عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
إمبراطورية الكذب!

إمبراطورية الكذب!

بقلم : هاني عبدالله

بالكذب احتلوا عقولنا، وأوهمونا أننا قاب قوسين أو أدنى من «الفردوس»(!).. وبالكذب أقنعونا أنهم زاهدون فى ثرواتنا، وراغبون عن أقواتنا (!).. قالوا لنا: إنهم لا يريدون إلا الإصلاح ما استطاعوا.. ثم وضعونا فى «سوق النخاسة»؛ ليسلبونا أرضنا، وتاريخنا، وأيام عُمرنا.. وما تيسر من سنوات [لا تزال مِلكًا] لأجيال لم تولد بعد (!)
بالأمس القريب.. وضعونا على «طاولة التشريح».. واستهدفوا أوصالنا بالتقطيع.. ثُمّ أمسكوا بأقلامهم؛ ليعلمونا كيف نرسم [خرائط بلداننا] بما تهوى أنفسهم(!).. وما كانت تنطق ألسنتُهم إلا كذبًا.
فى مارس من العام 2003م؛ غزت «الولايات المتحدةُ العراقَ.. وفى إبريل من العام نفسه سقطت بغداد.. وكانت حجتهم هى الديمقراطية؛ إذ زعموا – وقتئذ - أنّ «سياسات الاسترضاء»، التى اتّبَعتها «واشنطن» مع الأنظمة القائمة بـ «الشرق الأوسط» (الموصوفة بـ «الاستبدادية»؛ فشلت فى أن تؤتى ثمارها.. وأنه يتعين على «الولايات المتحدة» أن تتحرك بشكلٍ سريع؛ لإزاحة تلك «الأنظمة» عن السلطة، وتدشين «الديمقراطية» بأرجاء المنطقة، كافة.. إذ كان «تغيير الأنظمة» هو أكثر الكلمات الجديدة صخبًا، حينذاك.
ومع ذلك.. لم يكن لـ «احتلال العراق» أى علاقة منطقية بـ «إرساء الديمقراطية»، إذ تأسس على زعمٍ بأن «العراق»  يمتلك «أسلحة دمار شامل»، وأن «صدام حسين» أقام قنوات اتصال مع «تنظيم القاعدة» (!).. ولسنوات تالية، لم يظهر أيٌ من الأدلة التى [زعمت] وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أنها تمتلكها ضد «نظام صدام حسين»، ولم تُقدم أى قرائن على علاقته بتنظيم القاعدة.. بل العكس كان صحيحًا؛ إذ اعترفت «دوائر رسمية» أمريكية [متنوعة] أنه لم يكن هناك أى «أدلة» من أى نوع (!)
وفى الحقيقة (شاء من شاء، وأبى من أبي)، كانت النية [بحسب الوقائع الثابتة] مُبيتة لضربة من هذا النوع، وتوجيهها نحو العراق (على وجه الخصوص) منذ عهد بوش [الأب].. إذ وُضِع مشروع الضربة – من حيث الأصل - بمعرفة صقور «المحافظين الجدد»، مثل: «ديك تشينى» (وزير الدفاع فى عهد «بوش الأب»، ونائب الرئيس فى عهد «بوش الابن»، ونائبه بوزارة الدفاع «بول وولفويتز»).. وعلى وجه القطع؛ تم التجهيز لمشروع الضربة بمعرفة «وولفويتز» (وبتوجيه مباشر من «ديك تشينى»)، الذى وجد فى صعوده نائبًا لـ «بوش» [الابن] فرصة لتنفيذ مشروعه القديم (!)
 وخلال الفترة التالية لـ «بوش» الأب (أى فترة رئاسة بيل كلينتون)؛ دعم المحافظون الجدد تأسيس ما بات يُعرف بمشروع القرن الأمريكى الجديد (PNAC).. وظل كوادر وقيادات هذا المشروع يعملون وفقًا لسياسات «مجموعات الضغط»، عبر إرسال خطابات مباشرة لمسئولى الإدارة الديمقراطية، تتضمن توجيه «ضربة عسكرية للعراق» بشكل مباشر (!).. أى أنّ النية كانت مُبيتة، مُسبقًا.. والوقائع – هنا – ثابتة، والتفاصيل أكثر من دقيقة.
.. ومع ذلك؛ مازالوا يكذبون.. ومازال البعض منّا يُصدق ما يأفكون، ويروج لما يدعون.. ويتعامون عن أنّ أبناء «العم سام» كان لهم فى [بترول العراق] مآرب، ومشارب (!)

بالأمس القريب، أيضًا.. روجت آلة الأكاذيب الأمريكية (مع بدايات العام 2011م)، أن ساكنى «المنطقة العربية» على مشارف ربيعٍ مُزهر بالديمقراطية، والحُرية.. وكان الأمر فى حقيقته «ربيعًا داعشيًا» أعيد خلاله إحياء تنظيمات الإسلام السياسى بامتداد الوطن العربى [من المشرق إلى المغرب].. إذ تحول اليمن إلى مُستنقع للتطرف، وتمزقت ليبيا على يد أبناء تنظيم القاعدة (العائدين من العراق)، وأعلن قيام تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش) فوق المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا، قبل أن يمتد نفوذ التنظيم [الجديد] لمناطق أخرى بالعالم العربي.. وكان كل هذا تحت سمع وبصر [ومباركة] أجهزة استخبارات واشنطن.
ونشطت خلال تلك المرحلة [الربيعية!] آلة إعلامية «موجهة» تروج لجملة من الأكاذيب.. ففى ليبيا، على سبيل المثال (وفقًا لـ «رسميين» أمريكيين)؛ كان أن دأبت قناة «الجزيرة» (الموجهة من قبل وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية) على عرض «صور»، و«فيديوهات» دول الجوار الليبى (أى: مصر، وتونس)، وسقوط أنظمتها الحاكمة، على مدار الساعة؛ من أجل تأجيج سرعة تفاعل «حركة المتمردين» داخل العمق الليبي.. إذ لم تكن تلك التحركات «عفوية»، بأى حال من الأحوال، بل كانت «مُرتبة» بعناية شديدة؛ لتحقيق أهداف محددة، ربما كان أقلها: تأسيس حكومة ليبية «صديقة للولايات المتحدة»، فى مرحلة «ما بعد القذافى».. وهو الدور، نفسه، الذى لعبته - أيضًا - وسائل «الإعلام الأمريكية» و«الغربية»، بشكلٍ متزامن.. إذ عمدت تلك الوسائل - خلال المرحلة نفسها - إلى تسويق تيارات «الإسلام السياسى» (ومنها: تيارات العنف القريبة من «القاعدة») فى ليبيا، باعتبارها «تيارًا وطنيًّا» يسعى نحو «العدالة» و«الاستقلال السياسى»، فى مقابل «شيطنة» نظام القذافى، وتصويره «ديكتاتورًا»، لا يتورع عن ارتكاب أفظع الجرائم؛ للبقاء فى السلطة.. على غرار «التكتيكات الإعلامية»، التى تم استخدامها فى التمهيد لـ «غزو العراق» بالعام 2003م.
وهى «ممارسات إعلاميّة» استندت (بحسب «بيت هويكيسترا»، المدير الأسبق للجنة الاستخبارات بالكونجرس)، على تقارير حقوقية «مُلفقة» عن انتهاكات حقوق الإنسان على يد «نظام القذافى»، واستخدام تلك التقارير كذريعة؛ للتدخل الدولى، وإصدار قرارات من قِبل «مجلس الأمن»، إذ كان مصدر أغلب تلك التقارير، هم «معارضو القذافى».. ومن ثمَّ.. كانت تتسم - فى مجملها - بالمبالغة الشديدة(!).. ولأن «أوباما»، و«إدارته»، سبق أن قرروا الإطاحة بالقذافى، بأى ثمن؛ ألقوا - فى المقابل - بكل ثقلهم خلف «قوات التمرد الليبية»؛ لتحقيق ذلك الغرض.. ومن ثمَّ؛ دعموا ترديد تلك الادعاءات على نطاق واسع.. وهى ادعاءات ثبت - فيما بعد - أنها كانت «كاذبة»، جملة وتفصيلاً، مثل:
(أ)- عدد ضحايا نظام العقيد «الراحل»، تجاوز الـ «50 ألفًا».
(ب)- ادعاءات المسئولين الغربيين بأن «القذافى» استخدم طائرات هليكوبتر «مسلحة»؛ لضرب المتمردين، وهو الادعاء الذى ردده «رئيس الوزراء البريطانى» فى 28 فبراير/ شباط من العام 2011م؛ لفرض منطقة حظر للطيران على ليبيا (كان هذا الأمر جزءا من الخطة الأمريكية، التى تحدثنا عنها سابقًا).. إذ أكد تقرير مفصّل لـ «مجموعة الأزمات الدولية» - فيما بعد - أنه لا يوجد دليل على هذا الأمر.
(ج)- ادعاء حدوث عمليات «اغتصاب جماعى» اقترفها جنود القذافى (ادعاء روجت له - فى حينه - قناة الجزيرة القطرية).. إلا أنّ كلا من: «هيومان رايتس ووتش»، و«العفو الدولية»، و«مجموعة الأزمات الدولية»، نفت هذا الأمر، بعد سقوط نظام العقيد.
وفى الحقيقة، أيضًا.. كان لـ «واشنطن» فى ثروات ليبيا (البترولية) مآرب مماثلة، لما كان عليه الوضع فى «العراق»، قبل 7 سنوات من الربيع العربى (!)

وفى الذكرى الـ15 لسقوط بغداد، وقف الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» ليقول أمام العالم أجمع إنّ «واشنطن» ستوجه ضربة صاروخية للقوات السورية فى القريب.. وزعمت «إدارة ترامب» [للمرة الثالثة] أن نظام الأسد استخدم «أسلحة كيماوية» ضد معارضيه (!)
وفى الحقيقة.. لا يُمكن (هذه المرة أيضًا) أن يُقدم «ترامب» [أو إدارته] أى أدلة «قاطعة» على تورط نظام الأسد بسوريا فى استخدام «الأسلحة الكيماوية» (المُحرمة دوليًا).. بل العكس، ربما يكون هو الصحيح.. إذ وفقًا لتقرير نشرته مجلة «نيوزويك» 8 فبراير المنصرم؛ فإنّ وزير الدفاع الأمريكى «جيمس ماتيس» (James Mattis) اعترف [صراحةً] – رغم مزاعم سابقة سوّقت إليها وكالة الاستخبارات المركزية – بأنه ليس لدى واشنطن أى دليل على تورط الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية (!)
وذكرت المجلة، خلال التحقيق الذى حمل عنوان؛ (Now Mattis admits there was no evidence Assad used poison gas on his people): أنّ وزير الدفاع الأمريكى زفّ عبارة صادمة، عندما قال إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تمتلك [فى الواقع] أى أدلة على أنّ الحكومة السورية استخدمت «غاز الأعصاب» المُحرم دوليًا (السارين) ضد شعبها.
 ... وهو ما يعنى أنّ المرتين السابقتين اللتين اتُهم خلالهما النظام السورى باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد سوريين (أى: فى «خان شيخون» بالعام 2017م، و«الغوطة» بالعام 2013م) لم يكن لهما نصيب من الصحة، رُغم مزاعم «وكالة الاستخبارات المركزية» فى كل مرة (!)
والمتتبع للحالة الجدلية التى أفرزها الاتهام الأمريكى [المُتكرر] للنظام السورى باستخدام الأسلحة الكيماوية (منذ العام 2013م)؛ لا بُدَّ أن يُدرك - تمامًا - حجم الأكاذيب التى تروج لها [إمبراطورية الكذب الأمريكية]، منذ اندلاع ما يُعرف بـ «ثورات الربيع العربى».. وحجم ما تم تسويقه إعلاميًا على أنه «معلومات استخبارية»، لكنه فى الحقيقة كان أبعد ما يكون عن هذا التوصيف (وهو ما سنعرض له على صفحات هذا العدد خلال الحلقة 26 من حلقات: وثائق تفكيك الشرق الأوسط).. كما سنعرض – كذلك – لوثيقة مفرج عنها حديثًا من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، توضح أن عملية التربص بـ «النظام السورى» تعود فى أحد جذورها لفترة حكم «رونالد ريجان» (أى منذ نحو 35 عامًا مضت.. شأنه فى ذلك شأن «نظام صدام حسين»، الذى تم التخطيط لضربه عسكريًا منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضى، وبداية التسعينيات من القرن نفسه (!)
.. أى أنّ آلة «صناعة الإفك الأمريكية» دأبت، منذ عقود مضت على نسج «الأكاذيب» من حولنا، ولا تزال.. ومع ذلك؛ لا يزال بيننا من يتقرب إلى [الذات الأمريكية] زُلفى (!) 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز