عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الفريضة الغائبة!
بقلم
محمد نجم

الفريضة الغائبة!

بقلم : محمد نجم

أعرف موظفًا كبيرًا.. كان عندما يسأله أحد عن راتبه.. يسارع بالقول: «أنا ورئيسي بناخد 12 ألف جنيه».. الطريف في الموضوع.. أن كل من كان يعرفه يعلم أنه لا يتقاضى سوى ألفي جنيه فقط، بينما كان رئيسه يتقاضى عشرة آلاف.



وهذا هو حال الكثير من أهلنا الطيبين الذين يرفعون شعار «القناعة كنز لا يفنى».. يحمدون الله على ما آتاهم ويسألونه دوام الصحة والستر، فطموحاتهم قليلة.. ورضاهم تام عن أحوالهم المستورة.

ولكن هل هذا «الوضع» طبيعي؟ هل هذا الدخل المنخفض نسبيًا يمكن صاحبه من مواجهة متطلبات الحياة الكريمة؟ وهل يجوز أن يستمر هذا التفاوت الكبير بين الدخول؟

ما أقصده.. هو التعبير الأشهر الذي رفعه المتظاهرون في ثورتي يناير ويونيو «العدالة الاجتماعية» الذي وصفه البعض بالفريضة الغائبة في المجتمع المصري.. وهو ما تضمنه وأشار إليه الدستور في أكثر من 18 مادة، وهو أيضا ما يشير إليه الرئيس السيسي في أغلب لقاءاته الجماهيرية، باعتباره ضرورة سياسية واجتماعية واقتصادية.

طيب.. يعني إيه عدالة اجتماعية؟

يعني أن تكون هناك فرص متكافئة أمام الجميع، طالما توافرت شروط الوصول إليها أو الحصول عليها.. الخبراء والمتخصصون.. يقولون إن عمودها الأساسي هو «التمكين» أي أن يتمكن الفقير من التعليم، والمريض من العلاج، والعاطل من العمل.. الخ.. وبصرف النظر عن النوع أو السن أو العقيدة.. إن اعتمادًا على مبدأ «المواطنة» حيث كلنا مصريون أبناء وطن واحد، ومن حق كل منا الحصول على ما يستحقه.

ومناسبة هذا الحديث.. هي المحاولة الجادة التي قام بها د. ماجد عثمان مؤسس ومدير مركز «بصيرة» لبحوث الرأي العام، لوضع مؤشر لقياس العدالة الاجتماعية في المجتمع المصري.

حيث اعتمد على مؤشرين رئيسيين أولهما رأس المال البشري، الذي يضم مؤشرات فرعية مثل: التعليم، والصحة، والثقافة، والتشغيل والحصول على المعلومات.

أما المؤشر الرئيسي الثاني فكان رأس المال الاجتماعي، الذي يضم العدالة والمشاركة، والرضا، والثقة، والأمان.

وقسم نقاط المؤشر من 1 إلى 10، وكلما اقتربت النسبة من رقم عشرة كان الوضع سلبيًا وبعد البحوث والدراسات واعتمادًا على ما توفر من بيانات اتضح أن مؤشر العدالة الاجتماعية في مصر حوالي 2.28.

ومع ذلك فالدكتور عثمان يقول لنا إن المجتمع المصري يعاني من العديد من الفجوات منها الفجوة في الثروة، وبين النوع الاجتماعي وطبقًا لمكان الإقامة أو بين الأجيال.. إلخ.

وضرب بعض الأمثلة على هذه الاختلالات ومنها فرصة الالتحاق بالجامعات الحكومية والتي تتراوح بين واحد إلى سبعة حسب القدرات المادية للطالب، بل إن نسبة الحصول على المؤهلات المولدة للدخول الأعلى- مثل الطب والهندسة- يصل التباين فيها من واحد إلى 164 حسب القدرات المادية أيضا.

ولم يكتف د. عثمان بذلك بل أوضح أنه لا يجب التعلل بضعف أو انخفاض موارد الموازنة العامة لتحقيق العدالة الاجتماعية، فهناك فقه الأولويات.. فمثلًا الدولة صرفت 500 مليون في رمضان الماضي لدعم الفقراء، هذا المبلغ كان يكفي لسداد رسوم الحضانة لأكثر من 250 ألف طفل، كذلك استيراد ياميش رمضان بأكثر من 500 مليون، وهو ما يكفي لبناء آلاف الفصول الدراسية الجديدة التي نحتاج منها على الأقل 400 ألف لتمكن من استيعاب المواليد الجديدة والراغبة في التعليم.

والطريف في الموضوع عندما تعاون د. عثمان في محاولته الجديدة مع المركز المصري للدراسات الاقتصادية أضاف إليه الأخير مؤشرات أخرى للقياس، مثل خدمة الدين العام، والبحوث والتطوير، والبيئة، ومدى توافر الصرف الصحي للمواطنين.

وأخبرتنا الباحثة هدى العبادي التي أجرت الدراسة المكلمة على المؤشر أن خدمة الدين في الموازنة الجديدة تصل إلى 541 مليار جنيه، وهو مبلغ يعادل ضعف بند الأجور والرواتب، وخمسة أضعاف موازنة التعليم، وتسعة أضعاف موازنة الصحة!

وهو المعنى الذي أشارت إليه د. عبلة عبد اللطيف، حيث لا يجب أن تختزل العدالة الاجتماعية في تخفيض نسبة الفقر في المجتمع، وإنما يجب أن تقوم على حقوق أخرى مثل الشفافية والحرية الاقتصادية والتعليم والصحة، وأنها ستحاول بالتعاون مع مركز بصيرة تطوير المؤشر المقترح وإنشاء مرصد للعدالة الاجتماعية لمتابعة كل المؤشرات والإعلان عن المؤشر الرئيسي سنويًا.

وبالطبع جرت مناقشة علمية للمؤشر وما اعتمد عليه من بيانات شارك فيها كل من د. مصطفى كامل الأستاذ بجامعة القاهرة ود. راجي أسعد من جامعة مينيسوتا، ود. هانيا شلقامي الأستاذ المشارك بالجامعة الأمريكية، وقدموا مقترحات جيدة لسلامة المؤشر ودقته في التعبير عما يجرى في المجتمع.

 

يا جماعة الخير..

نحن دولة ذات مؤسسات تحترم القانون الذي يساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات

نعم.. لجهود البعض من المخلصين لعمل مؤشر لقياس حالة العدالة الاجتماعية.

لا.. للاستثناءات.. والتمييز بين أفراد المجتمع وفئاته.. وتوريث الفقر لمن كان حظه سيئًا!

حفظ الله مصر.. وألهم أهلها الرشد والصواب.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز