عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الخال

الخال

بقلم : د. عزة بدر

ثلاث سنوات مرت على رحيل الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى «11 أبريل 1938- 21 أبريل 2015»، الشاعر الذى حظى بمحبة الجميع فهو «الخال» كما يسميه المصريون، وهو الذى خاطب وجداننا بقصائده  وأغنياته، وبأيامه الحلوة، وبذكرياته، وبالسيرة الهلالية التى جمعها على مدى أكثر من ربع قرن من روايات بعض الشعراء ورواة السِّيَّر الشعبية، وأهداها الأبنودى إلى ضمير الشعب المصرى الذى أبدع هذا العمل الأدبى الفنى الخالد والذى احتفظ به يقاوم الزمن وعواصفه، ودعا الدارسين للبحث الجاد فى مجال السير والملاحم الشعبية حتى لا تصير الملاحم حكرا على الأوروبيين، وحتى نجلو كنوزنا الأدبية فى هذا النوع العظيم من الإبداع.



 

فى محبة الحياة

 الأبنودى من البناءين العظام، أولئك الذين يؤمنون بالإنسان، وبمقدرته على صياغة واقعه، ومواجهة مصاعب الحياة.

 وقد تجلت روحه الشاعرة المفعمة بحب الحياة والحماس لتفاصيلها، وممارستها بكل عنفوان فى كل ما كتب للوطن، وللناس، وللحبيبة، وللكتابة نفسها بل إن بعض أشعاره تكاد أن تصبح قَسَما وأغنية وطنية تأخذ بالألباب، وتحفز الهمم حتى أن عبدالحليم حافظ كان يبدأ غناءه بها فى كثير من حفلاته الغنائية: «أحلف بسماها وبترابها/ أحلف بدروبها وأبوابها / أحلف بالقمح وبالمصنع / أحلف بالمدنة والمدفع/ بأولادى بأيامى الجاية / ما تغيب الشمس العربية/ طول ما أنا عايش فوق الدنيا».

مع قصائده وأغنياته خفقت قلوبنا، كان حاضرا دائما، ولم يغب أبدا، تبدت فى أشعاره نفس جسور صامدة تبث عزائم التحدى فى لحظات الحزن، والبهجة والفرح فى ساعات الكفاح والانتصار من خلال صور شعرية فذة ومعبرة عن الإنسان المصري، وحياته الاجتماعية، والعاطفية فكتب مصورا أحداثا مهمة مثل بناء السد العالى من خلال ديوانه «جوابات الأسطى حراجى لزوجته فاطنة»، والتى أبدع فيها فى تصوير بناء السد من خلال خطابات متبادلة بين الأسطى حراجى العامل فى السد العالى وبين زوجته فاطنة معبراً عن آماله فى ازدهار وطنه وأسرته، واستطاع أن يجعل من أفكاره الشعرية كلاما يرد الروح – حسب تعبير أولاد البلد – فهذه الخطابات المتبادلة تعنى فى معناها العميق أن بناء الفرد هو عينه القدرة على بناء مجتمع.

 وفى ديوانه «وجوه على الشط» وصف ملحمة بطولة أهل السويس وصمودهم أثناء حرب الاستنزاف، وتتجسد شخصياته فى ديوانه وكأنك تقرأ فى رواية شعرية لا يمكن أن تنسى ملامح أبطالها.

 أما ديوانه «الموت على الأسفلت» فقد أهداه للفنان الفلسطينى الشهيد «ناجى العلي»، ولأطفال فلسطين فى ذكرى الانتفاضة الأولى.

 

أغنية للغد

 وفى أغنياته تهدر القلوب بمحبة الأوطان، وتتحدى النفوس كل صعب كما يتبدى ذلك فى «موال النهار»: «ابدا بلدنا للنهار.. بتحب موال النهار / لما يعدى فى الدروب / ويغنى قدام كل دار/ والليل يلف ورا السواقى زى ما يلف الزمان / وعلى النغم تحلم بلدنا بالسنابل والكيزان / تحلم ببكره واللى ح هيجيبه معاه».

 بهذه المشاعر الدفاقة صاغ الأبنودى أغنياته وأشعاره، وقد تشبثت يده بالغد، يطلعه بأظافره وأسنانه يقبض على قطعة من سماء الغد قبل أن تبدو بشائره فهو القائل فى قصيدته «اشمعنى بكرة»:

«حارب طلاسم دنيتك واملاها / شبابيك.. واطلع بالحياة م الحُق.

وانزع حقوقك من ضوافر يومك / صارع وكافح وامشى واجرى وزق.

 وإن وقفك فى السكة بحر معاند

 إضرب عصايتك جوة موجه وشق

عمر الأمانى ما تبنى حيطة مايلة / ولا العلالى تتصعد بالبُق»

 وهى القصيدة التى دعا فيها إلى صناعة الغد، واستشراف المستقبل فى أبيات تنتزع الإجابة عن أسئلة الوجود انتزاعا إذ يقول: «وإذا كنت قادر أصنعه اليوم ده / فإيه لزوم الانتظار للغد؟/وإذا كان سؤالى جوابه فى إيديا / إشمعنى بكره راح يجينى الرد ؟».

 الأبنودى: «يا منة وقصائد أخرى»، المختارات 2001، أطلس للنشر، القاهرة، ص 277.

 

 شباكين ع النيل عينيكى

 الحب فى قصائد الأبنودى وأغنياته وهاج متقد، يرى فى وجه الحبيبة ملامح وطن، دفء أرض، وحنايا بيوت، وشطوط نخيل، وهو طابع يميز أشعاره وأغنياته فتهتف من أول كلمة تسمعها، من أول سطر شعرى.

 

«الأبنودى» :

 «شباكين ع النيل عينيكى / شباكين طليت بعينى / شفت سحر الليل/ شفت فى عينيك المداين / والبيوت أم الجناين/ والغيطان أم السواقى / والولاد أمات طواقى / والشطوط أم النخيل / شباكين ع النيل عينيكى».

 وفى قصائد الحب عند شاعرنا هذه الرغبة العارمة فى التواصل والتواد بحيث يمكننا القول إنه من البناءين الذين آمنوا بعاطفة الحب التى تدعم الإنسان، وتبنى قيمه الشعورية وتمنحه القدرة على تحقيق الذات الداخلية العميقة وهو ما يتحقق بمعنى من المعانى فى قوله : «لا حسلم بالمكتوب ولا حرضى أبات مغلوب/ وحقول للدنيا يا دنيا أنا راجع للمحبوب / ونغنى أغانى جديدة مليانة حكاوى سعيدة / وهنغزل توب الفرحة يا بوى وأقول يا حبيبى سلامات».

 من أغنية «على حسب وداد قلبى» والتى شدا بها عبدالحليم

 يا نجمتين أدوروا

 ويظهر صوت المحب الذى يجهر بعاطفته ورغبته فى السعادة، وتدعمه الجماعة فى أغنيته «يا نجمتين ادوروا»، والتى يؤدى فيها المونولوج الفردى إلى ديالوج «حوار» مع الجماعة حيث يحصل المحب على الدعم العاطفى والمساندة الاجتماعية.

 

 المونولج

 «يا نجمتين إدوروا على سطح بيتنا ونوروا / بيتنا الصغير الأخضرانى / أبو الستاير برتقانى / فاتح شبابيكه يصطاد النسمة/ النسمة النيلى الناعسة المبتسمة/ بيتنا الصغير الجديد / أهو ده اللى باين من بعيد».

 

 الديالوج

•عارفين بنيته إزاى ؟

• إزاى.. إزاى ؟

•تعالوا بينا أقولكم، وأعملكم براد الشاى خطيت على كل مكان فى الأرض / وصاحبت الليل والويل والبرد / رحت وجيت علشان البيت.. البيت / وجمعت فلوس وآدينى بنيت / بنيته أخضر لون /عيون حبيبتى / وف بابه علقت قلبى يا حبيبتى».

.. لقد ظل الأبنودى دائما كما أراه أحد البناءين العظام، وأحد رواد الكلمة الشاعرة فى مصر والعالم العربى، وهو كما يصفه محمد حسنين هيكل فى مقدمته لديوان «مربعات» لشاعرنا الكبير :

 «الأبنودى شراع على النيل جاء من صعيد مصر مرتحلا إلى الشمال ،» حاملا معه خصب النهر العظيم ينثره حيث يصل، ويحوَّل الطمى بالفن إلى زهر وورد وإلى شوك أحيانا.

 أثرى الأبنودى المكتبة العربية بدواوينه ومنها «الأرض والعيال» 1964، «الزحمة» 1967، «عماليات» 1968، «جوابات حراجى القط»1969، «الفصول»1970، «أحمد إسماعيل» 1972، «الأحزان العادية» 1981، و«الموت على الأسفلت» 1998 وغيرها.

وفى الصفحات القادمة إطلالة على روايته الوحيدة الفريدة «قنديلة». 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز