عاجل
الخميس 26 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
أبناء البوليس

أبناء البوليس

بقلم : أيمن عبد المجيد

"..وفي الأسبوع الماضي مات طفل فقير، أبوه "عسكري" تابع لوزارة الداخلية.



فكّر العسكري طويلًا.. كيف يستطيع أن ينقل جثة ابنه من القاهرة إلى "شطورة" مركز طهطا مديرية جرجا؟

وفجأة، وبينما الدكتور محمود توفيق، مفتش الصحة، يقوم بالكشف على الجثة.. وصل موظف من وزارة الداخلية.. وسيارة أوتوبيس.

قال الموظف: إن وزير الداخلية قد أمر بصرف تكاليف الدفن من جيبه الخاص، وأن مدير إدارة البوليس قد أمر بإعداد السيارة على حسابه، كما أمر أيضًا بانتداب موظف يرافقهما.

وعقدت الدهشة لسان الطبيب، فأصدر التصريح المطلوب على الفور، وتنازل أيضًا عن الأتعاب".

لم تكن تلك القصة إلا واقعة نشرتها مجلة روزاليوسف، في عدد 1246، بتاريخ 28 إبريل 1952.

قبل تلك الواقعة بـ"62 يومًا"- التي يظهر فيها إنسانية وزير الداخلية مع أبنائه، وصعوبة الحياة حينها، فالانتقال من القاهرة إلى "شطورة" بصعيد مصر لمواراة الجثمان الثرى في مقابر العائلة أمر شاق يحتاج جهدًا وكلفة ومعاناة، فلم تكن الطرق معبدة، ولا وسائل النقل ميسرة- كان رجال البوليس يسطرون بدمائهم ملحمة بطولية.

فهناك في قسم شرطة الإسماعيلية، في 25 يناير 1925، كانت الملحمة، والبوتقة التي انصهرت فيها معادن رجال شداد أبطال، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، عزمهم لا يلين، مبادئهم لا تتبدل، ووطنيتهم أغلى من دمائهم وأرواحهم، كان الامتحان، فكان النجاح الساحق في اختبار الوطنية والتضحية.

كان الاحتلال البريطاني جاثمًا على نفَس مصر ينهب الثروات، ويسلب الإرادة، بينما كان هناك رجال من الفدائيين يوجهون للمحتل الضربات في ربوع مصر، ورجال البوليس يحمون ويواجهون المحتل في معركة فرض النفوذ على الأرض.

كانت الحكومة المصرية قد قررت منع السفير البريطاني من السفر إلى منطقة "القنال"، عن طريق السويس؛ تطبيقًا لمبدأ المعاملة بالمثل، بعد أن منعت القيادة البريطانية المحتلة كبار الموظفين المصريين من الوصول إلى منطقة "القنال" أو الخروج منها إلا بتصريح بريطاني.

أبلغت الحكومة المصرية نقاط التفتيش الحدودية بقرارها، وبات من المجرم مرور بريطاني من تلك النقاط من دون تصريح خاص من الحكومة المصرية، فنشبت أزمة سياسية حادة بين السفارة البريطانية والحكومة المصرية، فالوزير المفوض المحتل كان في منطقة القتال ومُنِع من العودة عبر نقاط التفتيش المصرية.

حاول المحتل البريطاني يوم الجمعة 25 يناير 1952 السيطرة على مبنى محافظة الإسماعيلية، تحرك بدباباته و7 آلاف جندي، حاصروا جنود البوليس المصري الذي لم يتجاوز عددهم 850 ضابطًا وجنديًا بأسلحة خفيفة، أصر الأبطال على الدفاع عن الأرض والعرض والكرامة حتى آخر قطرة دماء.

وكان ذلك هو رأي فؤاد باشا سراج الدين، وزير الداخلية حينها، أيضا، فالحكومة برئاسة مصطفى باشا النحاس والشعب يدًا واحدة في مواجهة المحتل، رافضين معاهدة 1936 المُذِلة، والفدائيون يقاتلون، والمحتل يحاول إجبار البوليس على قمع المقاومة لكن البوليس فاجأه فهو أول المقاومين.

كان قائد قوات الاحتلال "البريجادير أكسهام"، يظن أن المعركة سهلة فقد وجه تهديدًا لضابط الاتصال المصري المقدم شريف العبد، فرد عليهم أن الضباط والجنود المصريين سيدافعون عن كرامتهم وأرضهم حتى آخر قطرة من دمائهم، فبدأت المعركة والقصف بالأسلحة الثقيلة، واستمرت المعركة 6 ساعات، تخللها وقفات لطلب الاستسلام، لكن الأبطال رفضوا، ولم يتوقف القتال إلا بنفاد الذخيرة، وخلفت المعركة 50 شهيدًا مصريًا، و80 مصابًا، بينما فقد المحتل 13 قتيلًا و12 مصابًا من المعتدين.

ومنذ تلك الملحمة، باتت ذكرى هذا اليوم عيدًا للشرطة المصرية في البطولة والفداء، تلك البطولات لم تتوقف على مدار أكثر من ستة عقود، فالبطولات تُكتب بالدماء في معارك محاربة الإرهاب والحفاظ على سلامة وأمن الوطن.

"البوليس".. كلمة مشتقة من اليونانية "بوليتيا"، وتعني إدارة المدينة، ثم اصطلح عليها لوصف القوة المدنية المسلحة التي تتولى تأمين المدن وحماية سكانها وفرض سلطة القانون.

ثم اصطلح عربيًا على اسم الشرطة التي اشتقت من عبارة "أصحاب الشرط"، حيث كانت رتب الجنود أشرطة ملونة على الأكمام والأكتاف، وهم فئة من الرجال كانوا أيام الدول والممالك والإمارات العربية، مسؤوليتهم المحافظة على أمن وسلامة المواطنين والسهر على راحتهم وحماية ممتلكاتهم.

لكن ترى هل هي صدفة، أن تكون الجمعة الأخيرة من يناير 1952، جمعة البطولة والفداء والتضحية والوطنية التي ضحى فيها رجال الشرطة بدمائهم لحماية الأرض والكرامة، لتأتي الجمعة الأخيرة من يناير 2011، لتحرق فيها أقسام الشرطة وتهريب السجناء؟!

مؤكد أن أيادي خفية عميلة لقوى أرادت الانتقام، امتدت تستهدف حرق الأقسام لتحويل إرادة التغيير لتخريب وهدم للمؤسسات وتدمير، غير أن الشعب- الذي ثار في 25 يناير- لم يستغرق عامين حتى انقشع عن عينه الغبار، فصحح مساره بثورة 30 يونيو، أطاح بالعملاء وعاد الشعب والشرطة يدًا واحدة.

يبقى أبناء وأسر الشهداء، أبناء مصر وليس أبناء البوليس وحده، فاليوم شهدنا الرئيس يحنو ويحتضن أبناء الأبطال، لقد ضحى الأجداد في الإسماعيلية من أجل هذا الوطن وكذلك فعل الأبناء والأحفاد، وواجبنا نحن أن نرد الجميل لأسر وأبناء شهداء الجيش والشرطة والمدنيين، نعم هم أبناء الوطن فلنحمي الوطن الذي ضحوا من أجله.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز