عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
بن سلمان.. وحرب الأزهر والكنيسة

بن سلمان.. وحرب الأزهر والكنيسة

بقلم : أيمن عبد المجيد

شيء ما يتغير، أثره بات واضحًا للعيان، الوقوف على أبعاده لاستيعابه يحتاج لأولي الألباب.



نقلة نوعية للمعركة ضد الإرهاب، من ميادين القتال في الصحاري والجبال، ومحاصرة الأوكار في المنشآت، إلى ميدان العقول، هناك داخل الجماجم، حيث الهدف الأول للإرهاب، فمنه يبدأ الاستقطاب.

العالم اليوم يشهد لقاء القمة، التي تجمع الزعيم عبد الفتاح السيسي، والإصلاحي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تلك القمة المنعقدة بالقاهرة ثلاثة أيام، تتويجًا لعمل مشترك، سيسجله التاريخ، تتجلى آثاره الآن، وتلك الزيارة التاريخية ثمارها ونتائجها تُفصح عن مقدماتها وما بعدها.

هناك في القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض مايو 2017، قدّم الزعيم عبد الفتاح السيسي، استراتيجية مصر الشاملة لمحاربة الإرهاب، تحدث يومها عن ضرورة المواجهة الرادعة للممولين والداعمين وموفري الحواضن والدعم اللوجستي والإخلاء والإمداد بإرهابيين جدد، تحدث عن المواجهة الفكرية وتحصين العقول في مواجهة استهداف الاستقطاب.

وفي المملكة كان القائد السعودي الشاب، يخطط لمستقبل وطنه، برؤية شاملة 2030 يتصدى للمطامع الإيرانية في اليمن بعاصفة الحزم، يخطط لحرب الجماجم، عبر مواجهة فكرية إصلاحية، أثبتت للعالم أن ولي العهد الذي بايعه السعوديون، قادم للسير بالمملكة العربية السعودية على طريق الحداثة.

فولي العهد، الذي يقاتل على الجبهة لحماية الأمن القومي السعودي، قاتل بالتزامن في ميدان الاقتصاد بخطط تستهدف تنويع مصادر الثروة، حتى لا تُجمد عند البترولية، فطرح رؤية استثمارية ومشروعات اقتصادية وسياحية عملاقة، ولم يتنظر كثيرًا حتى خاض معركة للتحقيق في شبهات الفساد المالي.

كل ذلك من الأهمية، لكن الأهم هو خوضه معركة تطوير الفكر، تجلى ذلك في قرار الملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين، بالسماح للنساء باستخراج رخص القيادة، لتحصل المرأة السعودية على حق افتقدته من قبل، ويلي ذلك السماح لها بحضور المباريات، ويتطور الأمر إلى عودة السينما والحفلات الغنائية، وما ذلك إلا خطوات- على ما يبدو- نحو استراتيجية تعزز الثقافة والتنوير والتحديث، وهي القوة الحقيقية التي تحصن عقول الشباب في مواجهة محاولات الاستقطاب من قبل المتطرفين.

وكنت شاهدًا على حفل ساهر متميز أقامته الهيئة العامة للرياضة السعودية بدعوة كريمة من رئيسها الأمير تركي آل الشيخ، للاحتفاء بوصول المنتخب السعودي لكأس العالم، وهو الحفل الذي أقيم تحت رعاية الملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو ما يعكس الاهتمام بالشباب، ليس ثقافيًا وفكريًا فقط بل ورياضيًا أيضًا، لبناء جيل قوي وواعٍ.

حكمة الملك سلمان بتاريخه، وقوة الأمير الشاب بما يملكه من رؤية ورغبة في تحديث المملكة فكريًا واقتصاديًا؛ مؤشرات غاية في الأهمية، على دور فاعل لمملكة تسهم به في المرحلة المقبلة في مواجهة التحديات التي تخوضها منطقة الشرق الأوسط، لتنضم لمصر القوية التي استطاعت أن تعبر طوفان تفكيك دولة المنطقة بسلام.

فنجاة مصر بحكمة قيادتها، ويقظة مؤسساتها، ووعي شعبها، حوّلها من هدف ثمين للإرهابيين ومن يحركهم من قوى إقليمية ودولية، إلى ظهير قوي ودرع واقية للأمة العربية وأمنها القومي، وداعم رئيس للدول التي شهدت تصدعات وانهيارات بمؤسساتها، في مساعي استعادة بنيتها المؤسسية والعسكرية.

مصر هي العمود الفقري للأمة العربية، والمملكة العربية جناح قوي، صلابة العمود الفقري، الذي استعصى على المتآمرين كسره، حمت الأمة العربية من الانهيار، ولعل موقف الملك عبد الله خادم الحرمين الشريفين السابق- رحمه الله- المساند لمصر بقوة، عبر بيانه الحاسم الداعم لخيار الشعب المصري الثائر في 30 يونيو؛ يؤكد ذلك، ثم تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من محفل أن مصر درع للأمن القومي العربي، تأكيد إضافي على وحدة المستقبل والمصير.

وبجناحي الأمة العربية مصر والمملكة العربية السعودية والمخلصين بالخليج العربي، تستطيع الأمة تحقيق الكثير من الإنجازات في معركة المصير والبقاء.

فالزعيم السيسي، والإصلاحي بن سلمان، يتفقان في مشتركات، أهمها القدرة على المواجهة بحزم في القضايا المصيرية، وليس أهم في تلك المرحلة الخطيرة من عمر الأوطان من القدرة على اتخاذ القرارات الحازمة، فالسيسي قرر منذ اللحظة الأولى حسم القرار بالانحياز لإرادة الشعب في 30 يونيو ومحاربة الإرهاب بكل قوة، وبن سلمان قرر محاربة الفكر المتشدد بالمملكة والانفتاح على ثقافة العصر للحاق بركب التنوير والإبداع.

الزعيم السيسي، يسير على خطى ثابتة واثقة في قطاعات التنمية والتعمير والنهوض الاقتصادي، متزامنة مع حربه على الإرهاب، والإصلاحي بن سلمان بدأ برؤية اقتصادية تنموية 2030 لبناء قوة اقتصادية ومشروعات تحقق أعلى مستويات الرفاهية للشعب السعودي.

الزعيم والإصلاحي يدركان أن التفاهمات السياسية والتاريخ ووحدة المصير، يتطلبان تعاونًا اقتصاديًا يرقى لقوة العلاقات السياسية والتاريخية، وهو ما شهدته الزيارة التاريخية لمحمد بن سلمان لمصر، فقد توافق القائدان على تأسيس صندوق استثماري مصري- سعودي تموله الدولتان بـ16 مليار دولار، لإنشاء مشروعات اقتصادية مشتركة، بينها مشروعات تربط حدود البلدين.

فيما ستدخل مشروعات وُقّعَت من قبل حيز التنفيذ، في مقدمتها جسر الملك سلمان، الذي سيمثل شريان حياة بريًا يربط بين الدولتين، كحبل سري ينعش الحياة الاقتصادية.

كانت زيارة الملك سلمان للقاهرة تاريخية، تلك التي زار خلالها الأزهر الشريف والكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وفعلها أيضًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، زار الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وزار البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ولتلك الزيارة وما صرح به الأمير رمزية كبيرة، فهناك في الأزهر والكنيسة أطلقت الرسائل التنويرية، الداعمة للتعايش، المعبرة عن صحيح الدين، ولا شك هي قذائف في الحرب الفكرية تستهدف تحطيم حصون المتشددين، ومن والاهم.

فمن قبل كان بعض السلفيين المتشددين يحرمون تهنئة الأقباط بأعيادهم، فها هو الأمير ولي العهد- ومن قبله خادم الحرمين الشريفين- يصفع أفكارهم، فالأمير محمد بن سلمان قدم نموذجًا للقائد المستنير الذي يقدم القدوة، فقد قال للبابا تواضرس: "القرآن قال: لكم دينكم ولي دين، وكانت زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم مسيحية، وسيدنا عمر بن الخطاب صلى بجانب الكنيسة حتى لا تتحول إلى مسجد، وكل هذه شواهد تاريخية للتعايش والتراحم والتآزر"، مقدمًا التعازي في ضحايا الإرهاب، مشيدًا بدور الكنيسة المصرية في قيادتها مسيحيي العالم، ووجه الدعوة للبابا تواضروس لزيارة المملكة العربية السعودية.

وقبل الكاتدرائية زار الأزهر الشريف، رمز الوسطية، والمعبر عن صحيح الدين، ثم كان حضور حفل مسرحي بالأوبرا المصرية، فهي رسائل "الوسطية والسماحة والفن والتنوير"، لا شك أن أضلع هذا المربع هي الأسلحة الأقوى لمحاربة التطرف.

السعودية تتغير بعقلية القيادة الجديدة، تسير نحو الحداثة والتطوير والتنوير، لتلتقي مع مصر الحضارة في مرحلة الوطن العربي أحوج ما يكون فيها لتعاون جناحي الأمة للعبور ليس بالبلدين فقط لبر الأمان بل العرب جميعًا.

 
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز