عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
.. وما زالت القاهرة تؤلف
بقلم
محمد نجم

.. وما زالت القاهرة تؤلف

بقلم : محمد نجم

لا أعلم مدى صحة المقولة، التي كان يرددها الآباء المؤسسون لصناعة الكتاب في مصر، التي تقول، «إن القاهرة تؤلف.. والشام يطبع.. والعراق والمغرب يقرأ»!



فقد اكتشفت - بعد انتقالى الطوعى من عالم الصحافة إلى عالم الكتب - أن مصر ومنذ قديم الأزل، هي عاصمة الثقافة العربية، بكل مكوناتها من أدب وسينما ومسرح وغناء وفنون تشكيلية، والأهم.. أنها كانت وما زالت رائدة صناعة الكتاب في العالم العربي، تأليفا وطباعة ونشرًا.. وقراءة.

نعم.. لا خلاف أن الآباء المؤسسين لصناعة الكتب في مصر كانوا من «الشام»، حيث أسس شفيق مترى دار المعارف، وجورجى زيدان، دار الهلال، وآل تكلا، الأهرام، منذ أكثر من 125 عاما، ولكن هذا معناه بوضوح أنهم لم يجدوا «مكونات» هذه الصناعة وفرص نجاحها وازدهارها إلا في مصر، حيث كبار المؤلفين، وإمكانيات الطباعة، والفرص الجيدة للتوزيع، في مصر وكل الدول العربية.

وما أقوله ليس تحيزًا لمصر، ولكنها الحقائق التاريخية المعروفة للجميع، فمن كتب أول رواية عربية؟ أليس هو محمد حسين هيكل (زينب)، وما هو البلد الذي امتلك أول مطبعة؟

إنها مصر.. أثناء وبعد الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، وأين أقام المجددون الأوائل، جمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده وعبدالله النديم؟ كانوا في مصر، وماذا عن الجيل الثانى رفاعة الطهاوى، ثم محمد حسين هيكل، وطه حسين والعقاد وزكى نجيب محمود، ثم نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم.. وآخرون؟

أقول ذلك بمناسبة متابعتى اليومية ومنذ أكثر من ثلاث سنوات لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث الإقبال الكثيف من الأسر المصرية بكامل عددها لزيارة المعرض وشراء الكثير من الكتب المعروضة فيه.

ويكفي الإشارة هنا إلى أن عدد زوار معرض الكتاب في العام الماضى فاق الأربعة ملايين زائر في حوالى 12 يومًا، على الرغم من جو الشتاء بما يحمله من أمطار وزعابيب!

أما هذا العام، ومازلنا في بداية الأسبوع الثانى للمعرض فأتوقع أن يصل العدد إلى ما يزيد على الخمسة ملايين زائر، وأعتقد أيضا أنه سوف ينالنا «من الحب نصيب»، كما حدث العام الماضى، حيث سجل جناحنا بالمعرض أعلى نسبة مبيعات على مدى تاريخ اشتراك المؤسسة فيه.

وقد يكون حديثى عن دار المعارف «مجروحا» باعتبارى أحد أبنائها، ولكنها هي منارة الثقافة ومنذ تأسيسها في مصر والعالم العربي، ويكفي أنها أصدرت حتى الآن ما يزيد على 25 ألف عنوان في كل مجالات العلم والمعرفة، وكان شعارها ومازال «خد المعارف من دار المعارف».

وإذا كانت المؤسسة قد تعرضت في بعض السنوات القليلة الماضية - كحال معظم مؤسسات الدولة - إلى حالة من التراجع، فقد يسر لها الله أحد أبنائها المخلصين - بعد أن عاد إليها من إعارته لمؤسسة شقيقة - الخبير في صناعة الكتاب، من إعادتها إلى سابق عهدها الذي كان يُقال فيه «من لم ينشر في دارالمعارف.. فإنه لم يصبح مؤلفا بعد!».

وأعتقد أننا نشأنا جميعا على إصداراتها المتنوعة، خاصة سلسلتها الشهيرة «اقرأ» والتي أشرف عليها في بدايتها أساطين الأدب في مصر، طه حسين والعقاد وأحمد أمين وغيرهم، هذا بخلاف سلسلة «الزخائر»، وهو التراث العربي من الأدب والشعر، والتي أسندت المؤسسة لمحققين ثقات في إعادة تحقيقها والتقديم لها وشرح ما قد غمض منها على بعض القراء الجدد!

والغريب والمدهش في ذات الوقت أن هذه السلسلة مازالت الأكثر مبيعا بين كتب الدار في كل المعارض المحلية أو الدولية التي تشارك فيها.

هذا بخلاف السلاسل المميزة الأخرى مثل نوابغ الفكر العربي، ونوابغ الفكر الأجنبى، والكتب الدينية والأخرى الثقافية ومنها مؤلفات «الأستاذ» الذي لم يأخذ حقه إعلاميا.. أستاذنا د. شوقى ضيف، وكذلك مؤلفات د. أحمد شلبى، وروايات شاعر الرواية العربية محمد عبد الحليم عبد الله، هذا بخلاف عبقريات العقاد، والمؤلفات الكثيرة التي ضمت أفكار المجدد طه حسين.

نعم.. كنا ومازلنا في دار المعارف الأميز في مؤلفينا، والأجود في طباعتنا، والأكبر في شبكة التوزيع محليا وعربيا ودوليا، بسبب «الإخلاص» من أبناء دار المعارف من الأجيال المختلفة.

أما عن كتب الأطفال، فحدِّث ولا حرج، فمن منا لم يقرأ إصدارات «المكتبة الخضراء»، والتي صدرت منها حتى الآن ما يزيد على 80 عددًا، وكذلك سلسلة سندباد، وغيرها من السلاسل المتنوعة التي تخاطب الأطفال والناشئة من 6 سنوات وحتى سن النضج!

لقد كشف «عرس الثقافة المصرية» وأقصد به معرض القاهرة الدولي للكتاب عن حبى وحماسى لدارالمعارف، مؤسستى العريقة، وأنا فخور بذلك، وبكل العاملين فيها.

ومن حُسن الحظ أيضا، أن هناك مؤسسات ثقافية شقيقة بدأت في استعادة «الروح» التي افتقدتها في السنوات القليلة الماضية، ومنها هيئة الكتاب، ودارالكتب، وقصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومى للترجمة، وكذلك الأزهر الشريف، الذي نظم هذا العام جناحا مفتخرًا يضم العديد من الكتب لمن يبحث عن الثقافة الإسلامية المستنيرة، والوسطية، كما عودنا أزهرنا الشريف دائما.

فكل التحية لرواد المعرض، ومنظميه، والمشاركين فيه لتعود دار المعارف إلى مكانتها من العراقة والرقى، وتتحول إلى قبلة للباحثين عن الكتب، خاصة النوادر منها.

حفظ الله مصر.. وحفظ دار المعارف منارة الثقافة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز