عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كُسُوفُ شَمْسِ الإمبَراطُوريَة الأَمْرِيكِيَة (6-6)

كُسُوفُ شَمْسِ الإمبَراطُوريَة الأَمْرِيكِيَة (6-6)

بقلم : د. شريف درويش اللبان

ذكرنا في المقالات السابقة أنه لم يكن اختراق الأمن القومي في أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، ولا الانهيار المالي الذي كاد يلحق بالإمبراطورية الأمريكية خلال الأزمة المالية في العام ٢٠٠٨، وسوء الإدارة الأمريكية للصراعات الكُبرى في العالم، ولا المواجهة مع الإرهاب في عهد أوباما؛ هي التي أدت إلى انزوائها وذبولها، بل إن انتخاب دونالد ترامب سوف يؤدي إلى مزيد من الأفول والتراجع لهذه الإمبراطورية من خلال الاندثار السريع والملحوظ في القيم الأمريكية «American Values»، وعلى رأسها الديمقراطية التي شهدت موتًا سريريًا غير مسبوق في الولايات المتحدة، سواء من أنصار ترامب أو ترامب نفسه، أو من أنصار هيلاري كلينتون، بل أدى إلى إنعاش الدعوة إلى انفصال إحدى الولايات المعارضة لفوز ترامب عن الولايات المتحدة وهي ولاية كاليفورنيا.



والتهديد المهم الذي يمثله فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة هو أن صعوده إلى الحكم بخطاب شعبوي أدى إلى إيقاظ النعرات العرقية والدينية والقومية، ليس في الولايات المتحدة وحدها بل على مستوى العالم.

إن هذا الخطاب سوف يؤدي إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وهو ما سوف يؤدي إلى انهيار العولمة وزيادة التوجه نحو القومية والشؤون الداخلية ودخول العالم في مرحلة غير مسبوقة من الاضطراب.

فقد أعطت نتائج الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي إشارة مهمّة إلى بدء تحوّل كبير في العالم، وفي الديمقراطيات الغربية خصوصًا، ما لبث فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية أن أكّده، وهو الصعود الملحوظ لليمين الشعبوي، الأمر الذي يطرح مخاطر عديدة على النظام الديمقراطي نفسه، وليس فقط على الحريات الليبرالية والمكاسب الاجتماعية الكبيرة التي حققها للمجتمعات الغربية.

وثمة دلائل عديدة تشير إلى أن هذه الموجة قد تكون مؤهلة لاكتساح أوروبا التي شهدت مؤخرًا استفتاء في إيطاليا حول إصلاحات دستورية تعارضها أحزاب المعارضة، وبينها حزب «الخمسة نجوم» الجديد الذي يركب موجة الشعبوية الأوروبية نفسها، وهناك أوضاع مشابهة في الانتخابات المقبلة في الدنمارك وهولندا وألمانيا.

يضاف إلى ذلك اختيار اليمين الفرنسي المحافظ لفرانسوا فيون، المرشح الأقرب لليمين المتطرف الذي خاض معركة طاحنة ضد المرشح الأقل تطرفًا، آلان جوبيه، وكانت إحدى الطرق المستخدمة ضده هي تحوير اسمه إلى «الله جوبيه» في تعريضٍ كاشف بتحالفه مع المسلمين الفرنسيين، واللافت أن فيون سيتواجه مع مرشحة أكثر تطرّفًا منه، هي جان ماري لوبان التي وعدت هي أيضا بإجراء استفتاء عام حول العضوية في الاتحاد الأوروبي.

وتستخدم هذه التيارات اليمينية الشعبوية المصاعب الاقتصادية التي تعانيها شعوبها والمناخ الذي خلقته موجة الهجرة الكبيرة من العالم العربي والإسلامي لتقديم حلول انتهازية سريعة تقوم على معاداة الآخرين، واستعادة القيم المحافظة، وهي سياسات سبق لها أن أدّت إلى حربين عالميتين وكوارث سياسية واجتماعية، لكن أغرب ما في هذه الظاهرة هي أنها تجد الآن تأييدًا من القطبين المتخاصمين السابقين، الولايات المتحدة وروسيا، تحت قيادتيْ ترامب وبوتين، وهو ما قد يجعلها أكثر خطورة بكثير، ليس على العرب والمسلمين فحسب، بل على العالم بأكمله، إن عام 2018 سيكون صعبًا وعصيبًا ومضطربًا.

إن العالم سيدخل مرحلة غير مسبوقة من الاضطراب قد تؤدي إلى إعادة رسم خريطة جديدة للقوى العالمية، قد يكون من نتاجها اختفاء الإمبراطورية الأمريكية إلى الأبد، وظهور إمبراطوريات جديدة.

إن عالم القطب الواحد يؤذن بالغروب، ليتم تشكيل خريطة جديدة لعالم متعدد الأقطاب.. دعونا ننتظر لنرى ذلك خلال العقد القادم.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز