عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كُسُوفُ شَمْسِ الإمبَراطُوريَة الأَمْرِيكِيَة (5)

كُسُوفُ شَمْسِ الإمبَراطُوريَة الأَمْرِيكِيَة (5)

بقلم : د. شريف درويش اللبان

لم يكن الخزي العسكري واختراق الأمن القومي وتراجع دور وكالة المخابرات المركزية CIA والمباحث الفيدراليةFBI في التنبؤ بأحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، ولا الخزي المالي والاقتصادي الذي لحق بالإمبراطورية الأمريكية، هو الذي أدى إلى انزوائها وذبولها، فقد كانت تلك هي الإرهاصات الكبرى والمقدمات التي تفضي مع مرور السنين إلى نتائج محتومة.



وقد بلغت الإمبراطورية الأمريكية في عهد باراك أوباما مبلغًا من السوء في إدارة شؤون العالم لم تصله من قبل؛ لا في إدارة الصراعات، ولا في إدارة التوازنات في مختلف أقاليم العالم وبقاعه. يكفي دليلًا على ذلك الوضع في سوريا، ومهادنة داعش، والانبطاح أمام إيران، والانسحاب من العراق وسط أوضاع أمنية مزرية، وتردي الأوضاع في أفغانستان، وتوتر العلاقات مع الحلفاء التقليديين خاصة في تركيا ومنطقة الخليج والدولة المصرية، وهو ما قد يهدد المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط مستقبلًا.

كما لم يكن موت الديمقراطية، إحدى القيم الأمريكية التي تتفاخر بها الولايات المتحدة أمام العالم، هي السمة الوحيدة التي تؤشر لبداية ترنح الإمبراطورية الأمريكية أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وفي أعقابها، على نحو ما أوضحنا في المقاليْن السابقيْن، بل كان هناك ما هو أكبر وأدل على هذا الترنح في قادم الأيام. ولعل أبرز هذه الدلائل أن الانقسامات في الداخل الأمريكي بعد إعلان نتائج الانتخابات، وعدم رضا بعض الولايات عن انتخاب دونالد ترامب إعلان إحدى أهم الولايات الأمريكية نيتها الانفصال عن الولايات المتحدة وهي ولاية كاليفورنيا؛ فقد قدم أنصار حركة Yes California التي تدعو إلى انفصال الولاية عن الولايات المتحدة عريضة إلى مكتب الادعاء العام بشأن إجراء الاستفتاء في هذا الشأن.

وذكرت صحيفة «لوس أنجلوس تايمزLos Angeles Times، الثلاثاء ٢٢ نوفمبر أن أنصار Yes California طالبوا الادعاء العام بإطلاق تسمية رسمية على طلبهم بإجراء الاستفتاء وتسجيله بشكلٍ رسمي أيضا، معربين عن أملهم في إجراء الاستفتاء بشأن انفصال كاليفورنيا عن الولايات المتحدة عام ٢٠١٨.

وبحسب الصحيفة فإن الدعوات في ولاية كاليفورنيا للانفصال تزايدت بشكل ملحوظ بعد فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة.

وتجدر الإشارة إلى أن ولاية كاليفورنيا تعتبر الأكثر سكانًا في الولايات المتحدة، حيث يبلغ عدد سكانها نحو ٣٩ مليون نسمة، وتعيش فيها أكثرية من الناطقين باللغة الإسبانية. وهي معروفة بليبراليتها على مستوى العادات والتقاليد. وتتمتع الولاية بوزن اقتصادي كبير، ولها ٥٣ نائبًا في مجلس النواب، وتحظى كذلك بنفوذ كبير على المستوى الفيدرالي.

وكانت وسائل الإعلام أفادت في وقت سابق بنية حركة «Yes California» إطلاق عمل بعثاتها في عدد من دول العالم بما فيها روسيا. وبحسب الحركة فإن بعثتها في روسيا من شأنها أن تسهم في إطلاع المواطنين الروس على تاريخ كاليفورنيا وثقافتها، إضافة إلى تطوير الحركة من أجل الانفصال، ما سيتيح فرصة لتحقيق أهدافها في أقرب وقت ممكن.

وبغض النظر عن مدى جدية الفكرة أو إمكانية تنفيذها في وقتٍ قريب، إلا أن مجرد طرحها بهذا الشكل يمثل خطرًا داهمًا على مستقبل الولايات المتحدة كدولة وطنية، وليس فقط كإمبراطورية متداعية.. ولم يكن انتخاب ترامب مدعمًا للدعوات الانفصالية في ولاية كاليفورنيا، بل إنه أدى إلى إيقاظ النعرات العنصرية والدينية والعرقية والقومية من مرقدها في دولة كانت تفاخر العالم بتنوعها في الديانات والمذاهب والأعراق، وأن قوتها تكمن في تنوعها وقدرات ومهارات سكانها مهما كانوا مختلفين.

وقد وجه نعوم تشومسكي انتقادات حادة للغاية للسياسة الأمريكية في السنوات الأخيرة، والتي انعكست نتائجها على التطورات المحيطة بانتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي تجلت كأحسن ما يكون التجلي في صعود نجم المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

فقد وصف تشومسكي ترامب بأنه ظاهرة فريدة لم تتكرر مطلقًا في أي من الأمم الصناعية الغربية المتحضرة. وقال موضحًا «فلنأخذ على سبيل المثال المنافسات التمهيدية لنيل ترشيح الحزب في السنوات الأخيرة، رأينا فيها مرشحين شعبويين أكثر خطورة من ترامب، ما دفع قواعد الحزب إلى التدخل لتصفيتها، على غرار ما حدث مع ميشيل باكمان وريك سانتورم وهيرمان كين، ولكن يبدو أن قيادات الجمهوريين لم تتمكن هذه المرة من عمل شيء.

وقال تشومسكي إن «هؤلاء الذين يؤيدون ترامب ليسوا من الفقراء؛ بل أغلبهم من الطبقة العاملة البيضاء، الذين عانوا التهميش خلال حقبة النيوليبرالية، ولنكن أكثر دقة؛ بداية من عصر رونالد ريجان». وأضاف تشومسكي أن الديمقراطيين تخلوا عن هذه الجموع في السبعينيات، على الرغم من مواصلة ادعائهم عكس ذلك. ومنذ مدة طويلة لم يعد ممكنًا الحديث عن «طبقة عمالية» في الولايات المتحدة؛ بل يجب الحديث عن طبقة وسطى عند الإشارة إلى الطبقة العمالية.. إن دونالد ترامب حصيلة مجتمعٍ متداعٍ وماضٍ بقوة نحو الانهيار وتهاوي المنظومة السياسية، ويجب أن نعترف بأن الوضع في أوروبا أسوأ، وهو ما دعا المحافظين في بريطانيا لأن يصوتوا لصالح انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، كما أنه من المتوقع صعود اليمين المتطرف في فرنسا، وهو ما قد يؤدي إلى دفع فرنسا دفعًا للانفصال عن الاتحاد الأوروبي حال فوز هذا اليمين في الانتخابات الفرنسية الوشيكة.. إن وصول دونالد ترامب لن يؤدي إلى توحيد العالم، وإثراء قيم العولمة، بل سيؤدي إلى مزيد من التيارات العنصرية والقومية والانفصال والتفتت والتشظي بعيدًا عن الكيانات الإقليمية والدولية والانكفاء على الداخل ومشكلاته، وكل هذه أمور لا تؤدي إلى مزيد من التمكين للإمبراطوريات، بل تؤدى في الغالب إلى انهيارها السريع.. وتلك قصة أخرى نتناولها في المقال القادم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز