عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صانع المعروف

صانع المعروف

بقلم : محسن عبدالستار

الأنبياء عليهم السلام جميعًا أكثر الناس طاعة لله، فهم الذين قضوا حياتهم في دعوة الناس وهدايتهم إلى الخير، إذ حياتهم كلها بذل وتضحية ومعروف.. فإبراهيم الخليل عليه السلام، بلغ هذه المنزلة بصناعته المعروف، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا جبريل لِمَ اتخذ الله إبراهيم خليلًا؟ قال لإطعامه الطعام يا محمد".



وموسى عليه السلام سقى لفتاتين، ابنتي شعيب، "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير".

لقد قام موسى عليه وعلى نبينا السلام، بعمل الخير ولم ينتظر الجزاء منهما على معروفه الذي أسداه لهما، وإنما انصرف بعيدًا- تولى إلى الظل- وتوجه لله بالدعاء.. ولم يمن على أحد بمعروفه، وكان الجزاء من جنس العمل.

إن إسداء المعروف وصنع الجميل من مكارم الأخلاق، ومن الإحسان الذي يفترض أن يُقابل بمثله لقوله سبحانه وتعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"، وليس من القيم أن يكون جزاء المعروف والجميل النكران والجحود.

 

يقول الشاعر:

ازرع جميلًا ولو في غير موضعه.. فلا يضيع جميل أينما زرعَ

إن الجميل وإن طال الزمان به.. فليس يحصده إلا الذي زرعَ

 

وهنا تظهر صنائع المعروف.. إذ كان رجل مسن يرقد في المستشفى لضعف جسده، ويزوره شاب كل يوم ويجلس معه يطعمه ويسقيه ويساعده على الاغتسال ويأخذه في جولة بحديقة المستشفى.. ويساعده على القراءة ثم ينصرف بعد أن يطمئن عليه.

وفي يوم من الأيام دخلت عليه الممرضة لتعطيه الدواء وتتفقد أحواله، وتطرق الحديث عن هذا الشاب فقالت: "ما شاء الله هل هذا ابنك؟!".

نظر إليها قائلًا: "ليته كان أحد أبنائي"، هذا يتيم من الحي الذي كنا نسكن فيه، رأيته مرة يبكي وهو طفل عند باب المسجد بعدما توفي والده فتحدثت معه، واشتريت له الحلوى، ولم أفعل معه شيئًا منذ ذلك الوقت.

ومنذ علم بوحدتي أنا وزوجتي يزورنا كل يوم ليتفقد أحوالنا حتى وهن جسدي

فأخذ زوجتي إلى منزله وجاء بي إلى هذا المستشفى للعلاج.

وعندما كنت أسأله "لماذا يا ولدي تتكبد هذا العناء معنا؟".. يبتسم ويقول: "ما زال طعم الحلوى في فمي!".

إن أجمل الناس من عرف قيمة المعروف، ومن إن أسدي له رده أضعافًا، ليس لتبادل المصلحة، ولكن ردًا للجميل.

والسؤال الآن: هل نحن فعلًا ممن يسعون لتكريس قيمة المعروف وتعميمها في المجتمع ومساعدة الآخرين؟!

إن المجتمع ينتظر من أبنائه أن يكونوا صناعًا للمعروف، ويبحثوا عن كل الطرق التي تؤكد المعروف في مناحي الحياة المختلفة، في ظل الظروف الاقتصادية التي نعيشها بسبب الحرب على الإرهاب وإعادة بناء البنية التحتية للبلاد من جديد، حتى يشعر الناس بأن هناك من يسأل عنهم من أهل المعروف الذي لا يموت، ما دام يوجد من يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحًا، ويعرف جيدًا أهمية بذل المعروف وتقديم المساعدة للفقراء والمساكين.

 اللهم اجعلنا منهم

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز