عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
5 ساعات في انتظار الموت

5 ساعات في انتظار الموت

بقلم : عيسى جاد الكريم

العقيد إبراهيم حسين، خبير المفرقعات، من الإدارة العامة للحماية المدنية بالجيزة، واحد من أسماء الضباط الذين ربما نكون قد قرأنا بشكل عابر اسمهم في خبر مهم منذ يومين عن تفكيك قنبلة شديدة الانفجار، كانت موضوعة داخل سخان كهربائي، أعدها أهل الشر لقتل أرواح البشر وتدمير المنشآت والحجر.



والبداية كانت بالتحرك السريع لضباط الأمن الوطني الأبطال، والجنود المجهولين، الذين يحمون الوطن؛ بعد معلومات بوجود أحد الأوكار الإجرامية في شقة بمدينة السادس من أكتوبر، يتخذها الإرهابيون مكانًا لتخزين وتجهيز العبوات المتفجرة

وصل الضباط وفي إحدى غرف النوم وجد الضباط سخانًا كهربائيًا مغلقًا بطبة حديد، توحي بأن هذا السخان تم تفريغه لوضع مواد متفجرة بداخله وهذه الطبة أُحكم بها غلق السخان المفخخ من الأسفل وربطت بـ4 مسامير قلاووظ مرتبط بضفيرة سلكية كهربائية في بدايتها فيشة كهربائية ووسطها مفتاح أون وأوف للاستخدام، ثم فيشة أخرى لتوصيلها في جهاز استقبال إشارة ريموت السيارة عند التفجير، تقدم العقيد إبراهيم حسين في لحظات صعبة مطالبًا الجميع بالابتعاد طلب من ضباط المصاحبين للمأمورية أخلاء العقار بالكامل من السكان الح أحد الضباط على مساعدته والوقوف بجانبه كان قراره صارمًا بإخلاء العقار فور وطلب من جميع الجنود والضباط مغادرة المكان والابتعاد لمسافة آمنة والانتظار لحين ورود إشارة منه.

غادر الجميع الشقة، وترك السكان العقار، وبقي العقيد إبراهيم حسين وحيدًا مع قنبلة تزن ما يقرب من 50 كيلو من المتفجرات، ردد الشهادتين وقرأ الفاتحة وتوكل على الله.

وما بين الحياة والموت كانت يد الله تساند يد العقيد إبراهيم التي تقوم بتفكيك العبوة وتفحصها بعناية، بعد دقائق من فحصها جيدًا تبين له أن هذه العبوة كانت قاب قوسين أو أدنى لوضعها في سيارة وتفجيرها وأن المواد المتفجرة كفيلة بأن تحيل المبنى والمباني المجاورة إلى كوم تراب، تذكر للحظات ماذا كان يمكن ان يحدث لا قدر الله لو نجح الإرهابيون في تفجيرها بالقرب من مول تجاري أو شارع مزدحم بمئات الأرواح من البشر كان سيحصدها التفجير، بالإضافة لمئات الجرحى، تذكر أسرته وأولاده أصدقاءه وأحباءه، وتوجه لله بالدعاء بأن يسانده، فليس من يريد القتل والتدمير كمن يريد أن يحيي الأنفس، فيقول سبحانه وتعالى في سورة المائدة "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" صدق الله العظيم.

أسلاك دقيقة متصلة بمفجر وتايمر، أي قطع خطأ لأي سلك يمكن أن يولد شرارة تفجر القنبلة وتحيل المكان لجحيم، قنبلة شديدة الانفجار يمكنها من شدتها أن تصهر المعادن، فما بالكم بإنسان، الإرهابيون عتاة الإجرام فخخوا القنبلة بطريقة متقنة وجعلوها كفخ يمكن أن يصطاد من يعبث بها، أي تحريك للقنبلة دون حرص ودون وضعية معينة قد يعرضها للتفجير.

تمر الساعات تلو الساعات والضباط يقفون خارج العقار في المنطقة الآمنة ينتظرون الإشارة من العقيد إبراهيم، يتوجهون لله بالدعاء أن يوفقه في تفكيكها، أن تنتصر يداه التي تريد للجميع الحياة على الأيادي التي تريد أن تزرع الموت والخراب.

ضغط عصبي ونفسي رهيب لا يريد أحد أن يتصل به باللاسلكي حتى لا يشتت انتباهه، ولا يستطيع أحد أن يتصل به هاتفيًا فهاتفه مغلق، مشهد أسطوري يحتاج منا جميعًا التأمل في تفاصيله التي يعجز أي كاتب عن سردها، مهما حاول تقريب الصورة ورسمها.

البطل بكل شجاعة، متوكلا على الله، يستخدم أدواته بكل حرص في فصل الأسلاك، نجح في رفع الغطاء والطبة الحديد، ولهول ما شاهد داخل السخان الكهربائي الذي استخدمه الإرهابيون كهيكل للقنبلة تحتوي مواد تي إن إي، نترات ألمونيوم، إي تي بي تي شديدة الانفجار، ثلاثة مفجرات موصولة بفيشة ذكر كهربائية شديدة الخطورة تحتاج في تفكيكها وفصلها دقة وتركيزًا شديدين، مفجر كهربي مثبت في نهايته لمبة إشارة، حوالي سبع زجاجات طلاء أظافر تزيد من القوة الانفجارية، وتجعله انفجارًا مصحوبا باشتعال، عدد 2 بطارية جافة سعة 12 فولت نيو، لم تستخدم بعد، وكانت معدة لهذه العملية الكبرى، وجد نفسه يتعامل مع ثلاث قنابل في قنبلة، كل مرحلة ينتهي فيها من تفكيك مفجر من المفجرات يجد نفسه في اختبار أصعب لتفكيك المتبقي.

خمس ساعات مرت، الجميع منتظرون خبر الانتصار أو الموت لا قدر الله، منتظرون إشارة العقيد إبراهيم حسين، البطل انتهى من تفكيك القنبلة، فرّغ محتوياتها، اطمأن بنسبة مائة في المائة إلى أن الخطر زال، حمد الله كثيرا، واتصل بزملائه المنتظرين في العراء خارج المبنى فحضروا مكبرين شاكرين لله على نعمته، إنه انتصار جديد حققه رجالنا الأبطال على أهل الشر والإرهابيين.

هؤلاء الأبطال يستحقون كل الشكر، والأوسمة والنياشين لا تكفي لمكافأتهم، نساندهم بالدعاء ونقدر جهودهم التي لا تقدر بثمن، فهل تقدر الحياة بثمن؟ العقيد إبراهيم حسين وغيره من الأبطال يستحقون أن تكرمهم الدولة بما يستحقون، فهم قدوة للتضحية والفداء والإخلاص، ويستحقون أن نذكرهم ونذكِّر أبناءنا وأهلنا وشعبنا ببطولاتهم فشكرًا لهم.

[email protected]

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز