عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القدوة

القدوة

بقلم : محسن عبدالستار

"القدوة" هي التأثر بشخص معين ومتابعته وتقليده، وقد تكون هذه القدوة حسنة أو سيئة، ويحتاج الجميع في حياتهم إلى وجود شخصية إيجابية وناجحة لمحاولة الاستفادة منها.



فالقدوة عنصر مهم في المجتمع، مهما كان أفراده صالحين، فهم في أشد الحاجة للاقتداء بالنماذج الحية، كيف لا وقد أمر الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- بالاقتداء، فقال: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرًا إن هو إلا ذكرى للعالمين" (الأنعام: 90).

فالقدوة الحسنة هي المحرك والدافع للإنسان للارتقاء بالذات، فمن جعل له قدوة عظيمة في صفاته، فلا بد أن يتأسى به في كل صفاته.

عندما تسأل الأطفال عن قدوتهم تكون الإجابة، السياسيين، الرياضيين، الفنانين، ولهم تأثير كبير على الشباب.. ثم يأتي الأب والأم، وهنا يظهر دور الوالدين في تربية النشء، فيعطونهم نماذج حسنة للاقتداء بها.

فالقدوة نموذج تطبيقي للمبادئ والقيم، وموافقة الفعل للقول، نحن نتحدث عن شخص يطبق المبادئ والقيم في حياته.. فعندما يتم الحديث عن اتخاذ شخص ما قدوة، يجب البحث عمن تتطابق أقواله مع أفعاله.

وخير مثال على ما نقول، الرسول الكريم وصحابته، فهم "المثل الأعلى"، فقد تطرح على شخص ما سؤالًا: من مثلك الأعلى؟ فيجيب مباشرة: الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- فإن سألته عنه لم تجد لديه ما يكفي من المعلومات والمعرفة الكافية، كيف إذًا اتخذه مثلًا أعلى؟ ولم يحاول الاستزادة بمعرفة مثله الأعلى؟

ونضرب هنا مثلًا للمثل الأعلى والقدوة الحسنة، بعمر بن الخطاب، عملاق الإسلام، "الفاروق"، الذي فرّق بين الحق والباطل، فكان قدوة صالحة لأتباعه في عصره ولأجيال قادمة حتى وقتنا الحالي، فهو قدوة نحتاج لمثلها في هذا الزمان، فكم نحتاج لأمثالك يا عمر ليكونوا قدوة لشبابنا في ظل ما تمر به الأمة في هذا الزمن من آلام ومواجع، لكي ينتشلها من هذه المحنة، ليصل بها إلى منحة ربانية.

كان "الفاروق"، إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، كان نصيرًا للمسلمين جميعًا بإسلامه، فكان- رضي الله عنه- إذا أراد إنفاذ أمر، جمع أهله وخاصته وقال: "إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا، وأيّم الله لأوتين بواحد، وقع فيما نهيت الناس عنه، إلا ضاعفت له العقوبة لمكانته مني!".. فصارت القرابة من عمر، رضي الله عنه، مصيبة، لأن الخطأ من أقاربه يستوجب عقوبة مضاعفة.

فذات مرة رأى "الفاروق" إبلًا سمينة، فقال لمن هذه الإبل قالوا هي لعبد الله بن عمر، ابنك، فقال ائتوني به، فلما جيء بعبد الله بن عمر، رأى أباه غاضبًا، قال لمن هذه الإبل يا بني؟ قال: هي لي، اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن، فماذا صنعت؟ فقال رضي الله عنه قولته الشهيرة: "ويقول الناس ارعوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين"، هل عرفت لماذا هي سمينة؟! وقال له خذ رأس مالك، ورد الباقي لبيت مال المسلمين.. فكان يطبق في سلوكه ما يقوله بلسانه.

وفي عام المجاعة شحّت المواد، وقلّت اللحوم، فقرقر بطنه، فخاطب بطنه وقال: "قرقر أيها البطن أو لا تقرقر، فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه جميع المسلمين".. ما أحوجنا اليوم لمثل هذا "القدوة".. العادل في أقواله وأفعاله.. الذي يحاسب نفسه وأقاربه قبل أن يُحاسب.

وختامًا فنحن بحاجة لعملية توعية مجتمعية تستهدف الآباء والأمهات، وبحاجة أيضا لنشر الثقافة والمعرفة للجيل الجديد، فنعرفهم بالرموز التاريخية والحاضرة، في مختلف المجالات، ونطلعهم بوضوح على جوانب التميز وجوانب القصور، ونساعدهم في فهم الشخصيات والحكم عليها، ونترك لهم مساحة كافية للحكم بحرية، فليس المطلوب أن نختار لهم من يقتدون بهم، وإنما نعلمهم كيف يختارون قدوتهم التي تتطابق مع شخصياتهم؟! وكيف يميزون بين القدوة الحسنة والسيئة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز