عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فاطمة اليوسف بقلم صلاح حافظ !

فاطمة اليوسف بقلم صلاح حافظ !

بقلم : رشاد كامل

 عندما رحلت السيدة (روزاليوسف) فى أبريل سنة 1958، كان الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ (صلاح حافظ) يمضى عقوبة السجن فى (الواحات) - ولمدة ثمانى سنوات -بتهمة الانضمام لحزب شيوعى.. ولم تتح الفرصة لصلاح حافظ أن يكتب شيئا عن هذه السيدة الأسطورة إلا بعد سنوات طويلة من رحيلها، لكنه بكى فى صمت وشاركه الحزن والبكاء زملاء المعتقل من أبناء روزاليوسف وصباح الخير الذين كانوا مسجونين معه ولأسباب سياسية مختلفة: (الفنان حسن فؤاد، والأستاذ محمود السعدنى، وجمال كامل، وعبدالستار الطويلة، وزهدى.. إلخ) وغيرهم من نجوم الصحافة المصرية!!

 انتهز (صلاح حافظ) فرصة احتفال مجلة روزاليوسف بعيد ميلادها الخامس والخمسون وبداية عام جديد من عمر المجلة فكتب مقاله الشهير (من السيدة فاطمة اليوسف) إلى المجلس الأعلى للصحافة، فكتب يقول: (يبدأ اليوم العام السادس والخمسون من حياة هذه المجلة، ولم يحدث طوال هذا العمر المديد أن تمتعت بأى استقرار، سواء فى شكلها أو موضوعها أو قيادتها أو أقلامها أو توزيعها أو حتى  سياستها !!
 الشىء الوحيد الذى كان ولا يزال ثابتا فى جميع عهودها هو الرسالة التى اختارتها  رسالة التنوير!  كانت دائما مع العلم ضد الخرافة، ومع الجديد على حساب القديم وفى صف المستقبل الذى لم تبزغ شمسه بعد، وكانت الأفكار الجديدة والأفلام الجديدة تولد دائما على صفحاتها، وتقضى سنوات وهى تقاتل معركة الاعتراف بها ويوم يتم هذا الاعتراف  تهاجر إلى صحف أخرى وتترك مكانها لأفكار وأقلام جديدة !!..  ولكن من الذى اختار لروزاليوسف أن تكون هذه رسالتها وقدرها وحكم عليها بألا تتمتع أبدا بالاستقرار ؟! إنه بالتأكيد السيدة التى أسستها (فاطمة اليوسف)!
 كانت عقيدتها الشخصية أن الحاضر دائما أفضل من الماضى، وأن المستقبل سيأتى بما هو أفضل من كليهما ! وكانت تتحمس دائما للقلم الجديد والريشة الجديدة والفكرة الجديدة، ولم يحدث طوال حياتها أن تكلمت عن العودة إلى أى ماض مجيد! ولم يضبطها أحد تقول ولو مرة واحدة: يا سلام على أيام زمان ّ وكان هذا وحده ولا شىء غيره هو السبب فى السمة التى انفردت بها مجلة (روزاليوسف) واللقب الذى اعترف لها به جميع نجوم الصحافة فى مصر : لقب مدرسة الصحافة المصرية ومع ذلك فهذه السيدة لم تكن أصلا ولم تكن أبدا صحفية!!..  كانت فنانة نعم، ممثلة مسرحية نابغة نعم مولعة بالقراءة نعم، لكنها لم تكن صحفية حاذقة ولا كاتبة موهوبة ولم يكن التعبير بالقلم مهنتها ولا هى حاولت أن تمارسها، كانت كل صلتها بمهنة الصحافة أنها آمنت بها واحترمتها وأحجبت الدور الذى تقوم به فوظفت ذكاءها وقدراتها فى خدمته!!
 وليس هذا شيئا غريبا على أية حال !! فما أكثر ما استفاد الطب من جهود أشخاص من خدموا رسالته دون أن يكونوا أطباء، وما أكثر الذين خدموا الفنون التشكيلية دون أن يكونوا رسامين ! وما أكثر الذين أوقفوا جهودهم وأموالهم على تطوير علم أو فن أحبوه دون أن يكونوا من خبرائه أو حتى من تلاميذه!!..  وقد كان من هؤلاء السيدة (فاطمة اليوسف)! لم تكن صحفية ولا كاتبة، ولكن سرها كان الإيمان الحقيقى الراسخ المطلق برسالة الصحافة والكتابة، كانت عاشقة وكانت  الصحافة رجلها المعشوق وفى سبيله هانت عليها كل تضحية سواء بعملها المسرحى، أو بقروشها التى لا تملك غيرها ! أو براحتها كامرأة جميلة يمكن أن تستقر فى بيت زوج بالغ الثراء، أو حتى بسمعتها التى أصبحت عرضة للتجريح منذ صارت لها صحيفة تجلب عليها المتاعب والخصومات وتعرضها للضرب تحت الحزام وبجميع الأسلحة الأخلاقية واللا أخلاقية !!..  وقد نجح هذا الإيمان وحده وهذا العشق الحقيقى لمهنة الصحافة والاحترام الحقيقى لها.. فى أن يصنع من المجلة (التى قيل يوم  صدورها أنها مجرد نزوة لصاحبتها) مدرسة للصحافة المصرية ينتمى إليها ويعتز بالتخرج فيها معظم نجوم هذه الصحافة على امتداد نصف القرن الماضى بأكمله!)
وفى اعتقادى أن هذا الدرس يفيدنا اليوم كثيرا ونحن نتأهب لإعادة صياغة قانون الصحافة المصرية فى ظل قانونها الجديد ونحاول- كما نقول- أن نتلافى عيوب تجربتها المريرة منذ ثورة يوليو عام 1952..  إن النقد  الشائع لهذه التجربة يكاد يتلخص فى أن أمور الصحافة قد عهد بها  إلى غير الصحفيين وأن المتاعب كان مصدرها جهل هؤلاء بالمهنة ّّ وعجزهم عن فهم أسرارها وحاجاتها ومقتضاياتها!!
 وهذه النظرية نفسها هى التى حكمت موقف الصحفيين من القانون الجديد وجعلتهم يضيقون بوجود أشخاص لا يعملون بالصحافة داخل المجلس الأعلى للصحافة ويتمسكون بأن تكون الأغلبية فى هذا المجلس للصحفيين إذا تعذر أن يكون المجلس كله منهم ؟!
 ويتساءل (صلاح حافظ) : فهل هذه النظرية صائبة؟!
 للحكاية وإجابة السؤال : بقية!! •



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز