عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
على أمين ومقالات المنفى

على أمين ومقالات المنفى

بقلم : رشاد كامل

عاش الكاتب الكبير الأستاذ «على أمين» متنقلا بين لندن وبيروت لمدة تسع سنوات فى أعقاب القبض على شقيقه الأستاذ «مصطفى أمين»، وطوال هذه الفترة لم تنقطع رسائله إلى شقيقه التوأم «مصطفى أمين»!!

كان يكتب له خطابات مليئة بالأخبار والقصص والأسرار وقراءاته والناس الذين يقابلهم، وتحليلاته السياسية ومشاهداته التليفزيونية، بل التعليقات الكروية أيضا!
وبعد سنوات الغربة عاد «على أمين» إلى مصر بعد أن قرر الرئيس السادات الإفراج الصحى عن الأستاذ «مصطفى أمين»، وكان أول ما فعله «على أمين» هو محاولة استرداد هذه الرسائل، وكان «السادات» قد أصدر قراره بتعيين «على أمين» مديرا لتحرير الأهرام.
فى الوقت نفسه الذى خرج فيه الأستاذ «محمد حسنين هيكل» من قلعة الأهرام، وتلك قصة أخرى!
وأعود إلى قصة الرسائل التى صدرت بعد وفاة «على  أمين»  عام 6791 فى كتاب عنوانه: «من على أمين إلى مصطفى أمين» بمقدمة مهمة للأستاذ «مصطفى أمين» أسماها «الخطابات المسجونة» جاء فيها قوله: كان «على أمين» يكتب لى خطابات من الخارج بانتظام، كانت هذه الخطابات هى النافذة التى أطل منها فى زنزانتى على العالم، وحينا  كانوا يفتحون هذه النافذة، وأحيانا يغلقونها فينقطع النور ويعم الظلام، ويتوقف دخول الهواء فأحس بالاختناق!
قبل أن أدخل السجن كنت ألتقى بأخى التوأم «على أمين» عدة مرات، فى الصباح والظهر والعصر والمساء والليل، وعندما سجنت انقطع هذا الحوار الدائم، وكان أخى يكتب لى بانتظام مرة كل أسبوع، وكان الخطاب يصل من لندن إلى ليمان طرة فى ثلاثة أيام، وكانت التعليمات غريبة، خطاب أخى لا يسلم إلىّ عند وصوله، يتسلمه ضابط العنبر، ويسلمه إلى مدير الليمان الذى يرسله مع مخصوص إلى مصلحة السجون الذى يرسله إلى مدير المباحث العامة الذى يطبع منه 71 نسخة، نسخة إلى رئيس الجمهورية، ونسخة إلى رئيس الوزراء، ونسخة إلى السيد «على صبرى»، ونسخة إلى وزير الداخلية، ونسخة إلى الدكتور «عبدالقادر حاتم» وزير الإعلام.. ويستغرق هذا العرض أحيانا حوالى عشرين يوما، وبعد أن يطلعوا جميعا على خطاب «على أمين» يرسلونه لى، ويسلمه لى الضابط فى زنزانتى ويشترط ألا يبقى الخطاب معى أكثر من 42 ساعة ثم يستردون الخطاب ويرسلونه إلى مدير مصلحة السجون ليحفظ فيها من جديد!
وكان عذابا ألا أعرف أخبار أخى التوأم إلا بعد هذا الوقت الطويل والأخبار السريعة كالخبز الصابح، ساخنة لذيذة، والأخبار القديمة كالخبز البايت جامد يكسر الأسنان! وعبثا احتججت على تأخير الخطابات، لا حيلة لى أن يطلع على خطابات أخى الخاصة كل هؤلاء، ولكن الأمر الذى كان يشقينى أن يعرف كل هؤلاء أخبار أخى قبل أن أعرفها!
وضقت بهذا الاستبداد واتفق تلاميذى مع بعض موظفى البريد من قراء «أخبار اليوم» أن يخفوا خطاب «على أمين» عند وصوله ويهربوه لى فى السجن، ثم أمر المظروف فوق شمعة مضيئة وأفتح المظروف وأضع فيه خطابا قديما وأعيد لهم المظروف مغلقا ويرسلونه بالطريق العادى إلى السجن، وهكذا أصبحت أعرف أخبار «على أمين» واستمر العمل على هذا المنوال عدة سنوات!
وعندما عاد «على أمين»  من المنفى فى يناير 4791 طلب من السيد «ممدوح سالم» وزير الداخلية فى ذلك الحين أن يرد إلىَّ الخطابات التى استولت عليها الوزارة! وحدد لنا «ممدوح سالم» اليوم التالى وقابلناه فى وزارة الداخلية وسلمنى هذه الخطابات، وعدت أقرأها من جديد، وأحسست أنها ليست من حقى وحدى ولا هى من حق رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الإعلام ووزير الخارجية، إنها من حق الناس جميعا، وقد كان «على أمين» يحب الناس جميعا، وعندما كان يكتب لى كان يكتب للناس جميعا!» انتهت مقدمة «مصطفى أمين»!
إن هذه الخطابات أشبه بمجلة تطبع من نسخة واحدة لقارئ واحد فقط، لكن سطورها تحكى وتروى أخبارًا وقصصًا بأسماء أبطالها.
وللحكاية بقية.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز