أيمن عبد المجيد
نتائج الانتخابات وزراعة الأمل
بقلم : أيمن عبد المجيد
لم تكن الانتخابات الرئاسية المصرية، مجرد منافسة بين مرشحين، بل ترمومتر لقياس مدى وعي الشعب المصري، ومدى تمسكه بمواصلة السير على خطى بناء الدولة الوطنية، والتصدي لمؤامرات الفاشية الدينية ومن خلفها.
والقراءة المتأنية في النتائج، تستنطق الأرقام، فتكشف ما تحمله من رسائل بليغة لا تخطئها عين.
1 – المحافظات الحدودية جاءت على رأس المحافظات الأعلى تصويتًا: محافظة الوادي الجديد في المرتبة الأولى بنسبة تصويت 58% حصل الرئيس السيسي على 95.42% من إجمالي هذه الأصوات.
وجاءت محافظة جنوب سيناء في المرتبة الثانية، بنسبة تصويت 51.68% حصد الرئيس السيسي نسبة 96.64% من الأصوات.
كما احتلت محافظة بورسعيد المرتبة الرابعة، بنسبة تصويت 48.5% حصد الرئيس عبد الفتاح السيسي منها، نسبة 96.10% من الأصوات، بعد الغربية التي جاءت في المركز الثالث.
ولعل تحليل ذلك يؤكد أن تلك المحافظات التي تقع على خط التماس مع البؤر الملتهبة، خاصة في شمال سيناء، حيث تدور المعارك في مواجهة الإرهاب، أو تلك الحدودية مثل الوادي الجديد ومطروح، هي محافظات شعر مواطنوها بحرارة المعركة وحجم ما تحقق من إنجاز، وما بذل من دماء، فجاءت نسب تصويتها في المقدمة، رغم كون المحافظات الحدودية على مدار الاستحقاقات الانتخابية كانت الأدنى في نسب المشاركة.
ففي العام 2014، كانت محافظات المنوفية وبورسعيد، والغربية والدقهلية والقليوبية، بالترتيب الأعلى في نسب التصويت بنسب تتراوح بين 62% في أعلاها وحتى 55% في القليوبية.
والمدقق يكتشف أن المحافظات الأعلى في 2014، شارك منها أعداد تقارب ذات الأعداد التي شاركت عام 2014، غير أن نسب المشاركة الإجمالية انخفضت من 47% إلى 40%، بسبب إضافة 5 ملايين ناخب جدد للكشوف، فعلى سبيل المثال محافظة الغربية التي حافظت على ترتيبها بين المحافظات الأعلى في نسب المشاركة عام 2014، 2018، كانت نسبة من صوت بها من إجمالي أصوات الناخبين المصريين بالداخل والخارج 2.7% في 2014، و2.5% في 2018.
وهذا يعني أن انخفاض عدد الناخبين بين الاستحقاقين بلغ "762 ألفًا و454 صوتًا فقط"، حيث بلغ إجمالي من أدلى بصوته في 2014 نحو "25 مليونًا و39 ألفًا و378"، بينما من أدلى بصوته 2018 نحو "24 مليونًا و541 ألفًا و152".
2 – حصل الرئيس عبد الفتاح السيسي في انتخابات 2018، على أصوات تجاوزت المليون في 10 محافظات، القاهرة أكثر من 2.5 مليون، يليها الشرقية بمليون و786 ألفًا و602 صوت، ثم جاءت محافظات مثل الإسكندرية والبحيرة، كما حصل الرئيس على أكثر من 96% في الفيوم، وهي المحافظات التي كانت تشهد نشاطًا لعناصر تيارات الإسلام السياسي، ما يعني بتر تلك المحافظات عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي، وفقدانه التأثير على الناخبين من المواطنين البسطاء، الذين كان يقع بعضهم فريسة لخداع الإخوان.
3 - ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة لتحل في انتخابات 2014 و2018 في المركز الثاني، سابقة على حمدين صباحي وموسى مصطفى موسى، تشير إلى أن القوى السياسية في المجتمع ما زالت غائبة عن الجماهير، وتحمل الأحزاب مسؤولية العمل على الأرض، وتقديم إنجازات سابقة على الانتخابات.
كما تؤكد أيضا أن هناك قطاعًا تعمد إبطال صوته، رغم مشاركته، فهو أراد أن يقول إنه رافض لتنظيم الإخوان الإرهابي، ورافض لدعوتهم للمقاطعة، ويشارك من أجل دعم الوطن، لكنه غاضب، وهو ما يستوجب العمل على دراسة أسباب شكاواهم.
4 – مشاركة 40% من إجمالي من يحق لهم التصويت، 59 مليونًا، بزيادة 5 ملايين على 2014، في ظل الإجراءات الاقتصادية المؤلمة التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأثرت على قطاعات مجتمعية فقيرة، يعد إنجازًا حقيقيًا للوطن، فالرئيس احتفظ بشعبيته، رغم القرارات الجراحية، التي لم يكن يستطيع قادم على انتخابات، اتخاذها بالنظر للأصوات.
لكن الرئيس غلّب مصلحة الوطن على حسابات الانتخابات، فرد الشعب عليه برسالة مفادها: نُدعمك وندعم الوطن في معركتي البقاء والبناء.
قدمت الانتخابات الرئاسية المصرية، الدفعة الأهم لتثبيت أركان الدولة الوطنية، "فلم يكن احتشادكم بهذه الصورة الوطنية المبهرة.. من أجل اختيار شخص يرأس الدولة.. بل كان احتشادًا لتجديد العهد على مسار وطني.. انحاز أبناؤه له وقرروا الاستمرار في خوض معركتي البقـاء والبناء"، عبارة قالها الرئيس في خطابه التالي على إعلان النتيجة تحمل تشخيصا دقيقا لما حدث.
زرع الرئيس الأمل في مستقبل أفضل، وقدم الدليل إنجازات ملموسة، والشعب روى ذلك الأمل بما وضعه في الصناديق من ملايين الأصوات، ليقول للعالم، "نحن شعب صاحب حضارة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، متمسك ببناء غدٍ أرحب، لنضع مصر في المكانة التي تستحقها بين الأمم".
قدم السيسي نموذج القائد الذي نحى الشعارات الحنجورية والوعود الانتخابية، مقدمًا نفسه بإنجازات حقيقية، أعلن عنها بعد أن باتت واقعًا ملموسًا يوم افتتاحها.
حسنًا فعل، فقد أجل الوعد لما بعد النتيجة، فقال بالأمس: "أعدكم بأن أعمل لكل المصريين دون تمييز من أي نوع.. فالذي جدد الثقة بي وأعطاني صوته لا يختلف عمن فعل غير ذلك.. فمصر تسع كل المصريين.. ما دام الاختلاف في الرأي لم يفسد للوطن قضية".