عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صندوق أم الدنيا

صندوق أم الدنيا

بقلم : د. شريف درويش اللبان

لأيام الانتخابات وصندوق الانتخابات في مصر طعم تاني لا تجده في أي مكان في العالم؛ فقد ذهبت ظهر أول يوم في الانتخابات الرئاسية لكي اُدلي بصوتي لأول مرة خارج مدينتي بمحافظة القليوبية في إحدى المدارس في قرية تابعة للمدينة، ورغم بعد المدرسة عن محل سكني، ورغم بعدها عن الطريق الرئيس إلا أنني أصررت وعديدا ممن صادفتهم من أهل مدينتي الذين اتخذوا القرار نفسه على تجشم عناء الانتقال إلى خارج المدينة والمشي مسافة طويلة للوصول إلى اللجنة الانتخابية.. لقد شعرنا جميعًا بحق الوطن علينا، فذهب كل مَن تم نقله إلى لجنة انتخابية بعيدة عن محل سكنه لكي يشارك في هذه الانتخابات الفارقة في عمر الوطن.



وأمام اللجنة الانتخابية وفي طريقي إليها رصدت بعض المظاهر التي لا تخطؤها العين، ففي كل مكان تجد الأغاني الوطنية حاضرة بقوة، سواء من المقاهي أو الكافيهات في كل مكان، كما أن هناك من تطوع بتأجير "دي جيه" ويضعه على قارعة الطريق لكي يتغنى بحب مصر ذلك الحب الذي يدب في أوصال المصريين، ولكي يحث الناخبين على الإدلاء بأصواتهم تعبيرًا عن هذا الحب.

وقد رأيت بأم عيني سرادقات نصبها مواطنين عاديين ليس لهم أي أغراض سياسية من ورائها، وفي هذه السرادقات تجد أصحاب السرادق يستقبلون المواطنين العاديين من أهلهم وجيرانهم لكي يسمعوا الأغاني الوطنية، ويتبادلوا أطراف الحديث حول ما أصابته مصر من إنجازات في السنوات الماضية خلال تناول الشاي والمشروبات الغازية والعصائر، لكي ينتهي الحديث مع كل مجموعة بالذهاب إلى اللجان الانتخابية للإدلاء بأصواتهم في مشهد جماعي مبهج وكأنهم يخوضون موقعةً حربية تتطلب التخطيط والاصطفاف والهجوم لكي يتم إنجاز المهمة بنجاح أمام صناديق الاقتراع.

وفي شوارع المدينة والقرى التابعة لها وأنا أمرق بالسيارة الميكروباص أنظر إلى وجه الناس وحالة الشارع المصري في أول يوم الانتخابات شعرت بأنني وسط أجواء غير عادية؛ حيث لكل شيء طعمٌ آخر، تجد الفرحة تعلو وجوه الناس، كل أب وكل أم يصطحب معه أولاده وبناته الصغار كأنهم يتوجهون لقضاء يوم عيد في الملاهي أو الحدائق العامة أو السينما، لكن الهدف في هذا اليوم كان ذهاب هذه الأسر بكامل أفرادها إلى اللجان الانتخابية للمشاركة في العرس الديمقراطي، وداخل اللجان تجد الأطفال يتعلمون من ذويهم معنى الديمقراطية وكيف يتم الاختيار من بين أكثر من مرشح والأسباب الكامنة وراء اختيار المرشح، وقد حرص بعض الأطفال أن يغمسوا أصابعهم في الحبر الفسفوري تقليدًا لآبائهم وأمهاتهم، لكي يقولوا لأصدقائهم أنهم شاركوا في الانتخابات.

وإذا كان الأطفال الصغار قد أضفوا البهجة والمرح على هذه المناسبة الانتخابية فإن آباءنا وأمهاتنا وجدودنا وجداتنا شاركوا بقوة في هذه الانتخابات وكنا نقدمهم علينا عند الإدلاء بأصواتنا. إن السن يجلب الحكمة، وهؤلاء الكبار في القيمة والقامة هم قدوتنا في مجتمعنا المصري، هم الترمومتر الذي يمكن أن تقيس عليه مصلحة هذا البلد لأنهم مروا بكثير من الأحداث الجسام على مر تاريخ هذا الوطن، هم الذين يعلمون معنى الاستقرار في هذا البلد الذي عانى الكثير تحت حكمٍ غابر في سنةٍ صعبة مرت على هذا الوطن، وكادت أن تودي به إلى موارد الهلاك.

وقد كانت العملية الانتخابية رغم الطوابير أمام اللجان تتم في سهولة ويسر، فالناخبون الشباب والأصغر سنًا يحترمون الأكبر سنًا ويقدمونهم عليهم، والبسمة تعلو الوجوه، والأحاديث الودية يتم تبادلها بين أُناسٍ لم يقابلوا بعضهم البعض إلا في هذه اللحظة، وتشعر أنهم أقارب أو أشقاء أو أصدقاء على أقل تقدير، والقضاة ومعاونوهم يقومون بأداء واجبهم بمنتهى الفخر، وفي محيط اللجان تجد صورًا مشرفة ومشرقة لأبناء قواتنا المسلحة والشرطة يؤدون واجبهم في تأمين اللجان واستقبال الناخبين، ومساعدة كبار السن منهم حتى يدلوا بأصواتهم.

وعندما عدت إلى منزلي تابعت شبكات التواصل الاجتماعي لأرى مدى الفرحة في يوم العرس الديمقراطي من خلال الرقص أمام اللجان للتعبير عن السعادة الخاصة بهذا الحدث، وهي ظاهرة شاهدناها في الانتخابات الرئاسية الماضية أيضا، وهو مشهد يحرق أعصاب أهل الشر الذين دعوا لمقاطعة الانتخابات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ومن خلال وسائلهم الإعلامية التي تبث سمومها ليل نهار وحاولوا إرهاب المصريين قبل الانتخابات بعملية إرهابية فاشلة في الإسكندرية، فكان رد المصريين قاطعًا ومجلجلًا بكل المقاييس، سواء من حيث نسبة المشاركة أو من حيث مظاهر الفرح وكأننا في أيام العيد.

لقد أصر المصريون جميعًا أطفالًا وشبابًا وكبارًا أن يغمسوا أصابعهم في الحبر الفسفوري لتصطبغ أصابعهم بلون الحُلم في مستقبل أفضل لهذا الوطن.. حقًا إن صندوق انتخابات مصر "أُم الدنيا" له طعمٌ مختلف لا تجده في أي بقعة في العالم.. حقًا تحيا مصر.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز