عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
نزار قبانى فى اعترافاته: من يحب وجها جميلا يحب العالم

نزار قبانى فى اعترافاته: من يحب وجها جميلا يحب العالم

بقلم : د. عزة بدر

«مع كل امرأة تعلمت كلمة من كتاب الحب»، ومع ذلك أرفض أن يضعونى فى زجاجة  الحب، ويختموها بالشمع الأحمر، فالذى يحب امرأة يحب وطنا، والذى يحب وجها جميلا يحب العالم». .. هكذا تحدث نزار قبانى فى اعترافاته التى سجلها فى كتابه «قصتى مع الشعر» لتفتح أمامنا أبواب عالمه الإبداعى والعاطفى، فلم يحتفظ لنفسه بغرفة مغلقة، ولا بمفتاح سري! مما يجعل هذه المذكرات  فلذة من صدق، ومتعة أدبية خالصة لما حفلت به من تصوير حياة الشاعر، ونشأته الأولى، أحزانه وأفراحه، وما جُُبل عليه من رقة الطبع وعنفوان المشاعر.



من لحم الحياة

 ويصف نزار كتابة المذكرات بأنها نوع من أنواع  غريزة حفظ البقاء، ومحاولة لإطالة  العمر ولو على الورق!  فيقول : كلما اشتبك  الإنسان بتفاصيل الحياة اليومية كلما شعر بالحاجة إلى تسجيل ما حدث معه، فالإنسان ذو ولع غريب بكتابة يومياته، وله فى ذلك  لذتان، لذة  فى أن يعيش التجربة، ولذة فى أن يكتب عنها، ويمنحها شكلا، وبذلك يكون قد غاص فى لحم الحياة.. صـ 224

قلب عصفور

 والشاعر الذى كان يزهو فى قصيدته «الرسم بالكلمات» قائلا: «لم تبق زاوية بجسم جميلة/ إلا ومرت فوقها عرباتى»! يكشف  عن جانب آخر يختبئ وراء سطوة هذه الأشعار، هذا الألم الخفى الممض الذى ينبئ  عن رقة طبعه، وعنفوان  مشاعره فيقول :  بعض شعرى يقدمنى للناس بملامح «شهريار»، أنا لا أحترف قتل الجميلات وإنما أحترف عبادتهن! والشاعر الذى يحمل قلب عصفور يعترف فى مذكراته فيقول : «إن الرجل عادة يتحدث عن انتصاراته فى الحب، ويسكت عن هزائمه، إن غروره لا يسمح له أن يقول : سحقتنى امرأة، أو باعتنى امرأة، والواقع أن أكثر من امرأة سحقتني، وأكثر من واحدة باعتنى أو  استعملتنى جسرا للشهرة أو حبستنى كعصفور فى قفص لأغنى جمالها وأرضى نرجسيتها أو استعملتنى كساعى بريد أحمل لها رسائل الحب فى الصباح والمساء، ومع كل هذا ظل شهريار صامتا».

دفاع عن شهريار!

 ويعترف نزار بأنه كان يبحث مثل شهريار عن امرأة تحبه لذاته لا لكونه شاعرا معروفا تحيط به الخرافات والأساطير من كل جانب ثم يقول بيته الشعرى فى صراحة مؤلمة تعبر عن معاناته : «أحببتنى شاعرا طارت قصائده فحاولى مرة أن تفهمى الرجلا» صـ 169

ثم يدافع عن شهريار فيقول: «إنه كان فنانا وإنسانا وكان وهذه هى النقطة المهمة فى شخصيته أحادى النظرة فى الحب، كان يبحث فى أعماقه عن امرأة واحدة تحبه لا لأنه ملك، ولا لأنه صاحب قوة وسلطان، ولكن لذاته».

كما يولد السكر فى التفاحة

 «أنا من أسرة تمتهن العشق، والحب يولد مع أطفال الأسرة كما يولد السُكّر فى التفاحة».. ويستطرد نزار: جدى كان هكذا، وأبى كان هكذا، وإخوتى كلهم يسقطون فى أول عينين كبيرتين يرونهما يسقطون بسهولة، ويخرجون من الماء بسهولة! كل أفراد الأسرة يحبون حتى الذبح، وفى تاريخ الأسرة حادثة استشهاد مثيرة سببها العشق.. الشهيدة هى أختى الكبرى وصال.. قتلت نفسها لأنها لم تستطع أن تتزوج حبيبها، هل كان موت أختى فى سبيل الحب أحد العوامل التى جعلتنى أتوفر لشعر الحب بكل طاقاتى وأهبه أجمل كلماتى ؟، هل كانت كتاباتى عن الحب تعويضا لما حرمت منه أختي، وانتقاما لها من مجتمع يرفض الحب، ويطارده بالفئوس و البنادق ؟»

لكنه لا يؤكد هذا العامل النفسى أو ينفيه ولكنه يؤكد أن مصرع أخته العاشقة كسر شيئا فى داخله، وترك على سطح بحيرة طفولته أكثر من دائرة  وأكثر من إشارة استفهام.. ويأتى وصفه الموجع لفقد أخته حزينا بليغا مرهفا فيقول: «حين مشيت فى جنازة أختى وأنا فى الخامسة عشرة كان الحب يمشى إلى جانبى فى الجنازة، ويشد على ذراعى ويبكي، وحين زرعوا أختى فى التراب وعدنا فى اليوم التالى لنزورها لم نجد القبر وإنما وجدنا فى مكانه وردة.

غاضب كبير وعاشق كبير

وعلى الرغم من شهرة نزار كشاعر حب فقد تمرد على حصاره فى إطار الشعر العاطفى فيقول: « الناس يعرفوننى عاشقا كبيرا، ولا يريدون أن يعرفونى  غاضبا كبيرا، يعرفون وجه العملة الأمامي، ولا يهتمون بوجهها الخلفى، فالشاعر حالة وليس شجرة ولا وتد خيمة، والحالة تنتقل فى كل ثانية إلى حالة أخري، والشاعر كموج البحر فى انقلاب مستمر على نفسه».

وقد اعترف نزار فى مذكراته بأن قصيدته «نهداك» فى ديوان «قالت لى السمراء» كانت سبب شهرته فى وقت كان التحفظ سمة من سمات المجتمع، لدرجة أنه حكى فى مذكراته «لقد تم تغيير عنوان مقالة تتحدث عن ديوانى «طفولة نهد» فى مجلة الرسالة لصاحبها أحمد حسن الزيات إلى «طفولة نهر» إرضاء للقراء الذين تخيفهم مثل هذه الكلمات.

وفى الحب كما فى السياسة، عانى نزار بعد أن نشر له سهيل إدريس على صفحات مجلة «الآداب» البيروتية قصيدة «هوامش على دفتر النكسة»، وصودرت أعداد المجلة، إلا أن القصيدة انتشرت انتشارا واسعا، وتكشف أزمة منع هذه القصيدة عن رؤية نزار لعلاقة الفن والثورة ويضمن مذكراته الخطاب الذى أرسله للرئيس عبدالناصر – ويمثل هذا الخطاب شهادة مثقف على عصر عبدالناصر إذ يقول نزار: «لقد وقف الرئيس عبدالناصر إلى جانبى يوم كانت الدنيا ترعد وتمطر عليّ بسبب هذه القصيدة، وكسر الحصار الرسمى الذى كان يحاول أن يعزلنى عن مصر بتحريض وإيحاء  من بعض الزملاء الذين كانوا غير سعداء لاتساع قاعدتى الشعبية فى مصر، فاستعدوا  السلطة عليّ وأرادوا منع إذاعة قصائدى المغناة من إذاعات القاهرة، واقترح بعضهم منعى من دخول مصر، فبعثت رسالتى إلى عبدالناصر ومعها القصيدة، فلم ير أى وجه من وجوه الاعتراض عليها، وألغى كل التدابير التى قد تكون اتخذت بحقى أو بحق مؤلفاتي، وطلب عبدالناصر من وزارة الإعلام  السماح بتداول القصيدة وأن يدخل نزار قبانى إلى مصر متى أراد، ويكرم فيها كما كان دائما.

انتصر عبدالناصر للشاعر  الذى أحب أمته وأراد أن يطهر جراحها بالكحول لا أن يعالجها بالأدعية، والحجابات، والضراعات ويقول نزار: «لقد كسر الرئيس عبدالناصر بموقفه الكبير جدار الخوف القائم بين الفن وبين السلطة، بين الإبداع وبين الثورة» ص 287

حال المرأة لم أخترعه من عندي!

ويمضى نزار فى مذكراته مبرئا ساحته، ومنزها أبيات شعره عن تصوير المرأة كدمية أو كأنها مجرد متعة فيقول:   «ليت الذين يتهموننى باستعباد المرأة وإذلالها واستعمالها كدمية يعرفون أننى نقلت الواقع العربى فى تعامله مع المرأة ولم أخترعه من عندي!، وإذا كان فى شعرى نماذج لرجال يمتلكون المرأة كأنها عمارة أو سجادة أو كيس طحين  ولنساء يقبلن أن يدخلن فى مثل هذه الصفقة  البشعة فلأن هذه النماذج تصادفك فى أكثر  من مدينة عربية» صـ 230

والسؤال المهم الذى لم يجب عليه نزار.. هل  من شأن الشعر أن يقوم بهذا النقل الفوتوغرافى  لحال المرأة العربية وطرق معاملتها ؟

وهل هذه النسخ الكربون التى تمثل فيها عاشقا عربيا مستبدا يقول لحبيبته : «لا سلطة فى الحب تعلو سلطتى / فالرأى رأيى والخيار خيارى / هذه أحاسيسى فلا تتدخلى / أرجوك بين البحر والبحار / ظلى على أرض الحياد فإننى / سأزيد إصرارا على إصرار / ماذا أخاف أنا الشرائع كلها! / وأنا المحيط وأنت من أنهارى / وأنا النساء جعلتهن خواتما / بأصابعي.. وكواكبا بمدارى»! .. لا أحد يفرض على الشاعر كيف يكتب قصيدته، ولا أحد يملى عليه أفكاره، لكن هذا النقل الفوتوغرافى لحال عاشق عربي، وأنوثة عربية منكسرة، مستسلمة كخاتم فى أصبع تتناقض مع رؤية الشاعر نفسه للشعر، إذ يقول فى مذكراته: «أنت تحاول أن تغير بالكلمات ملامح عصرك، وإيقاع أيام مواطنيك وجغرافية النفس البشرية إذن فأنت متهم!

فهل حاول نزار أن يغير بشعره قسوة عاشق أو جغرافية نفس رجل شرقى فى تعامله مع حبيبته وهو القائل فى قصيدته «التفكير بالأصابع» :

«ماذا يهمك من أنا ؟ / مادمت أحرث كالحصان على السرير الواسع / مادمت أزرع تحت جلدك ألف طفل رائع / مادمت أسكب فى خليجك رغوتى وزوابعى / ما شأن أفكارى دعيها جانبا / إنى أفكر عادة بأصابعى»!

من ديوانه «الرسم بالكلمات»

وهل ينسجم هذا مع قوله «الشعر ذو طبيعة انقلابية، والشرف الفنى للقصيدة هو موقف إبداعى ينتقد التاريخ، ويصححه، ويغير مجراه، الشرف العام والشرف الفنى يسيران فى خطين متقطاعين لا متوازيين»

من كتابه : «قصتى مع الشعر»  صـ234

معاملة النساء! !

لكن نزار كان ابن هذه الازدواجية فى التعامل مع المرأة، ازدواجية عاشق شرقى يُسر فى نفسه غير ما يعلن، ويقول كل الذى يقول ولايفعل، يُنظر  فى كتاباته لما لا يطبق فى أشعاره!  فتراه يقول : «الشاعر صوت، ومن أبسط خصائص الصوت أن يترك صوتا، ويصطدم بحاجز إنسانى، وبدون هذا الحاجز الإنسانى يصبح الكلام مستحيلا، واللغة خشخشة أوراق يابسة فى غابة لا يسكنها أحد» صـ 173

بما كان يصطدم نزار ؟، بأى حاجز إنسانى وهو يُملى شروط الفاتحين على حبيبته فى قصيدته :  «إيضاح إلى من يهمها الأمر»: «لن تغرقينى فى هواك بشبر ماء / فبداخلى مات المراهق  من زمان / وانتهى الرجل البدائى / أصبحت محترفا / وصرت الآن أبرع فى معاملة النساء / أملى شروط الفاتحين على ملايين الظباء / من كل نهد سوف أجبى جزية/ وإذا عفوت فمن مواقع كبريائى»!

 لعل  اعترافاته تلقى ضوءًا على هذا المجرى السرى المزدوج فى نفسه، وتدل على هذا الجيب المبطن بالشوك والذى يبدو مثل أكمام  وردة فهو يقول عن نفسه «كشهريار كانت الوفرة تصيبنى بالقرف والاشمئزاز، وكنت كلما ارتفع عدد النساء فى حياتى ازداد شعورا بغربتى وتوحدي، هذا الشعور بالذنب وصل فى ذروته فى  لندن «1952-1955» فكنت كلما ودعت  امرأة اسقط فى فراشى باكيا، وفى حلقى بحار من الملح والفجيعة»، وينهى كلماته قائلا : «هل تفهمون الآن كما هى عميقة جراحات شهريار ؟ صـ 171

 هل نشأته بين ماء ونار هى التى  جعلته على هذا النحو متطرفا فى الحب، قاسيا على حبيبته كالطغاة!، هل هو الجانب  الآخر من النار، ومحاولة إشعال الرماد بالإغراق فى جمعه من جديد، وتعبئته فى زجاجات القصائد، واختباره مرة بعد مرة كطائر عنقاء يريد أن يولد من جديد ؟! يقول نزار فى مذكراته : «بين تفكير أبى الثائر، وتفكير أمى السلفي، نشأت أنا على أرض من النار والماء، كانت أمى ماء.. وأبى نارا.. وكنت بطبيعة  تركيبى أفضل نار أبى على ماء أمى» صـ 79

 بل يعترف أن طفولته كانت مليئة بالأشياء الغريبة  فيقول : «مرة أشعلت النار فى ثيابى متعمدا لأعرف سر النار، ومرة رميت نفسى من فوق سطح المنزل لأكتشف الشعور بالسقوط! ، ومرة قصصت طربوش أبى الأحمر بالمقص لأننى تضايقت من شكله الاسطواني، ومرة كسرت سلحفاة المنزل بالمطرقة لأعرف أين تخفى رأسها.. دم السلحفاة القتيل لا يزال على راحتي، الحقيقة أننى ما أردت قتلها  ولكننى أردت قتل السر، قشرة الأشياء السميكة  كانت تعذبني، كنت أبحث عن شكل وراء الشكل، ولون وراء اللون، كانت الأشياء لا عمر لها بين يدي، كانت كلها هشة وسريعة العطب» صـ59

 كان هو الشاعر يولد فيه، كان يتكون من الثورة على كل قشرة سميكة، ومحاولة  الاكتشاف، ومن كل هذا الرماد المتناثر  الذى جمعه الشاعر فى زجاجات المحاولة وفى أبيات الشعر تستبين خطوط الطفولة واليفاعة التى  تضامت معا لتقدم لنا هذا الشاعر الكبير بثوراته، وتناقضاته، بأحزانه وانكساراته وكان يقول عن طفولته  تلك «الدمى لا تقاوم، قطارات الطفولة لا تقاوم، كراسات رسوم الأطفال، الأقلام ، الكتب الملونة، الدفاتر المدرسية لا تقاوم حتى كأن حنجرة طفولتى هى مقبرة الأشياء المستهلكة، ومن خلال سخط الأهل  وثورتهم عليّ، كانت لى عمة حكيمة وفيلسوفة تقول لهم بصوت تجمعت فيه كل حكمة الدهور : «دعوة يحطم.. دعوة يحطم فمن رماد الأشياء المحطمة تخرج النباتات الغريبة» صـ59

زهرة المدائن

 وكما كانت القاهرة دائما بستان الفكر والفن وتألق فيها أبو خليل القباني، ففيها تألق نزار قبانى أيضا فقد كانت القاهرة أول  بعثة دبلوماسية يذهب إليها الشاعر فى  عمله الدبلوماسى فيقول:  « وصلت إليها شابا فى الثانية والعشرين من العمر، وقضيت فيها ثلاث سنوات «1945-1948»، للقاهرة علىَّ فضل الربيع على الشجر، وبصمات يديها ترى واضحة على  مجموعتى الشعرية «طفولة نهد» المطبوعة عام 1948،  وكان هذا الديوان نقلة حضارية مهمة بالنسبة لشعرى، فلقد صقلت القاهرة أحاسيسى وعيني، ولغتى الشعرية، وحررتنى من الغبار الصحراوى المتراكم فوق جلدي، كانت القاهرة فى الأربعينيات زهرة المدائن، وعاصمة العواصم العربية، وكانت بستانا للفكر والفن عز نظيره وقد أسعدنى أن أدخل الوسط الأدبى والفنى والصحفى من أعرض  أبوابه، وأعرف صوفة أعلامه توفيق الحكيم، وإبراهيم عبدالقادر المازني، والشعراء:  إبراهيم ناجي، وأحمد رامي، وكامل الشناوي، والموسيقار محمد عبدالوهاب ومحمد حسنين هيكل، والناقد أنور المعداوى الذى يعود إليه الفضل فى إلقاء  الأضواء على شعرى.. ص 111

الورد الدمشقى وبيت الفل

 الأسفار أثرت كثيرا فى شعر نزار، وخاصة تجربتين فى السفر أثرتا فى شعره وهما التجربة الإنجليزية والتجربة الإسبانية فيقول: «التجربة الإنجليزية وضعتنى  فى إطار إنسانى وحضارى كنت بأمس الحاجة إليه، لقد منحتنى لندن الطمأنينة الفكرية، وغسلت أمطارها أعشابى الشرقية العطشي، وأعطتنى براريها المكشوفة واللا نهائية الخضرة أول دروس الحرية، وفى مدرسة الحرية هذه كتبت أفضل أعمالى الشعرية وأكثرها ارتباطا بالإنسان وهو كتاب «قصائد»، وقد أمضى فى لندن عدة سنوات «1952-1955».

أما التجربة الإسبانية فى حياته

 فيصفها بأنها كانت مرحلة الانفعال  القومى والتاريخى، فإسبانيا بالنسبة للعربى هى وجع تاريخى لا يحتمل فتحت كل حجر من حجارتها ينام خليفة، ووراء كل باب خشبى من أبوابها  عينان سوداوان، وفى غرغرة كل نافورة فى منازل قرطبة صوت امرأة تبكى على فارسها الذى لم يعد». صـ144

 ومع ذلك ظلت دمشق تسبح فى قلبه، وروائح الياسمين  الدمشقي، وعبير الأضاليا، والنارنج والورد البلدى تشاركه فى سفراته، وظل بيته فى دمشق، وداره «مئذنة الشحم، هى المفتاح لشعره، وبغير  الحديث  عن هذه الدار تبقى  الصورة غير مكتملة فلقد سكن نزار فى قارورة عطر، وبيته كان تلك القارورة، هناك حيث توجد عشرون صفيحة «فل» فى صحن الدار هى كل ثروة أمه وكل زر فل عندها يساوى صبيا من أولادها، لذلك كلما غافلناها وسرقنا ولدا من أولادها بكت وشكتنا إلى الله».

 كان لقاؤه بالجمال قدرا يوميا، كان إذا تعثر تعثر بجناح يمامة، وإذا سقط سقط فى حضن وردة وألوف النباتات الدمشقية التى يتذكر ألوانها لا تزال تتسلق على أصابعه كلما أراد أن يكتب..

 كان قدره الجمال، والتعبير عنه ولذا كانت أشعاره بستان ورد وشوك معًا،  صحيح أن الطبيعة كانت عنصرا أساسيا فى شعره ولكن الإنسان كان أقوى منها حضورا ولذا يقول : «كنت أضع الطبيعة تحت تصرف المرأة التى أحبها».

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز