عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ويسألونك عن الجذور

ويسألونك عن الجذور

بقلم : أيمن عبد المجيد

مصر كالشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفروعها في السماء، فهي دولة تنتهج الكلمة الطيبة، تدعو للبناء، تحارب التطرف والهدم، لها من التاريخ ما تفخر به، ومن الحاضر ما يؤهلها لبناء مستقبل مشرق.



 

والدول كالبشر، منها ما هو ناضج حكيم، ومنها المراهقون، الفراعنة من ذلك النوع الناضج الذي علّم العالم، وترك لآلاف السنين ما يُبهر العالم، فالمصريون أصحاب حضارة.

 

والحضارة في اللغة هي العيش في الحضر، وهي عكس البداوة، واصطلاحًا هي مجموعة المظاهر المختلفة للتقدم في مجتمع، أو في مجتمعات متشابهة، وتشمل هذه المظاهر الفنون، والآداب، والعلوم، والتطور الاجتماعي والتنظيم والفلسفات والثقافة، والقدرة على تعظيم الاستفادة من مصادر الطبيعة وفن العمارة.

 

هنا في مصر شمال شرق إفريقيا، نبتت شجرة الحضارة، منذ أكثر من 7 آلاف عام، وهناك في جنوب شرق أوروبا نبتت شجرة حضارة اليونان، منذ أكثر من 4 آلاف عام، فن العمارة والفلسفة ونظام الدولة.

 

واليوم يجتمع الأحفاد، في الإسكندرية، فهي رمز لثمار الحضارة، تلك المدينة التي أسسها الإسكندر الأكبر، الملك اليوناني، على أرض مصر الطيبة، فرعاها المصريون، حتى باتت عروس البحر الأبيض المتوسط، تحتضن أعظم مكتبات العالم التاريخية، عاش على أرضها مواطنو العالم متباينو الثقافات واللهجات والديانات والجنسيات في بوتقة التعاون والمحبة، في القلب منهم القبارصة واليونانيون، الذين عشقوا مصر وعشقتهم.

 

بعد سنوات من الغياب، تذّكر الأحفاد جذورهم، ففي العروق تسري دماء الحضارة، وفي الجسد جينات العلم والمعرفة والفن والإبداع والفلسفة.

 

في العقل يكمن دائمًا التقدم والدمار، الحكمة أو ما دونها، والعقل المصري ورث الحكمة والإبداع من الأجداد فكانت فكرة مبادرة إحياء الجذور، بدعم رئاسي وتنظيم وزارة الهجرة والسكان بقيادة الوزيرة المبدعة نبيلة مكرم عبيد، وبحضور وفدين على رأسيهما رئيسا اليونان وقبرص، تلك المبادرة التي حملت من الإبداع ما يضخ دماء الحيوية والحماس في عروق التعاون المشترك بين البلدان الثلاثة، التي شهدت في الأربع سنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في التفاهم والتعاون المشترك.

 

ويسألونك عن إحياء الجذور، قل فيها الخير الكثير للأصدقاء الثلاثة، للشعوب الطيبة الطامحة لمستقبل أرحب، ففي ذلك التعاون الثلاثي، تغيير لموازين القوى في شرق المتوسط، وفي القلب منها القوى الاقتصادية، والبشائر باتت للعيان ظاهرة، فالقمة الثلاثية الخامسة التي جمعت الرئيس عبدالفتاح السيسي بنظيره القبرصي، نيكوس أنيستاسياديس، ورئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، التي عقدت بنيقوسيا، في 21 نوفمبر 2017، خلصت لترسيم الحدود، ما مكن مصر من الاستثمار في مياهها الدولية باكتشاف حقل ظهر.

 

وبعد أقل من عام بدأت بشائر الخير تظهر، كما يجري التنسيق لمواجهة تسلل الإرهاب وداعميه عبر المياه الدولية، وكذا القضاء على مافيا الهجرة غير الشرعية، إنه تحالف الحضارة والبناء، تحالف محاربة الإرهاب وداعميه المراهقين.

 

هو تحالف ثلاثي منتظم، منطلق من مبادئ القيم والأخلاق، يقوم على أساس عقد القمم وفق آلية زمنية منتظمة لتنسيق المواقف، وتفعيل مقترحات التعاون، يخلق للدول الثلاث دوائر جديدة لحماية أمنها القومي، وظهير دولي داعم للمواقف والحقوق والقضايا العادلة.

 

فدوائر الأمن القومي المصري، تبدأ بالدائرة العربية، وهي الآن في أقوى مراحلها، رغم التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي ككل، الناجمة عن إسقاط عدد من الأنظمة العربية وما تلاه من فوضى في ليبيا والعراق واليمن وسوريا، بنسب مختلفة، غير أن التحالف المصري السعودي الإماراتي البحريني بتعاون الدول العربية العاقلة يمثل درعًا واقية ضد هذه التهديدات، وعامل دعم إعادة بناء الدولة الوطنية في البلدان التي شهدت تصدعات.

 

والدائرة الثانية للأمن القومي، تتمثل في الدائرة الإفريقية، وبها مهددات الأمن القومي المائي، غير أن التعاطي المصري، وفق السياسة الحالية أعاد لمصر قوتها في الاتحاد الإفريقي، فمصر الرئيس القادم للقمة الإفريقية، ورئيس للجنة الأمن والسلم الإفريقي.

 

الدائرة الثالثة، وهي الدائرة الإسلامية، ولعل القضية الأهم عربيًا وإسلاميًا، هي القضية الفلسطينية، إقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية واليهودية.

دائرة شرق المتوسط لا تقل أهمية، وتلك الدائرة تشتد صلابة بالتنسيق الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص، لما لذلك من أهمية للأصدقاء الثلاثة، فقبرص واليونان كانتا من الدول التي احترمت خيار الشعب المصري في ثورة 30 يونيو، وهما داعمتان لمصر في المحافل الدولية، وداعمتان للإرادة العربية بشأن القضية الفلسطينية.

 

كما أن مصر داعمة للحق القبرصي، في توحيد جزيرة قبرص، وفق قرار الأمم المتحدة في إطار نظام فيدرالي، وهو ما تعوقه الأطماع التركية، فنظام أردوغان الداعم لتنظيم الإخوان الإرهابي أكثر من أصابه القلق من التقارب المصري اليوناني القبرصي.


فمنذ القمة الثلاثية الأولى في نوفمبر 2014، والدول الثلاث تبني نموذجًا يحتذى به في العلاقات البناءة، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.

 

ولأن الاقتصاد له الكلمة العليا فإن هذا التحالف مع الاكتشافات البترولية، يحوّل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة بشرق المتوسط، لما تملكه من موقع جغرافي، وقدرة على تسييل الغاز، لتعيد تصديره لأوروبا عبر أنابيب تمتد من مصر إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، وهو مشروع ضخم يجرى العمل عليه، يحمل الخير لشعب مصر والشعبين اليوناني والقبرصي، فالجذور أحييت، فنمت الجذوع، وقريبًا الأفرع تزدهر، ويجني الأصدقاء الثلاثة الثمار الطيبة.


[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز