عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
للأقباط شعب يحميهم

للأقباط شعب يحميهم

بقلم : طارق رضوان

راسخة تلك الأمة. شامخة وصلبة الأساس. ومتماسكة البنيان. قوتها فى شعبها وتلاحمه. لا فرق ما بين مسلم ومسيحي. الحياة واحدة. والألم واحد والحلم واحد والمستقبل واحد. والأمل فى النفوس لغد أفضل هو الآخر واحد. على المقهى وفى العمل وفى المواصلات وفى الشارع لا يمكن أن تفرق بينهما. انتظر لوقت ممارسة العبادة. وقتها فقط ستعرف من يذهب للجامع ومن يذهب للكنيسة. وبعد دقائق من العبادة يعود الجميع لينصهر فى اليوم المصري.




كثيرة هى المحاولات التى سعت للوقيعة ما بين المسلمين والأقباط فى مصر. هدفها تمزيق تلك الأمة واستعمارها والتدخل فى شئونها بعد إغراقها فى مستنقع الحرب الأهلية التى يمكن أن تمتد لمئات السنين. يتراكم فى الصدور نار الثأر والانتقام. لكن الكنيسة المصرية ورجالها المخلصون كانوا سدًا منيعًا أمام كل المحاولات التى حيكت لاستغلالهم فى الضغط على مصر.

موقف الكنيسة الوطنى امتد من بداية الاستعمار الإنجليزى وحتى وقتنا الحالي. ففى عصرنا الحديث حاول اللورد كرومر أن يشعل الفتنة ما بين المسلمين والأقباط تحت سياسة بريطانيا الشهيرة (فرق تسد) والتى نجحت بتفوق فى مستعمرتهم الأكبر فى الهند ومزقوها لثلاث دول.

الهند وباكستان وبنجلاديش. وكانت مصر فى خططهم على الطريق. وبعد محاولاته الفاشلة للفتنة.

أرسل خطابا للملكة فى لندن. وقال. ذهبت إلى مصر ولم أجد أى اختلاف بين المسلمين والأقباط غير أن المسلم يصلى فى المسجد والمسيحى يصلى فى الكنيسة. وحاول المستعمر وفشل. وحاول وفشل. وعندما بدأت شمس الإمبراطورية البريطانية تغرب عن العالم. ظهر فى الأفق إمبراطوريات تستعد لتسلم قيادة العالم.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعد العدة لتخرج من محيطها المحصن ما بين المحيطين الأطلسى والهادى لتقود العالم. ومدت خيوط جس النبض على مناطق النفوذ المتوقعة. وكانت مصر أحد أهم محاور الارتكاز لمخطط الأمريكان. وكان الدين هو أحد أهم الأدوات لبسط النفوذ. لم يكن الأمريكان وحدهم من كانوا يريدون الدخول لمصر من بوابة الأقباط.

بل كان هناك ثلاثة وافدين جدد ظنوا أن الباب مفتوح فى دولة مستعمرة تعانى من الجهل والفقر والمرض. فتقدموا يجربون حظوظهم. كان الوافد الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية الإمبراطورية الجديدة على أول الطريق والمستعدة بالمال والعتاد لاستلام الورث البريطاني.

والثانى هو الكنيسة الأرثوذكسية الكبرى للإمبراطورية الروسية. وهى إمبراطورية وصلت إلى آخر الطريق وكانت وقتها تجاهد السقوط وتبحث عن وسائل لتفاديه. وعندما اشتعلت ثورة البلاشفة وانهارت إمبراطورية القيصر أكمل البلاشفة المشوار نفسه نحو الشرق. وأخيرًا الكنيسة الكاثوليكية فى الفاتيكان. وهى بدورها قوة إمبراطورية بلا حدود حتى وإن كانت لا تملك سلاحا أو اقتصادا مسيطرا أو مستعمرات خاضعة.

لكنها تمتلك الخطط والصبر والإلحاح للسيطرة حتى لو مر مئات السنين. وجرب الثلاثة فى مصر المسيحية ولم يصلوا جميعا إلى نتيجة تذكر. فقد كانت الكنيسة المصرية واعية ومحصنة بوطنية وولاء. جربت الولايات المتحدة عن طريق بعثات التبشير وكانت خطوتها الرسولية أو الإرسالية وفق التسمية التى جرى اعتمادها تواضعا. هى العمل على تحويل أقباط مصر من الأرثوذكسية إلى البروتستانتية. وتوافد المبشرون الأمريكان أو تحت الرعاية الأمريكية إلى القاهرة ومنها نقلوا نشاطهم إلى صعيد مصر بعيدا عن الأعين الساهرة للكنيسة القبطية المصرية وبطركها العنيد (ديمتريوس) الثاني. وفشلت وتركت خلفها مجموعة المدارس القبطية الشهيرة علها تكون يوما ما نواة لتحقيق الغرض فحولها المصريون إلى مدارس مصرية وطنية تضيف إلى المجتمع المصرى مزيدا من الولاء والانتماء.

وتصورت الإمبراطورية الروسية أن تدخل من الباب بإذن رسمي. فذهب قنصل روسيا العام فى مصر إلى مقابلة البطرك الذى خلف (ديمتريوس) وهو البطرق (كيرلس) الخامس يهمس فى أذنه بصوت ناعم يعطى الإحساس بالنصيحة بأنه إزاء كل هذا الطمع فى مصر.

فإن الأقباط الأرثوذكس فيها لا ملجأ لهم غير قيصر روسيا وهو حامى العقيدة الصحيحة. ورد البطرك المصرى بذكاء الفطرة فسأل القنصل الروسي. ومن يحمى القيصر؟ وجاء الرد. يحميه الله. وكان البطرك جاهزا. فقال وهو أيضا يحمينا. ثم أضاف عبارته المشهورة.

القيصر يموت وأنا أيضا ولا يحتاج ميت إلى حماية ميت وإنما يحتاج الكل إلى حماية من لا يموت. وتناثرت على الأرض فتات كتلة محاولة القنصل. وأما الفاتيكان فى روما فقد كانت محاولته قصيرة العمر. فما أن جاءت الرسالة الأولى من البابا الكاثوليكى إلى البطرك المصرى حتى كان الرد عليها (منذ متى تهتم الكنيسة الرومانية فى الغرب بأحوال المسيحيين فى الشرق وهى التى كانت تعتبرهم طول العمر هراطقة مرتدين). لكن الكنيسة فى الفاتيكان لا تستعجل النتيجة وكلما سمح الوقت ظهرت من جديد. فالصبر هو أهم أسلحتهم.

لم تتوقف المحاولات. وهى محاولات الغرض منها الاستعمار الدينى لمصر. والتدخل المباشر من خلاله فى الشئون الداخلية المصرية. وعندما انتهى العالم من حروبه الكبري. بدأت الولايات المتحدة اتخاذ إجراءاتها للسيطرة على العالم. وكانت حجة التدخل جاهزة. محاربة النفوذ الشيوعى فى العالم.

وكانت السياسة الأمريكية ابتداء من عصر الرئيس أيزنهاور تعتمد سياسة خارجية يلعب الدين فيها دورا بارزا وكان الظن أن الدين قبل الجيوش وقبل الأدب وقبل الفن هو القادر بالطبيعة على التسلل والتوغل فى شئون الشرق الأوسط. بحجة مواجهة الماركسية الملحدة فى الدول التى اعتمدها الاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية كلها ثم الصين ومحيطها فيما بعد.

وكان جون فوستر دالاس وزير خارجية أيزنهاور وهو ابن قسيس بروستانتى قد وضع سياستين متوازيتين الأولى إنشاء حلف إسلامى، والثانية وهى التى كانت تحت إشرافه المباشر هى إنشاء ما يسمى مجلس الكنائس العالمى وكان الغرض من إنشائه جمع كل الكنائس من المذاهب المسيحية المختلفة فى تنظيم واحد ينهض هو الآخر بدوره فى وضع القيم المسيحية فى مواجهة الدعاوى الماركسية وبالفعل فإن مجلس الكنائس العالمى حاول أن يمد نشاطه إلى الكنيسة المصرية وكان ذلك إحياءً جديدًا لجهود تبشيرية سبقت تمت فى بداية القرن العشرين. لكن الكنيسة القبطية المصرية كانت واعية بتراثها حريصة على استقلالها وتصدى البابا كيرلس لكل تلك المحاولات قائلا كلمته الشهيرة: «المسيحية فى مصر لا تقبل واصيًا عليها وهى أدرى بشئون شعبها» رافضا كل ما أملاه مجلس الكنائس العالمى. وتوالت المحاولات.

وكلما تقدمت مصر خطوة للأمام فى التنمية ظهرت المحاولات من جديد. محاولات التدخل المباشر من خلال الكنيسة.

ومحاولات تهجير الأقباط من مصر بدعوى الاضطهاد لتسكينهم فى أوروبا ليكونوا حائط صد ضد المد الإسلامى الحاصل فى أوروبا. وهى خطة قديمة تمتد لستينيات القرن الماضي. وضعها الإنجليز وتسلمها الأمريكان ونشرت كاملة فى جريدة التايمز الإنجليزية.

وعندما حانت الفرصة. ظهروا بوجوههم وألاعيبهم من جديد.

مستغلين الأحداث الدامية فى مصر منذ يناير 2011. لكن بابا الأقباط تواضروس الذى ورث عن البابا شنودة دهاءه السياسى وحكمته. كان على وعى كامل لما يجرى ويحاك فى الظلام لمسيحيى مصر. وهو يرى بعين الراعى أن ما يحدث لشعبه ما هو إلا أحداث مفتعلة غرضها الوقيعة والفتنة .

فكان رده لا يختلف كثيرا عما قاله البابا العنيد البطرق كيرلس الخامس لقنصل روسيا فى بداية القرن العشرين. قال تواضروس ردا على قرار الكونجرس الأمريكى بمناقشة «القلق من ازدياد الهجمات الإرهابية على المسيحيين فى مصر»، أن الأقباط فى مصر لا يستقوون بالغرب بل بالله فى المقام الأول والأشقاء فى الوحدة المسلمين.

رد جاء من تاريخ طويل من الوطنية يدل على أن أقباط مصر على عهدهم فى الوحدة الوطنية وعلى عهدهم فى الوطنية المخلصة من أجل بلادهم. سيحاول الغرب من جديد ولن يهدأ. وستتعدد الطرق للوقيعة. لكن الشعب المصرى يمتلك من تاريخه الممتدد لآلاف السنين ثقافة المقاومة لكل ما يهدد أمنه وسلامة وطنه وهدوء يومه. سيحاولون وسيفشلون. فلأقباط مصر تاريخ وشعب يحميهم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز