عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الموت

الموت

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

كُلنا نخشى الموت ونهابه، فهو له هيبة من نوع خاص؛ لأنه الحقيقة الوحيدة التي لا يختلف عليها أحد، سواء كان مُؤمنًا أو عاصيًا، مهما كانت ديانته، أو جنسيته، أو لغته، أو شخصيته، أو معتقداته، فالكل يُجمع على أن الموت موجود، وآتٍ لا محالة، فالطب قد يُحدد متى سيأتي الجنين، ويخرج إلى الحياة، ولكنه قد يتكهن بالنسبة للمريض بموعد النهاية، ولكن تأتي المعجزة ويعيش لسنوات طويلة، ويتحدى الطب والعلم.



فالموت هو خروج الروح من الجسد، ولكن هل معنى ذلك أننا يمكننا أن نستهين بالجسد، الكل يُقرر أن الجسد يفقد قيمته بمجرد خروج الروح منه، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن رغم ذلك عندما يُدفن الجسد تحت الثرى، وينتقل من فوق الأرض ليكون تحتها، نشعر برهبة من نوع آخر، فهذا الجسد كان يتحرك أمامنا، كان ينبض ويتنفس ويضحك ويبكي ويفرح ويتألم ويئِنّ ويصمت ويتكلم، أما بعد الموت فقد تهاوى، فصعدت الروح إلى السماء، وهوى الجسد تحت الأرض، وهُنا يحتار الإنسان، هل ما يفتقده ويحن إليه هو الروح، أم الجسد الذي لم يعد هناك أدنى أمل في أن يجده يتحرك أمامه مرة أخرى على أرض الحياة.

والغريب أننا بعد كل هذا نتباعد ونفترق، ونتغرب عن أنفسنا، وعن أحب الناس إلى قلوبنا، وكأننا نكتب على أنفسنا الموت قبل أن يأتي، فهل نُنكر أننا عندما نفترق عن من نحب، نتعامل معه على أنه قد مات، فلم يعد لروحه صدىً في حياتنا، ولم تعد أعيننا ترى جسده، فهل الإنسان بطبيعته عاشق للموت، وأحيانًا يُعجل به قبل الأوان؟! فهو يكتب الموت على كثير من علاقاته، وكثيرًا ما يخنق مشاعره بداخله، ويجعلها دفينة وحبيسة بين ضلوعه، حتى يموت قهرًا، وهنا، فإنه يكتب الموت على أحاسيسه ومشاعره، وعندما يُمزق صوره وذكرياته، فهو يكتب الموت على ماضيه.

فهل الإنسان فُطِرَ وجُبِلَ منذ أن أتى إلى الحياة على أن الموت هو النهاية المحتومة لكل شيء في حياته، أي أنه ليس مُرتبطًا فقط بالروح والجسد، ولكنه لصيق بكل شيء، لذا دائمًا ما يستخدم عبارات مثل مات الكلام، المشاعر ماتت، ذكرى ميتة.

والسؤال طالما نحن مؤمنين لهذه الدرجة بالموت ونسعى إليه دون أن نُدرك في كثير من أمور حياتنا، حتى في الأمور المُفرحة، نقول هموتْ من الضحك، بحبك مُوت، مَوِّتْ نفسي في كذا، الموت أرحم من كذا، فما الداعي لتشبثنا القاتل بسفاسف الأمور الحياتية، طالما أننا نعرف مآلها، ومآلنا في النهاية، أليس في "الموت".

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز