عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
السلوك الاقتصادي
بقلم
محمد نجم

السلوك الاقتصادي

بقلم : محمد نجم

في بريطانيا.. بدأوا في وضع علامات جديدة لتحذير قائدي السيارات من تجاوز السرعة المسموح بها على الطرق السريعة وهذه العلامات عبارة عن وجه إنسان «إيموشن» فإذا تجاوز قائد السيارة السرعة المقررة يظهر له هذا الإيموشن الوجه الغاضب، أما إذا التزم السائق بالسرعة المقررة فيظهر الإيموشن وجهه المبتسم.



والهدف من ذلك أن يحصل المواطن على رد فعل فوري على سلوكه، من خلال توجيه رسائل فورية ومحددة للمواطنين تدفعهم للسلوك الصحيح والبعد عن التصرفات الخاطئة.

أي التوعية والتحذير بدلا من العقاب من خلال المخالفات المرورية التي يستوجبها القانون.

هذا الأسلوب تم تطبيقه أيضا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية لكن على فواتير الكهرباء لبعض المناطق ذات الاستهلاك المرتفع، حيث وضعوا معدلات استهلاك محددة، ومن يتجاوزها ترسل له الفاتورة مطبوعًا عليها الوجه الغاضب.. وقد بدأت التجربة على حوالي 290 منزلا.. وكان لها تأثير جيد حتى الآن.

وفي مدينة كيب تاون عاصمة جنوب إفريقيا والتي تعاني حاليا من نقص المياه بسبب انخفاض الأمطار، تم اللجوء لذات الأسلوب لتحسين سلوك المواطنين في استهلاك المياه، بعد أن قررت المدينة توفير 4 لترات من المياه لكل منزل.

ونحن في مصر.. بدأنا تجربة جديدة أيضا ولكن بـ«التاتش» المصري.. ففي إحدى قرى الفيوم الفقيرة.. يرفض المواطنون فيها التعامل مع البنوك أو لا يعرفون الطريق إليها.. والأشد فقرا منهم يرفضون قبول الصدقات، فاقترحت عليهم وزارة التنمية المحلية نظامًا جديدًا لتمويل مشروعاتهم الصغيرة تحت مسمى «الاتحاد الانتمائي» وهو نظام يشبه نظام «الجمعية» التي يشارك فيها الموظفون أو ربات البيوت في الأحياء الشعبية لمواجهة الضروريات الطارئة لكن الجمعية في تلك القرية يشارك فيها جميع السكان، حيث يدفعون مبالغ مالية بشكل دوري، وكل من يحتاج يأخذ من هذه الأموال في صورة قرض حسن.. ثم يقوم برده خلال فترة زمنية معينة.

هذه التجربة بدأت في الفترة من 2014 وحتى 2016 في ظل قيادة اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية الأسبق الذي أطلق مبادرة «مشروعك» تحت شعار شغلك جنب بيتك، والذي حصل البعض من خلاله على تمويلات ميسرة من البنوك، بإجمالي قروض 5 مليارات جنيه استفاد منها 86 ألفًا و472 مشروعًا صغيرًا حتى الآن.

هذا التوجه الجديد يطلق عليه المتخصصون «الاقتصاد السلوكي» وهو ما وضعته عنوانا للمقال بمسمى «السلوك الاقتصادي» وقد شرح د. محمد الكومي، أستاذ الاقتصاد المساعد بالجامعة الأمريكية تفاصيله في ندوة خاصة عقدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية وحضرها الوزير د. أبو بكر الجندي، ومحافظ الجيزة اللواء كمال الدالي، والمهندس أحمد السجيني رئيس لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، وأدارتها د. عبلة عبد اللطيف مديرة المركز والتي كشفت أن الاقتصاد السلوكي يعد من التوجهات الجديدة في العالم، وهو مزيج من علم الاقتصاد وعلم النفس، حيث يدرس العوامل النفسية التي تؤدي إلى اتخاذ الشخص قراراته.

وقد اتضح أن هناك تطبيقات عديدة استخدمتها البنوك من خلال بعض البرامج التنموية التي تخاطب الفرد بناء على احتياجاته وثقافته المجتمعية.. وبعض الاعتبارات النفسية المؤثرة في سلوكه.

والطريف في الموضوع أن الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد العام الماضي، هو الاقتصادي الأمريكي ريتشارد ثالر عن إسهاماته في علم الاقتصاد السلوكي والذي أصبح يحظى باهتمام دولي كبير.

فقد أخبرنا د. الكومي- في الندوة- أن العديد من الدول أنشأت إدارات ومراكز متخصصة للاقتصاد السلوكي، منها أمريكا وبريطانيا وأستراليا ويجرى حاليا إنشاء إدارات مماثلة في كل من لبنان والهند وجميع الدول الخليجية.

والفكرة بسيطة جدا.. حيث يجب مراعاة التباين بين اختلاف الثقافات والعادات بين المواطنين وطبقا لأماكن إقامتهم أو الظروف البيئية المحيطة بهم، وقد أجرى الباحثون في المركز دراسة ميدانية على كيفية استفادة مبادرة «مشروعك» من هذا التطبيق الجديد.. الاقتصاد السلوكي، واتضح لهم أن المبادرة نجحت بشكل أفضل في محافظات الشرقية وقنا ودمياط، وأن النشاط التجاري استحوذ على 74% من إجمالي القروض الممنوحة، وأن المرأة حصلت على 31% من القروض فيما حصل الشباب على 18% فقط وكشفت الدراسة أيضا عن الضعف الشديد للتمويل المقدم للأنشطة الإنتاجية خاصة المشروعات الزراعية ولذلك.. يقول الباحثون يجب تغيير نمط التمويل مع مرحلة المشروع ونوعه ومكانه، وأن يقدم المشروع خدمات أخرى مثل المتعلقة بإجراءات التأسيس والدعم الفني، والتسويق وأن يراعي الإمكانات الاقتصادية لكل محافظة يتم استهدافها.

بالطبع سارع وزير التنمية المحلية بالتقاط الخيط وطلب مساعدة المركز في إعادة توجهات المشروع، كما أشار إلى إمكانية استخدام هذا التوجه الجديد للسلوك الاقتصادي في حل بعض المشاكل المزمنة التي يعاني منها المجتمع، ومنها الزيادة السكانية، ومشكلة القمامة، وذلك من خلال النهج التي اتبعته بعض الدول لتغير سلوك المواطنين بها، وقد أعجبني النائب أحمد السجيني عندما طالب بضرورة تحديد المسؤوليات في تطبيق الاقتصاد السلوكي لضمان نجاح التجربة، وحتى لا ينتهي لعدم الاستكمال كما حدث لبعض المبادرات السابقة.

والخلاصة أن التنمية الآن- وكما يحدث في بعض الدول المتقدمة- تتم من أسفل وليس من أعلى كما كان يحدث من قبل، أي من خلال المحليات في المحافظات، بتشجيع المواطنين على إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بعد توفير البيئة الملائمة لذلك وتبسيط الإجراءات وإتاحة التمويل المطلوب والميسر، مع مراعاة خصائص المحافظة إذا كانت زراعية، أو صناعية، أو يمكن أن تعتمد على نشاط صيد الأسماك.. أو أي أنشطة أخرى تعد إضافة إلى الاقتصاد القومي ويتمكن من خلالها المواطنون من تحسين أحوال معيشتهم.

وأرجو ألا يكون نفسنا قصيرًا.. كما حدث من قبل في حملات الحد من الزيادة السكانية، أو مواجهة البلهارسيا.. أو غيرها.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز