عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صلاح وابني العاق

صلاح وابني العاق

بقلم : محمد دويدار

ليلة أمس الأول، وفي تمام الثانية عشرة مساء، كنت للتو قد وصلت للمنزل بعد يوم شاق جدا لأجد زوجتي العزيزة هي الأخرى ما زالت تعاني في المذاكرة لابنتي الصغرى وما إن رأتني حتى وجدتها تستغيث بي وتطلب مني القيام بمهمة استكشافية استطلاعية مخابراتية غاية في الخطورة إلا وهي الذهاب لحجرة ابننا الأكبر لأتأكد أنه يذاكر دروسه بجدية مش بيستكردنا يعني!



وأمام هذا الغضب المبرر بهذه الجملة اللعينة "الامتحان بكرة" وفي تلك الأجواء العصيبة لم يكن أمامي خيار آخر سوى الموافقة على القيام بالمهمة فورا دون انتظار، وبالفعل توجهت خلسة لغرفته لاكتشف المأساة الكبرى، حقا إنه يغافلنا ويشاهد التلفاز، يا لها من صدمة إذا ماذا أنا بفاعل هل أفضحه وأجيب لأمي وجع الدماغ أم أستره وأخالف ضميري وأقولها إن كل شيء تمام في سبيل اني اشتري دماغي؟

وبينما أنا في حيرة بالغة وجدته يباغتني بسرعة ويقول لي: وسع يا بابا كده من قدام التلفزيون ده أبو صلاح، أبو صلاااح يا بابا! هنا عجز لساني عن النطق وتوقف عقلي عن التفكير وشلت يداي عن الحركة ووجدتني أقول له: أبو صلاح مين ما تخليك في أبوك الأول وبعدين نشوف أبو صلاح.. يا ابني انا جاي تعبان ومش عايز وجع دماغ قوم أحسن لك عشان ما تجيبش لنفسك التهزيء وتجيبلي قلة الراحة وخلي الليلة تعدي على خير.. ولأول مرة أجده لا يبالي بل لا يسمع من الأساس بل ويمسك الريموت ويعلي الصوت ويطلب مني الجلوس لمؤازرة أبو صلاح وبالفعل قولت ألم الليلة وأخليها تعدي على خير وأهي كلها دقايق وتخلص فجلست بجانبه انتظر هذه اللحظة المرتقبة التي لا أعرف ما هي بالتحديد لكنه أبو صلاح يا بابا وما هي إلا ثوانٍ معدودات إلا وحدث ما كنا نخشاه.. نعم إنها زوجتي ويبدو أنها لم تكن تثق في نزاهتي فقد جاءت للتأكد بنفسها لتجدنا سويا في هذا الوضع المخزي نرفع يدينا إلى السماء وندعو لأبو صلاح ونقول بعلو الصوت يااارب، فاذا بها تقول يا رب خدني وريحني، يعني أنا حارقة دمي برة وانتم قاعدين تلعبوا هنا.

وفي تلك اللحظات كان الرجل الممل على الشاشة أخيرًا بدأ ينطق بأن صلاح هو الفائز وما زلت لا أعرف بماذا قد فاز لكنه فاز وهذا كاف جدا لأن يسعد قلبي، ولا أعرف أيضا سببًا محددًا لذلك لكني كنت سعيدا بل وسعيدا جدا.

انطلقت صيحاتنا وتهليلنا وتكبيرنا ورقصنا أنا وهو رغما عن نظرات زوجتي التي أصابها الذهول لفترة مؤقتة قبل أن تهزمها مشاعرها الوطنية ويبدأ وجهها رويدا رويدا ينصرف بعيدا عنا ويتجه للشاشة ويعلو فوقه ابتسامة خفيفة سرعان ما تحولت لضحكة واضحة حين صعد صلاح لاستلام الجائزة ثم إلى فرحة عارمة وفي أقل من دقيقة كنا جميعا نحتضن بعضنا البعض مهنئين ومباركين حصول صلاح على.. على ماذا؟ والله لا نعرف ولا نريد أن نعرف فمصدر فرحتنا لم تكن الكرة والأهداف والبطولات بل كانت الفرحة لأن هذا الفتى صار رمزا لمصر التي كنا دوما نتمنى أن نراها هكذا ليست مصر التي اجبرونا ان نراها في إنجازاتهم الوهمية.. فرحتنا مصدرها أن الولد الصغير ابن القرية صار رمزا للإسلام المعتدل الذي كان على وشك ان يتحول في أذهان الغرب إلى دين عنف حتى أرسله الله اليهم ليجعلهم يتفكرون قليلا ويدركون أن الإسلام دين محبة.

أدرك أن تلك الدقائق التي ضاعت دون مذاكرة في سبيل رؤية صلاح هي اهم مليون مرة من ألف محاضرة تنمية بشرية وأهم من تلك الجلسات الأبوية العقيمة الساذجة التي نوجه فيها النصح والإرشاد النظري لأبنائنا دون جدوى، وأهم من ألف قصة نجاح مكتوبة في أوراق لا تجد من يقرؤها.

نعم لم يخطئ ابني هذه المرة حين خادعنا مضطرا بل نحن من أخطأنا حين حاولنا منعه من أكبر دفعة معنوية يمكن أن نبثها فيه.

أما بعد.. فأستحلفك بالله يابوصلاح وحياة عيالك يا أخي خف عنا اليومين الجايين دول شوية واهمد بقى.. ها اهمد.. فاهمني! يعني لو لازم ولابد تاخد جوايز تانية خدها كُتيمي كده ولا من شاف ولا من دري وبلاش التسييح والهيصة دي، أو اصبر شوية لبعد الامتحانات وأوعدك هنهيص معاك كلنا يا حبيبنا بس خصيمك النبي يا اخي سيب العيال تذاكر!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز