عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الصبر

الصبر

بقلم : محسن عبدالستار

"أحيانًا الإنسان يحصر السعادة في شيء فيبتلى به".. إبراهيم وزكريا عليهما السلام كانا يريدان الولد، إبراهيم دعا ربه بأن يهب له الولد، فأعطاه إسماعيل، فأمره الله بذبحه، وزكريا دعا ربه بأن يهب له غلامًا، فأعطاه ولدًا وسماه "يحيى"، فكان من تكريم الله عز وجل له أن سماه ربه بهذا الاسم، وكان اسمًا جديدًا لم تعرفه البشرية من قبل.. فقتل أمام عينيه، وهنا يظهر الابتلاء الذي يتطلب المزيد من الصبر. وذكر الله لنا أيوب عليه السلام، وكيف تتابعت عليه الابتلاءات، فكان يرى أولاده يموتون الواحد تلو الآخر، ويرى أسرته جميعًا تموت بين يديه، حتى لم يبق من ماله ولا أهله إلا زوجته، ومع ذلك صبر.. فأنواع الابتلاء كثيرة، ولكن لابد من الصبر والرضا على قضاء الله.. فكلنا نريد رضا الله، ونريد جنته، وثمنها الصبر، ورغم ما فيه من مشقة فإنه يتبعه فرح وسرور، لأنه عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه فيرضى بما قسم الله له راجيًا منه المغفرة والرحمة. فالصبر ليس أمرًا هينًا أو سهلًا، فكلنا يتمنى أن يكون من الصابرين ويدعي أنه منهم بالفعل، لكن في أول اختبار له في الصبر، نجده ناسيًا لما كان يقوله.



إذًا الصبر منهج عملي، ليست كلمة تُقال فقط، فإن أردت أن تتمتع بمرتبة علمية عالية لابد من جهد وصبر، فالصبر يأتي بالممارسة والتدريج، كالعلم الذي يأتي بالتعلم، والإنسان لا يولد عالمًا، إنما يتعلم بالتدريج، شيئًا فشيئًا، فالذي لا يغضب سريعًا ويصبر وربما في قلبه من الغيظ والنار ما لا يطيقه الآخرون، لكنه يتصبر، جزاؤه عظيم، فالصبر هو القدرة على تحمل المصاعب دون الاستياء منها، ويمنح الشخص الإصرار والمثابرة، لمواصلة تحقيق هدفه، ويساعده على اتخاذ قرارات سليمة وقت الأزمات، ويمنحه القدرة على التسامح مع الآخرين.. فالصبر صبران، صبر على ما تحب وصبر على ما تكره، فهو دواء الدهر، لأنه من الإيمان، يقول الإمام الشافعي: اصبر على حلو الزمان ومره واعلم بأن الله بالغ أمره، الشخص الذي يصبر، إنسان قنوع، وثقته بالله كبيرة ويؤمن بأن كل شيء في هذه الدنيا مقدر ومكتوب، وأن ما كان له سيأتيه في الوقت المناسب، الذي كتبه الله له أو عليه، فلا يحزن ولا يشعر بأنه أقل من غيره، ويؤمن بأن كل ما يريد آتٍ بأمر الله.

كان هناك رجل عُرف عنه التقوى والصلاح، وكلما أصابته مصيبة كان يصبر ويقول دائمًا "خيرًا إن شاء الله"، وفي ليلة من الليالي جاء ذئب فأكل ديكًا له كان يربيه في مزرعته، فقال الرجل جملته المعتادة: "خيرًا إن شاء الله"، ثم ضُرب في هذه الليلة كذلك كلبه الذي كان يحرس منزله فمات على الفور، فقال الرجل من جديد: "خيرًا إن شاء الله"، ثم سمع حماره ينهق ويموت قدرًا، فقال الرجل: "خيرًا إن شاء الله".. فتضايق أهله كثيرًا، واتهموه بالبرود، وفي اليوم التالي نزل أناس أشرار وأغاروا على بلدته فقتلوا كل من بالمنطقة ولم ينج منها إلا هو وأهل منزله فقط، حيث استدل الذين اعتدوا على المنازل بصياح الديكة، ونباح الكلاب، ونهيق الحمير.. هكذا مات كل من كان يملكهم، وكانت كل الأشياء التي أصابته هو وأهله في الليلة السابقة خيرًا لهم وسببًا في نجاتهم من القتل، فسبحان المدبر الحكيم.

وختامًا.. نجد بعض الناس يعاني من أزمات في حياته، ومن ظلم وقع عليه، فيجب التغلب على هذه المحنة بالصبر وتحويلها إلى منحة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".. فالفلاح هنا اقترن بالصبر الذي هو أهم الوسائل التي تعيننا على هذه الحياة، لأنه عبادة يكافأ عليها من التزم وتحلى بها.. نتمنى من الله أن نكون منهم.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز