عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التقرير المكذوب وعصابة اللهو الخفي

التقرير المكذوب وعصابة اللهو الخفي

بقلم : محمود حبسة

تعبر الدراما بكل أشكالها- سينمائية وتليفزيونية ومسرحية- عن الواقع الذي نعيشه، بل أحيانا ما تسبق الدراما الواقع، فقد يستلهم الأديب أو الفنان أعماله من الواقع، وفي أحيان أخرى يسبق إبداعه الواقع ليأتي بعد ذلك الواقع متطابقا معه تماما.



من الصنف الثاني تأتي حكاية التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية التي زعمت فيه أن ضابطًا في المخابرات المصرية يدعى أشرف الخولي طالب أربعة من مقدمي البرامج الحوارية في مصر بالإيحاء ضمنا بقبول فكرة رام الله عاصمة لدولة فلسطين وليس القدس، بدعوى تعزيز التوجه لحل سلمي وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني متطابقة تماما مع مسرحية "العيال كبرت" للراحل سعيد صالح وفكرة عصابة اللهو الخفي الوهمية.

نفس السيناريو تقريبًا، فلا يوجد في المخابرات المصرية ضابط اسمه أشرف الخولي، كما أن مفيد فوزي ويسرا لا يقدمان برامج حوارية، والاثنان الآخران سعيد حسانين وعزمي مجاهد تأثيرهما- سواء في الوسط الإعلامي أو بين الجماهير- لا يستحق أن يتكبد جهاز ما في الدولة عناء الاتصال بهما وإقناعهما بأي شيء.

بأبسط الأدلة التقرير مكذوب ومفبرك، خصوصا أن مصر هي من قادت المجتمع الدولي- سواء داخل مجلس الأمن أو داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة- للتصدي لقرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.

القصة مختلقة، ولا يمكن لعاقل أن يصدق مثل هذه الترهات والأكاذيب، الغريب أننا نجد من بين المصريين من يصدق مثل هذه الأكاذيب ويروج لها، المثير للاشمئزاز أننا نجد من بيننا من يقنع نفسه ويسعى لإقناع الآخرين بمثل هذه الادعاءات، ويقول: حدث بالفعل، القصة أيضا برمتها تنتمي لإبداع مسرح اللامعقول للأديب الراحل توفيق الحكيم، فكأننا أمام مسرحية "يا طالع الشجرة" للأديب الكبير، وكأن مسرح اللامعقول الذي يخاطب العين والأذن ولا يخاطب العقل تحول إلى مسرح معقول يخاطب العقل، وكأن من يطلع الشجرة سيأتي فعلا ببقرة يتم حلبها.

أن تنشر صحيفة النيويورك تايمز مثل هذه الأكاذيب فهذا أمر طبيعي، وقد يكون منطقيًا ومفهومًا في ظل سيطرة اللوبي اليهودي على وسائل الإعلام في أمريكا وانحيازها المطلق لإسرائيل، وأن يأتي توقيت نشر هذا التقرير في هذا الوقت فهو أمر منطقي أيضا، لتشويه موقف مصر بعد نجاحها المبهر في معركة القدس وتصديها وإفشالها مخططات أمريكا وإسرائيل.

غير المقبول وغير المنطقي أن يقتنع مصريون بمثل هذا الكلام الذي لا يفسره إلا أنه نابع من نفس بشرية لا يعلم بأسرارها سوى الله خالقها، فاختلاف المواقف السياسية لا يجيز مثل هذه المواقف الشاذة، ورغم تصدي مؤسسات الدولة لفرية وأكذوبة النيويورك تايمز من خلال وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات، بل ووصل الأمر إلى أن النائب العام المستشار نبيل صادق أحال الموضوع للنيابة العامة للتحقيق فيه بما يؤكد تبرئة الدولة ونفي أي شبهة لتورط أي من أجهزتها في هذا الأمر، ما زال البعض يصر على تصديق هذه الأكذوبة والترويج لها سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها، وتحول مسرح اللامعقول عند البعض إلى مسرح معقول، انتقل أسلوب ومنطق اللامعقول من الأدب إلى السياسة وبنفس الطريقة وهي استخدام لغة تخاطب العين والأذن ولا تخاطب العقل ويبدو أنها كما نجحت في الأدب نجحت أيضا في السياسة، وهو ما دفع- كما ذكرت في مقال سابق- الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يقول "أنا لا أبيع لكم الوهم يا مصريين".

من غير المعقول أن يتحول مصريون إلى أعداء لوطنهم إلى هذه الدرجة، من غير المعقول أن يصبحوا بوقًا لأعداء وطنهم إلى هذه الدرجة، هي النفس البشرية بكل تعقيداتها وتفاصيلها التي لا يعلمها إلا الله، هي النفس البشرية التي يصل بها المرض والهوى إلى هذه الدرجة وكأن ما عرضته رواية "أرض النفاق" للأديب الراحل يوسف السباعي من أفكار وأحداث حقيقية وليست خيالًا، وكأننا أمام عالم خيالي في صورته واقعيا في حقيقته، وللأسف بدل ما يتعاطى بعض المصريين حبوب الشجاعة والكرم والصدق تعاطوا حبوب النفاق والكذب والخيانة، بدلًا من تناول حبوب الفضيلة تناولوا حبوب الرذيلة، طباع الكثيرين منا لوثتها الدنيا وفي المقدمة حب السلطة، طباع شوهتها الأنانية والكبر وعشق الذات وتضخم الأنا فأرادوا منا أن نتناول حبوب النفاق لنجاريهم ونرضيهم لكن هذا لن يكون.

"يا أهل النفاق تلك هي أرضكم وذلك هو غرسكم ما فعلت سوى أن طفت بها وعرضت على سبيل العينة بعضا منها فإن رأيتموه قبيحا مشوها فلا تلوموا إلا أنفسكم لوموا الأصل ولا تلوموا المرآة".. صدق يوسف السباعي فنحن أو بعضنا على الأقل لا يبغي إلا أن يعيش في أرض النفاق، لا يبغي أن يرى الجميل جميلا فهو لا يرى إلا ما تراه نفسه، لا يقبل البعض منا أن نواجههم بحقيقتهم وبعيوبهم، أن نقول لهم: ما تقولونه وما تدعونه كذبا وليس حقيقة، لا يقبل البعض منا أن نطالبه بالتطور وأن ينشد الكمال والجمال أو أن يكون أكثر صدقا مع نفسه ومع الآخرين، لا يرى البعض إلا ما تراه نفسه لا يرى إلا كل ما هو مشوه وناقص وغير مكتمل، بعض المصريين لأسباب سياسية ونفسية في الغالب والأعم لا يرون الإنجازات التي تحققت وينظرون إلى المشروعات التي يشهد بها الواقع على أنها سراب أو أنها بلا جدوى عديمة القيمة والمنفعة، قال تعالى: "إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي" يوسف 53 صدق الحق سبحانه وتعالى، فمعظم- إن لم يكن كل- ما نعاني منه هو من صنع أنفسنا، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم ارزقنا الصدق في القول والعمل وفي السر والعلن.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز