عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التسامح.. والسلم الاجتماعي

التسامح.. والسلم الاجتماعي

بقلم : محسن عبدالستار

الأديان السماوية- بحكم انتمائها إلى السماء، وأنها منزلة من لدن خبير عليم- لا تأمر إلا بالخير والحق والسلام والصلاح، ولا تدعو إلا بالبر والحب والإحسان والرحمة بين الناس، ولا توصي إلا بالأمن والمحبة والسلم والمعاملة الحسنة، وما كانت الأديان يومًا في حد ذاتها عائقًا أمام التعايش السلمي والحوار، وإنما العائق نجده في الذين يتوهمون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، ويستغلون الأديان في أقدار الناس ومصائرهم، تلك المهمة التي أبى الله تعالى أن يمنحها لأنبيائه الأخيار، فما بالك بالبشر!



فهل يُعقل أن تتدخل نيات دنيئة للتفرقة بين أفراد الشعب الواحد، الذي له باع طويل من العلاقات الطيبة، في شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وتستطيع هذه الفئة الضالة أن تفسدها، بإشعال نار الفتنة والتعصب بين أفراد هذا الشعب الأبي، ألهذا الحد فقدنا السيطرة على أنفسنا؟ ألهذا الحد أصبحنا لعبة في أيدي قلة تستغل الدين في أغراض دنيوية، وتكون سببًا رئيسيًا لما نحن فيه الآن؟!

لقد دعانا ديننا إلى احترام جميع الأنبياء والرسل، وألا نفرق بين أحد منهم أبدًا، فقال تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" (البقرة 136).

ولعل الإسلام هو أكثر الأديان تطبيقًا لهذا المفهوم، إذ ضرب لنا أجمل المواقف والأمثلة التي تدل على التسامح الديني، الذي كان موجودًا في زمن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وفي الحضارة الإسلامية كلها.

جريمة المشركين- قديمًا- لم تكن في إعراضهم عن الإسلام، بل في كونهم رفضوا أن يعيش دين جديد بجوار دينهم، فقرروا استئصاله من الوجود، لا لأن دينهم على الحق، بل لأغراض دنيوية خوفًا على تجارتهم وأموالهم ومناصبهم من هذا الدين الذي كان يدعو إلى التسامح والسلام وعدم الاعتداء على الآخر.

وعكسُ ذلك كله نجده في التسامح، الذي دعت إليه جميع الأديان، فالتسامح بوجه عام هو اللين في التعامل والترفع عن أخطاء الآخرين وتقبلها، والتسامح الديني هو مفهوم أعمق من ذلك، إذ يعني تقبل جميع الأشخاص من جميع الأديان والثقافات، إن التسامح والإنصاف يفتحان الأبواب المغلقة والقلوب المقفلة.

ثم جدت ظروف علينا جعلت البعض يخرج عن هذا المنهج المعتدل، فحدث ما يسمى "التطرف"، وأخذ التطرف ينمو، وتولّد العنف غير المشروع والإرهاب غير المشروع أيضا.

وظهر التحلل من القيم الإسلامية والأحكام الشرعية، وانتهاج مناهج تخالف كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم.

وظهر من تلك الفئة الغلو والتشدد بأمر الدين، وقد أدى هذا التطرف إلى تكفير بعضهم بعضًا، وإراقة الدماء، والتشفي في القتلى والجرحى، وهو أمر مؤسف حقًا، فإذا بحثنا في مجتمعاتنا عن حجم هذا التطرف وجدناه كبيرًا، وآثاره مزعجة، والسيطرة عليه ليست بالأمر اليسير، لذا يجب أن نتعاون جميعًا، أفرادًا وجماعات ومؤسسات، لإيجاد قناعة لدى هذه الفئة توقفهم عند حد الاعتدال، وتمنعهم عن الخروج من حظيرة الإسلام إلى التطرف، وهذا ما تقوم به عدة مؤسسات، على رأسها الأزهر الشريف، والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، وتنقية المناهج الدراسية.

والسؤال هنا: كيف يتم تجديد الخطاب الديني؟ لقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".. والخطاب الديني جزء من هذا الدين وتجديده، فتجديد الخطاب الديني ليس شأن فرد واحد، بل مجموعات تتكامل فيما بينها، وتؤدي أدوارًا مختلفة ومن جميع التخصصات.

فيجب علينا جميعًا إعمال العقل والتمسك بالدين، لأنه السبيل الوحيد لحفظ كرامتنا وجعلنا يدًا واحدة في مواجهة عدو لا يهدأ ولا ينام لكسر شوكتنا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز