عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الوطنية المصرية أسلوب حياة

الوطنية المصرية أسلوب حياة

بقلم : طارق رضوان

في‮ ‬غياب الوعي‮. ‬وتغييب العقل وانحدار العلم‮. ‬تختلط الأمور‮. ‬وتتبدل الأحوال‮. ‬ويختل التوازن‮. ‬ويهتز الواقع‮. ‬فيتوه الناس‮. ‬وهو ما نتعرض له منذ يناير‮ ‬2011‭‬‮ ‬، حالة من عدم الاتزان أصابت الكثيرين‮. ‬وفقدوا البوصلة‮. ‬بوصلة الدولة المصرية‮. ‬أركانها وقواعدها ومكانتها وتاريخها وقيادتها وشعبها وهويتها‮. ‬وهو المطلوب،‮ ‬كان مطلوبًا أن تهتز مصر لتكون علي وشك السقوط‮. ‬فتنشغل بنفسها لتمر الخطط‮. ‬وغرق كثيرون فى الدوامة‮. ‬وإلى الآن‮.‬

كان المطلوب أن تهتز ثقة الشعب أولا فى قيادته وقد حدث‮. ‬وكان المطلوب أن تهتز الثقة فى الجيش‮. ‬وقد حدث الانقسام لكنه مر سريعا بيقظة رجال الجيش وقياداته‮. ‬وكان المطلوب أن تهتز الثقة فى الشرطة‮. ‬وقد حدث بتمهيد استمر لسنوات طويلة‮. ‬وكان المطلوب أن تهتز وحدة الشعب بين مسلميها وأقباطها‮. ‬وقد حدث‮. ‬وأخيرًا تهتز ثقة الشعب فى نفسه‮. ‬وقد حدث‮. ‬قليلون من كانوا يعلمون بتلك الخطط‮. ‬والأكثرية كانوا منساقين تحت شعارات تبدو صادقة‮. ‬ديمقراطية وعيش وحرية وعدالة اجتماعية وشفافية ومحاربة الفساد‮. ‬وتداول السلطة‮. ‬والأمل فى مستقبل أفضل‮. ‬وإتاحة الفرص للجميع بالتساوي‮. ‬وشعارات الثورة الفرنسية الشهيرة‮. ‬الحرية والإخاء والمساواة‮. ‬وانساقت خلف تلك الشعارات جموع‮ ‬غفيرة من الجماهير دون وعي‮. ‬ولتحقيق تلك الشعارات كان لابد من وجود أرض خصبة تنبت فيها تلك الشعارات‮. ‬فتزدهر وتورد‮. ‬لكنه لم يحدث‮. ‬وهو ما خلق فريقًا مضادًا يتستر خلف الوطنية العنيفة والشوفينية المفرطة معتقدين أن الصراخ ولغة الشتائم والهجوم العنيف والاغتيال المعنوى لكل مختلف فى الرأى قمة فى الوطنية‮. ‬فدخل الشعب فى دوامة ما بين رجال الشعارات وما بين رجال الوطنية العنيفة‮. ‬لا يمكن أن نتهم أحدًا فى وطنيته ودرجة ولائه‮. ‬فالولاءات متعددة‮. ‬أخطرها الولاء من أجل المصلحة الشخصية والمكاسب المادية والحصول على مناصب متعددة‮. ‬ونسى الجميع الشعب‮. ‬وهو الركيزة الأساسية للدولة المصرية‮. ‬وهو السيد‮. ‬وهو ما انتبهت له جيدا الإدارة المصرية فى الحكم‮. ‬فخطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى موجه لرجل الشارع العادي‮. ‬متخطيا تماما تلك الطبقات التى تتوهم أنها توجه الشعب‮. ‬وهو ما كان عبدالناصر العظيم يتبعه فى كل خطاباته‮. ‬وهو ما كان يحرص عليه الداهية السياسية أنور السادات‮. ‬فالجماهير الغفيرة فى مصر لا تقتنع سوى بالحاكم والباقى تفاصيل لا يلتفت إليها أبدًا‮. ‬الشعب هو السيد‮. ‬ليس فى مصر وحدها بل فى كل دول العالم المتقدم‮. ‬فى الولايات المتحدة الأمريكية من المفيد أن ننظر إلى نمط ثقافتها وحياتها الاجتماعية على أنه ليس فقط إفراز مجتمع معين‮. ‬بل أيضا على أنه استجابة طبيعية لمتطلبات الرجل العادى والمرأة العادية‮. ‬أو الرجل المتوسط والمرأة المتوسطة‮. ‬وهذا هو التفسير الحقيقى لذلك النجاح المدهش الذى حققه نمط الحياة الأمريكى في‮ ‬غزو العالم‮. ‬فلتقطع أمريكا من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب‮. ‬تجد أن الملك فيها هو رجل الشارع البسيط المحدود الثقافة والتعليم‮، ‬العادى الذكاء المحدود الطموح إلا فيما يتعلق بما يمكن أن يمتلكه من سلع ترضيه‮. ‬تستهويه القضية البسيطة‮ ‬غير المعقدة وتتبع أفلام الجريمة وأخبار الفضائح والكوارث ما دامت تحدث لغيره‮. ‬يحب السياحة ومشاهدة متحف اللوفر فى باريس وأهرامات الجيزة فى مصر‮. ‬لكن لا صبر له على معرفة التاريخ‮. ‬أو التعمق فيه‮. ‬يفرح بالسيارة الكبيرة كما يفرح الأطفال‮. ‬ويتقبل أكثر ما يتلقاه عن طريق التليفزيون أو الجرائد اليومية دون أى شك فى صحة ما يسمع أو يقرأ‮. ‬هذا الرجل العادى يمثل‮ ‬غالبية سكان العالم فى كل بقاع الأرض‮. ‬وقد نجحت الحضارة الأمريكية فى الوصول إليه وإشباع تطلعاته بأكثر مما نجحت أى حضارة أخري‮. ‬وسبب ذلك أننا نعيش ليس فى عصر الرأسمالية أو الاشتراكية‮. ‬بل فى عصر الرجل العادى والمرأة العادية‮. ‬وقد بلغت العبقرية الأمريكية ذروتها فى إرضاء كل منهما‮. ‬وكانت مصر أسبق من الأسلوب الأمريكى في‮ ‬غزو المنطقة حولها اجتماعيا‮. ‬فقد كانت مصر الليبرالية هى الأولى التى تتمتع بخصال حرية الرجل العادى والمرأة العادية‮. ‬فكانت الحياة الاجتماعية والسينما والمسرح ومختلف الفنون تفرد مظلتها على كل الدول المحيطة بها‮. ‬وهو ما كان يزلزل عروشاً اعتادت على نمط الحياة المنغلقة حفاظا على عروشها‮. ‬فكانت مصر هدفا لتدخل نفق الانغلاق والتخلف وكبح جماح تمددها الاجتماعى الخطر على المجتمعات البدائية حولها‮. ‬ومن هنا كان لدور جماعة الإخوان الإرهابية أهمية كبرى للسيطرة على الانفتاح الاجتماعى المصرى‮. ‬وقد نجحوا فيه لبعض الوقت‮. ‬بتمويلات بالمليارات لتطبيق النموذج المنغلق على الشعب واللعب على مشاعر علاقته بدينه‮. ‬لكن لطبيعة الشخصية المصرية العميقة وهويتها المنفردة استطاعت أن تبتلع تلك العادات الغريبة عليها وتخلطها بالخلطة المصرية‮. ‬فخرجت كما يريدها المصريون وبما يتلاءم مع هويتهم وعاداتهم اليومية‮. ‬فأصبح الحجاب موضة تتبدل وتتغير‮. ‬والذقن تطول وتقصر حسب الموضة‮. ‬بل تحول الجلباب الأبيض للمناسبات‮. ‬خصوصا وقت صلاة الجمعة و ليس تباركا‮. ‬بل لسهولة الارتداء ورحرحة الإحساس‮. ‬ولذلك عندما انزاحت‮ ‬غمة الإخوان عن المجتمع لم يتأثر كما أنه لم يشعر بالفقدان‮. ‬ولم يعان من قسوة التغيير مقارنة بالتغيير الذى يحدث حاليا فى المملكة السعودية بالقضاء على الوهابية‮. ‬إذا للشعب المصرى ثقافة خاصة يقودها رجل الشارع وليس أولئك المنظرين فى كل مكان‮. ‬وهو ما يفسر انصراف الناس عن كل ما يبث لهم يوميا من نصائح وتوجيه من رجال ونساء ظنوا أنهم أهل صفوة وانخدعوا بإضاءة الكاميرات ولعلعة الميكرفونات وراحوا ينصحون الشعب فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتهم‮. ‬ووصل الأمر للتوجيه السياسي‮. ‬وهو توجيه معظمه جاهل والقليل منه مخلص‮. ‬وفى كلتا الحالتين لا يلتفت إليهم الشعب لما يتمتع به من ثقافة حياتية‮.. ‬ورثها عبر آلاف السنين‮. ‬ويظهر ذلك واضحا فى أى حدث يتم‮. ‬يمر عليه الشعب مرور الكرام دون تأثير يذكر‮. ‬وينسي‮. ‬وتشتكى طبقة من يظنون أنهم الصفوة‮. ‬والأدهى هو الإساءة التى يتعرض لها الشعب من تلك الطبقة بمقارنته بشعب نازح دخل البلاد ليبحث عن فرصة للحياة فقدها فى أوطانه‮. ‬ويطلبون تقليده فى العمل وفى أسلوب حياته‮. ‬ونسوا أن الشعب المصرى هو من بنى الأهرامات وهو من بنى السد العالى وهو من عبر قناة السويس فى أمجد حرب شهدتها المنطقة فى عصرها الحديث‮. ‬ونسوا أن هذا الشعب لم يحرق بلاده وتركها خرابا ورحل لبلاد أخري‮. ‬بل هذا الشعب الذى يتلقى الطعنات من صفوته يوميا هو من أزاح الإخوان فى ثلاثة أيام عندما شعر أنهم يهددون أمنه وهويته وأرضه‮. ‬وهو من تحمل تلك الإجراءات الاقتصادية القاسية ليبنى بلاده بشكل عصرى بعدما عاش سنوات بعد سنوات تحت تأثير مخدر حماية محدودى الدخل‮. ‬تحمل الشعب ولم يعترض إلا بطريقته المعتادة فى السخرية والتنكيت‮. ‬لكنه يملك دائما الأمل فى الغد‮. ‬شعب هجم بالملايين على الشوارع والميادين عندما طلب منه القائد العام النزول لمحاربة الإرهاب‮. ‬شعب زحف للبنوك ليشترى شهادات قناة السويس الجديدة إيمانا منه بأن ذلك الممر الخطير هو ملك له ويريد أن يساهم فى بنائه وتطويره‮. ‬فقناة السويس بالنسبة له عرض قبل أن تكون أرض‮. ‬الوطنية المصرية لا تحتاج إلى منظرين أو موجهين أو طبقة الصفوة‮. ‬الوطنية المصرية عند الشعب نابعة من تاريخ طويل من النضال الجاد والصبر‮. ‬فالوطنية المصرية أسلوب حياة‮. ‬وغريزة‮. ‬



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز