلم : أيمن عبد المجيد

توقف أزيز الطائرات، وضجيج المدافع، ووضعت الحرب أوزارها، وبدأت هدنة طويلة، استغرق العدو في دراسة المعركة؛ أسباب انتصار مصر وأسباب هزيمته، ثم الانطلاق من ذلك إلى تفكيك عناصر القوى الشاملة مصريًا وعربيًا، التي ألحقت بالحلف الصهيو- أمريكي الهزيمة، للحيلولة دون تكرار مثل هذا الانتصار في أي مواجهة محتملة لاحقًا.



كان السؤال الجوهري في ذهن أجهزة استخبارات الاحتلال ومراكزه الفكرية: كيف انتصرت مصر، ومن أين تحقق لها الدعم اللوجستي، ومخزونها الاستراتيجي تسليحيًا؟

والسؤال الثاني: كيف يمكننا تدمير أعمدة تلك القوة محليًا وإقليميًا؟ وما الخطة الزمنية لتحقيق ذلك؟

وخلص العدو إلى خمسة أعمدة، مثّلت مرتكزات الانتصار التاريخي. وفي ظل تلك المعطيات، بدأ الحلف الصهيو- أمريكي، يضع خطة هدم أعمدة القوة تلك، وفق مخطط زمني مدروس بعناية، تنبثق منه خطط فرعية لكل منطقة جغرافية على حدة، لكسب استراتيجية (تحطيم الأعمدة) بالنقاط.

وتتلخص استراتيجية تحطيم الأعمدة في الآتي:

1 - الهدف العام- طويل المدى: كسر الأعمدة الفقرية لدول الطوق المحيطة بالكيان الصهيوني والدول العربية القوية؛ للوصول إلى حالة العجز والفشل، بما يجردها من أي قدرة على مقاومة أطماع الحلف الصهيو- أمريكي في نهب ثرواتها، أو التصدي للمطامع التوسعية في أي مواجهة محتملة قادمة.

ولتحقيق هذا الهدف العام- في اعتقادي- تم وضع الخطط الفرعية، التي تسهم في هدم أعمدة القوة الشاملة تدريجيًا، وفق استراتيجية النقاط.

وليتحقق ذلك كان لا بد من الوقوف بدقةٍ على الأهداف والآليات:

الهدف: كسر العمود الفقري لكل دولة ساهمت في المعركة، فالدول كما الإنسان والبنيان، لها أعمدة فقرية "الجيش"، ولهدم أي جيش يجب الوقوف على مكوناته "عنصر بشري- تسليح- عقيدة وكفاءة قتالية".

أ - وقف نمو الجيوش: يتحقق ذلك بالعبث بالأجيال الشابة فكريًا، وصحيًا، وعلميًا، وإضعاف روح الانتماء والتضحية.

فـ"الشباب"، هم اللبنة الأولى لأي جيش، ومن ثم بدأ العدو تنفيذ آليات المخطط للوصول إلى جيل ثالث خاوٍ، ضعيف المناعة يسهل توجيهه، وإذا تدنت قدرات الشباب، فالجيوش قطعًا ستعاني الضعف والهزال.

ب - إعاقة النمو الاقتصادي للدولة؛ بوضعها تحت ضغط الحاجة والعوز الدائم، للإنفاق على متطلبات الموازنة الاستهلاكية لشعوبها، فتتراجع قدراتها التنموية، وبالتبعية العجز عن تطوير منظومتها التسليحية.

ج - اللهاث خلف توفير الحدود الدُنيا من متطلبات العيش للشعوب، بما يضمن تفشي الجهل والفقر، ويضع الحكام العرب تحت ضغط عجز الموازنات ومتطلبات الجماهير، والخوف من سقوط عروشهم، فينحصر الحل في تشديد القبضة الأمنية واللهاث خلف المعونات الخارجية، وصولًا إلى مرحلة "التبعية"، فتتقلص إرادة الدولة.

وبهذا المخطط تمكن الحلف الصهيو- أمريكي من إدخال معظم البلدان العربية في حالة الجمود والنمو "السلحفائي" لأكثر من 20 عامًا، وهي مدة شهدت دعمًا أمريكيًا متضاعفًا للعدو الصهيوني؛ لتمكينه من تحقيق تفوق نوعي عسكري وتكنولوجي.

2 - الثروات البترولية بالعراق ودول الخليج وليبيا، مثَّلت تهديدًا حقيقيًا لاستراتيجية "كسر الأعمدة"؛ فالعراق يشهد تطويرًا للجيش، ونهضة علمية، وليبيا تستخدم جزءًا من عوائد البترول لتخزين السلاح، وسوريا- على الرغم من فقرها المائي- تحقق مستويات اكتفاء ذاتي من القمح، ومصر تتضاعف قوتها البشرية، وتتعاظم العقيدة القتالية للجندي المصري، وتواجه التحديات الاقتصادية بثبات.

وهنا جاء دور الخطة الفرعية:

الاستنزاف: وتستهدف استنزاف الدول التي تمتلك مقومات النمو "العسكري" تحديدًا؛ لضمان بقاء التفوق الصهيوني، وتجريد مصر من احتمالية تلقي أي دعم عسكري مستقبلي، حال تجدد الصراع العربي- الصهيوني.

وفي المقدمة كانت العراق وليبيا، لما تملكانه من ثروات بترولية، فالعراق تمثل تهديدًا للصهاينة، بينما ليبيا يمثل مخزونها من السلاح احتياطيًا استراتيجيًا للجيش المصري، يمكن أن يوفر له الإمداد في أي صراع محتمل.

وكما كانت مصر هي العمود الفقري للخيمة العربية، وقائدة انتصار أكتوبر، فإن كسرها يستوجب تجريدها من جميع أعمدة قوتها التي حققت بها انتصار 1973.

3- وبدأت مخططات الاستنزاف، عبر صناعة الإرهاب، لتوجيه ضربات للسياحة المصرية من آنٍ لآخر، لإضعاف القلب العربي، بالتزامن مع مخطط "قطع الأطراف".

4- قطع الأطراف بدأ بالعراق، واعتمدت خطته على مرحلتين:

الأولى: وقف نمو القدرات العسكرية والاقتصادية.

وتم ذلك من خلال تحريك نظام الملالى الإيراني، الحليف الخفي للعدو "الصهيو- أمريكي"، لجر الرئيس الراحل الشهيد صدام حسين، لحرب طويلة المدى مع الفرس، لتحقيق هدف رئيسي وهو: "استنزاف القدرات الاقتصادية والعسكرية العراقية"، وتحقق ذلك من خلال حرب الثماني سنوات من "1980- 1988".

ولضمان إطالة أمد الحرب كانت أمريكا تقدم للطرفين سرًا المعلومات الاستخباراتية وتبيع لهما السلاح.

الثاني: كسر العمود الفقري بالتدخل العسكري:

وتم ذلك من خلال منح صدام ضوءًا أخضر لغزو الكويت، لإيجاد ذريعة لاحتلال العراق وتدميرها بشكل كامل، كحلقة أولى في مخطط تحطيم حبات العقد العربي.

لكن العقل الصهيو- أمريكي خطط لهدم عمودين للقوة العربية، بضربة واحدة، ففي حين يُستنزف العراق، ويزعم تحرير الكويت، كانت عينه على ورقة البترول العربي، التي استُخدمت بقوة في معركة أكتوبر 1973، فكان أن خططت لسلب ملايين براميل البترول، وتخزينها، بحيث يملك الأمريكان والصهاينة مخزونًا استراتيجيًا، يفرغ أي تهديد مستقبلي بقطع البترول من مضمونه.

فكان نفط العراق مقابل الغذاء، تارة، ونفط الكويت لسداد فاتورة حرب التحرير تارة أخرى، فضلًا عما نهب من ثروات العراق على مدار السنوات التي تلت سقوط نظام بغداد وحل الجيش والشرطة.

وتحقق بسقوط بغداد تجربة عملية لاستراتيجية كسر الأعمدة الفقرية، حيث لا جيش ولا شرطة، ولا دولة، لتتحول الدولة لساحة للميليشيات الطائفية والمذهبية التي يسهل تحريكها.

..وللحديث بقية إن شاء الله.

هل تعرف الحكاية؟! (١)...الصفعات واستراتيجية تحطيم الأعمدة

[email protected]

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز