عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لماذا أعلن «اللوبى الصهيونى» الحرب على انتخابات الرئاسة؟!

لماذا أعلن «اللوبى الصهيونى» الحرب على انتخابات الرئاسة؟!

بقلم : هاني عبدالله

أن يقرأ «الإعلام الغربي» مصر بشكلٍ خاطئ؛ فهذا أمرٌ واردٌ (مع التحفظ).. لكن.. عندما يقرأ «منتسبون إلى مصر» (ترعاهم واشنطن) ما يحدث فى القاهرة بالصورة نفسها (وربما بشكلٍ أكثر تحريضًا)؛ فنحن – يقينًا – أمام خيارين لا ثالث لهما.. الأول: هو  أنّ هؤلاء [المصريين!] لم يستطيعوا – مع مضى أعمارهم – أن يفهموا جيدًا «تراكيب» الشخصية المصرية، ويتقنوا تحليلها.. والثانى: أنهم (فى خضم الاقتراب من المشروع الأمريكى/ الصهيونى)، ارتضوا أن يلعبوا دور «السكين»؛ لطعن بلدهم [الأصلى]، تحت لافتات «الحياد البحثى»، والتفكير الحر(!)

الاحتمال الأول، يقينًا: عذرٌ أقبح من ذنب.. والاحتمال الثاني، مؤلم فى جوهره.. لكن.. له ما يبرره (من وجهة نظر صانعى السياسات الغربية، لا من وجهة نظر شخوصه).. إذ إنّ التركيز على (حاملى الجنسية المصرية) فى التصدى للشأن المصرى، ربما يرفع عن كاهل تلك «المراكز»  شُبهات التربص والتحريض [المُستمرين] على مصر (الدولة).
فقبل 60 يومًا من الآن.. وداخل «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» (القريب من اللوبى الصهيونى بالولايات المتحدة الأمريكية)؛ كانت الألحان الصاخبة  لبعض «حاملى الجنسية المصرية» قد بدأت فى التعالى «تدريجيًا»؛ عشمًا [أو طمعًا] فى الرقص على أطلال أزمة مصرية جديدة، فى وقت لاحق (!).. ثم كان أن استمرت «الألحان».. لكن.. لم تبدأ الرقصات فى موعدها(!)
فمع بداية «فبراير» المنصرم؛ كتب «هيثم حسنين» (أحد الأصدقاء المُقربين للكيان العبرى المُحتل)، تحت عنوان: [إلى الرئيس ترامب: عليك إدانة هذه الانتخابات المصرية المزيفة].. وقال «حسنين» فى بداية ورقته المُقدمة لـ«معهد واشنطن» نصًا:
(بعد مرور أربع سنوات على الانقلاب الدموى الذى أنهى انتقال مصر الصعب إلى الديمقراطية، تتجه الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان إلى الانتخابات الرئاسية. وعلى إدارة ترامب تسمية هذه الممارسة بما هى عليه حقًا: انتخابات مزيفة ومشينة، نتيجة محاولة قذرة لترهيب وإثباط عزيمة كل معارض محتمل؛ لكى لا يتحدّى الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى).
ورغم أنّ العبارات «المُستخدمة» لا تمت بصلة  لأى نوعٍ من أنواع «الرصانة البحثية» [إذ  كانت أقرب لوصلة من «الردح» المستعر]؛ فإنّ المحاولات المتواصلة لتحريض «إدارة ترامب» على الانتخابات الرئاسية المصرية، تواصلت بشكل فج خلال المقال، كما لم تهدأ داخل المركز (صاحب التأثير المتنامى على الإدارات الأمريكية المُختلفة) فى أى من الأوقات التالية.. وكان من بين ما أراد أن يروج له «حسنين»؛ 
(1)- إن السيسى (الذى وصفه بالديكتاتور المصري) لا يؤمن بالانتقال السلمى للسلطة، ولا يعتزم التخلى عن الحكم فور انتهاء ولايته الثانية فى عام 2022م (!)
(2)- تتجه مصر إلى وضع كارثي، سيجعل «الفوضى» التى أعقبت [انتفاضة العام 2011م]، تبدو جيدة بالمقارنة مع الأوضاع السائدة (!)
(3)- أكّد السيسى استعداده لقمع أى معارضة لحكمه، ولقبضة «الجيش» على السلطة (!)
(4)- سيناريو أشبه بما يحدث فى سوريا بـ«انتظار مصر»، إذا خرجت الأحداث عن السيطرة؛ بسبب غياب الحريات السياسية والقمع الشديد الذى يخضع له الشعب المصرى فى عهد السيسى (!)
(5)- بإمكان  «ترامب»  الاستفادة من علاقته بـ«السيسى»؛ لنقل المخاوف الأمريكية بالنسبة لمستقبل الاستقرار فى مصر.. وعلى «ترامب» تسجيل اعتراضات قوية  على سياسات السيسى.. كما لا يجدر بأى شخص فى «البيت الأبيض» أو  الكونجرس الأمريكى أخذ هذه الانتخابات على محمل الجدّ (!)
وتحليلاً لمكونات «ورقة حسنين» يُمكننا – من دون مواربة – ملاحظة الآتى:
(أ)- تقاطعت – إلى حدٍّ بعيد - توجهات «صديق تل أبيب» (الذى لطالما طالب بضرورة التطبيع الكامل بين مصر وإسرائيل) مع توجهات «تيار الإسلام السياسى» المدعوم من قبل «إدارة أوباما» السابقة، والمُبعد عن السلطة فى مصر بثورة شعبية (جماعة الإخوان الإرهابية).. إذ أخذ على عاتقه ترديد المصطلحات نفسها التى تصف بها «الجماعة الإرهابية» أحداث ثورة 30 يونيو بالعام 2013م، ودمغها بأنها «انقلاب عسكرى دموى».
(ب)- لا تزال ثمة محاولات [مُتصلة] من قبل جناح لا بأس به من صانعى السياسات الأمريكية، تسعى نحو إعادة دمج «جماعة الإخوان»، مرة أخرى، فى الحياة السياسية المصرية (رغم ثبوت تطرفها، وعلاقاتها بتنظيمات العنف داخل سيناء).. وهو جناح له مؤيدوه داخل مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية، ومنهم «صديق تل أبيب» المخلص.
(ج)- تجاهل [ابن  الجامعة  العبرية]  تأكيدات الرئيس  المصرى  (فى أكثر من مناسبة) على حرصه الدائم على الانتقال السلمى للسلطة.. ومع ذلك؛ أصر على مغالطاته [الدءوبة]، والتشكيك فى تخليه عن الحكم، فور انتهاء «ولايته الثانية» بالعام 2022م (!)
(د)- لا يُمكن لأى باحث [مُبتدئ] أن يستوعب المقومات، والأسس التى بنى عليها «حسنين» استنتاجه بأنّ مصر تتجه نحو وضع كارثى، وأنّ هذا الوضع سيجعل «الفوضى» التى أعقبت [انتفاضة العام 2011م]، تبدو جيدة بالمقارنة مع الأوضاع السائدة (!).. إذ لا يُمكننا النظر لهذا «الاستنتاج» (السطحى) إلا من اتجاهين؛ الأول: ضحالة رؤية الباحث، وعجزه عن فهم ما يجرى على أرض مصر، من الناحية الواقعية.. والثانى: إنه يردد [بشكل ببغائي] ما يُملى عليه داخل واشنطن [أو يُصدر إليه من تل أبيب].
(هـ)- تبدو محاولات «الزج» باسم القوات المسلحة (العمود الفقّارى للدولة المصرية) فى ورقة «صديق تل أبيب»، وكأنها محاولة [ساذجة] للوقيعة، وخلق  خصوم للجيش داخل عدد من القطاعات المحسوبة على المعارضة المصرية.. أو فى أقل تأثير [إعادة تفعيل  بقايا  القطاع الذى اعتمدت عليه «أجندة التثوير» فى العام 2011م]؛ سعيًا نحو إعادة عقارب المشهد  السياسى  لما قبل 7 سنوات ماضية، عندما فشل مخطط «هدم الدولة»  المصرية، بفضل «القوات المسلحة» نفسها.
(و)- ما يدعم النقطة السابقة – يقينًا – هو ذلك التحذير (الذى لا يقل سذاجة عن سابقه) من أنّ هناك سيناريو أشبه بما يحدث فى سوريا بـ«انتظار مصر»، إذا خرجت الأحداث عن السيطرة؛ بسبب غياب الحريات السياسية  والقمع الشديد الذى يخضع له الشعب المصرى فى عهد السيسى (!)
ومن بداية فبراير إلى نهاية الشهر ذاته؛ كتب الصحفى «ماجد عاطف» بمنتدى فكرة (التابع لمعهد واشنطن، أيضًا)، تحت عنوان: [الانتخابات الكاشفة وسياسة « فرق تسد»]، ما لم يختلف فى مضمونه عما كتبه «صديق تل أبيب».. إذ قال «عاطف» ما نصه:
(تتأرجح تحركات الرئيس الحالى حيال هذه المحطة الانتخابية بين نموذجين: نموذج «بوتين»، الرجل القوى المسيطر الذى لا يعير أدنى اهتمام لما يقال عنه فى الخارج، ونموذج «مبارك» ذاك الرجل الذى كان حريصًا على إظهار ملامح ديمقراطية صورية أمام عدسات الصحافة الغربية. وقد بدا هذا التأرجح جليًا فى التحضير لهذه الانتخابات الرئاسية).
وتابع  فى  موضع لاحق: (وفى كلتا الحالتين، يجب أن نُسلم بأن الحكم الاستبدادى للسيسى  كان دائمًا، يستفيد من التناحر الداخلى الذى تتميز به المعارضة المصرية، فقد أظهرت بعض القطاعات عداءها للسيسى، سواء بشكل علني، كما هو الحال مع جماعة الإخوان، التى صارت حاليًا تعمل فى السر ـ أو مع اليسار المصرى ورجال الأعمال المؤثرين الذين سئموا من اعتداءات الجيش على أعمالهم).
وللمرة الثانية.. تبدو محاولات الزج باسم «القوات المسلحة المصرية» (من قبل طارقى أبواب المركز المدعوم من اللوبى الصهيوني) فى آتون الأحداث، غير خالصة.. فإذا لم تُجد الوقيعة السياسية، فلتكن الوقيعة [هذه المرة] اقتصادية، ومع رجال الأعمال المصريين (!)
يقول «عاطف»: (فيما يخص الجيش، فقد ظل يحكم لعقود طويلة بالوكالة (ناصر/ السادات/ مبارك)، فجميعهم رغم كونهم ضباطًا بالأساس، فإنهم مارسوا الفصل بين الرئاسة والجيش، حيث تظل الدبابة فى خلفية المشهد، دون التورط المباشر فى تفاصيله. وقد ارتاح الجميع لتلك المعادلة، حتى مع توسع الجيش فى النصف الثانى من عهد مبارك فى مشاريعه الاقتصادية، والتى لا يمكن الجزم بحجمها أو دقة حصتها من السوق.. وبالرغم من كل هذا، فإن السيسى اتبع فى الحكم نموذجًا مغايرًا لمن سبقوه، تتحرك فيه المؤسسة العسكرية من خلفية المشهد لصدارته).
ورُغم اعتراف «الكاتب» بعجزه عن معرفة حجم الجوانب الاقتصادية للقوات المسلحة (رغم أنها معلنة بشكل كبير)، أو حصتها بالسوق (يمكن الرجوع فى هذا إلى ما كتبناه سابقًا على هذه المساحة، تحت عنوان: الجيش والاقتصاد).. فإنّ ما ذكره «الكاتب» كان مادة ثرية أرادت من خلالها بعض التيارات الأمريكية، أن تُدلى بدلوها هى الأخرى فى الموضوع.
إذ كتب «توماس باركر» (عضو المكتب التنفيذى السابق للرئيس الأمريكي، ومكتب وزير الدفاع، ومجتمع الاستخبارات)، تعقيبًا على مقال عاطف (تم نشره بمعرفة المعهد فى 21 مارس)، كان من بين نقاطه، أنه [على الجيش البقاء بعيدًا عن الأنظار].. وقال «باركر»: 
(أشار السيد عاطف إلى نقطة مفيدة تمثلت بخطر آخر  يتنامى  ويهدد  الاستقرار السياسى. فبرأيه، أصبح الجيش المصرى مسيطرًا أكثر فأكثر على الاقتصاد  المصرى، ولم يعد يسعى إلى الاضطلاع  بدور الشريك السياسى المتخفى. عوضًا عن ذلك، تبدو شراكة الرئيس السيسى مع الجيش جليةً للبلد بأسره.. ومن شأن هذا الأمر أن يعزز قبضة الرئيس على السلطة على المدى القصير، لكنه قد يهدد الاستقرار السياسى المستقبلى. فالاستياء من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية قد ينعكس بسهولة سلبًا على الجيش نفسه. وكلما بقى على الحياد، كلما خفت حدة النزاع وازدادت قدرة البقاء).
تؤشر النماذج السابقة – جزمًا – نحو أنّ العداء المبكر للانتخابات الرئاسية المصرية (المُكللة بعملية احتشاد رائعة من الشعب المصرى، ورسائل موجعة  للخارج والداخل أيضًا)، لم يكن – فى حقيقته – بكاءً على «عملية ديمقراطية» رأى المتحلقون حول [الأجندة «الأمريكية/ الصهيونية»] أنها باتت مهدرة.. بل كانت - فى جوهرها – محاولة مبكرة للتربص بـ«كيان الدولة» ذاته.
.. كما طالت عملية «التربص» تلك، من بين ما طالته «العمود الفقّارى» للدولة.. إذ سعت تلك «المنابر» لزرع شقاق [مُصطنع] بين المؤسسة العسكرية، وبعض قوى المعارضة تارة.. وبين المؤسسة ورجال الأعمال تارة أخرى (!)
فعبر شواهد [مُتعددة] تنزعج القوى الغربية (والقوى العبرية، كذلك) من التماسك والتلاحم الكامل بين صفوف أبناء المؤسسة العسكرية المصرية.. والتفاف تلك الصفوف حول «كيان الدولة» نفسه [وتحصينه] من أى محاولات لإضعافه (سياسيًا/ واقتصاديًا/ واجتماعيًا).
لكن.. محصلة «المشهد الانتخابى» التى لا يدركها – قطعًا – أمثال هؤلاء (أو من يحركونهم)، هي: إنّ لمصر [شعبًا] يحميها، ويدرك بفطرته، وبساطته ما لا يدركون، ويتعلم – سريعًا – ما لا يتعلمون.
.. فطوبى لشعب «قابض على وطنه»، بكل ما أوتى من قوة.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز