عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
نحن أمة.. لا تقرأ!
بقلم
محمد نجم

نحن أمة.. لا تقرأ!

بقلم : محمد نجم

أصابني فزع شديد بعد أن قرأت على شبكة الإنترنت أن كل 80 مواطنا عربيًا يقرؤون كتابًا واحدًا في العام، بينما المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتابًا، وبحثت عن مصدر تلك المعلومات فوجدتها في تقرير التنمية البشرية الصادر عن منظمة اليونسكو عام 2003.. فبحثت عن تقرير أحدث حول ذات الموضوع، فوجدت مؤسسة الفكر العربي تكشف في تقريرها الصادر عام 2011؛ أن المواطن العربي يقرأ 6 دقائق سنويا، بينما يقرأ المواطن الأوروبي 200 ساعة.



ثم كانت الطامة الكبرى في تقرير التنمية الثقافية لليونسكو في ذات الفترة، والذي كشف أن كتب الثقافة العامة في الوطن العربي لا تتجاوز خمسة آلاف كتاب في العام، بينما يصل الرقم في أمريكا الشمالية إلى أكثر من 300، والأدهى والأمر أن الناشر العربي لا يطبع أكثر من ألف نسخة من أي كتاب جديد، في حين أن الكتاب الأجنبي يصدر منه 50 ألف نسخة- على الأقل- في طبعته الأولى، ثم بحثت في بعض دول الجوار للمقارنة، فوجدت الأتراك طبعوا حوالي 561 مليون نسخة عام 2014، وارتفع هذا الرقم في عام 2015 إلى 641 مليونًا.

وفي إسرائيل كان الأمر مختلفًا.. وأكتفي فقط بالإشارة إلى أن المواطن الإسرائيلي يقرأ 40 كتابًا في العام.

لقد أحزنني ما قرأته على تلك الشبكة (الإنترنت) التي أصبحت أحد المصادر الأساسية للمعلومات في جميع أنحاء العالم، حيث كشفت عن «الصورة الذهنية» للمواطن العربي من حيث معدل القراءة والحصول على المعرفة.. وهي المكون الأساسي للثقافة الحقيقية بدلا من «القشور» التي يحصل عليها البعض من قراءة العناوين في الصحف أو في بعض المواقع الإخبارية على الشبكة.

ولكن لماذا وصلنا إلى هذا الحال؟ والأرقام تقول إن لدينا أكثر من 600 ناشر عربي يجمعهم اتحاد للناشرين العرب، ومثل هذا العدد أيضا يجمعهم اتحاد للناشرين المصريين.

لقد حاولت الحصول على إجابة شافية في الندوة التي دعتني مكتبة الإسكندرية لإدارتها، والتي شارك فيها كل من الأستاذين محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، وسعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين، وكان عنوانها «تحديات صناعة النشر في الوطن العربي».. وعندما عرضت ما لدي في التقديم سارع رئيس اتحاد الناشرين العرب بالنفي، مشيرًا إلى أن هذه الأرقام ليست صحيحة على إطلاقها، فلا يوجد لدينا مؤسسات يعتد بها للقياس أو استطلاع الآراء حول مثل هذه الموضوعات، وتساءل ما معنى أن يكون لدينا برنامج سنوي لإقامة معارض مختلفة للكتاب في أغلب البلاد العربية إلا لم يكن هناك كتب جديدة تصدر، وقارئ يحرص على اقتنائها؟ وضرب مثلا بما حدث في معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير الماضي حيث تجاوز زواره المليونين في عشرة أيام فقط.

كذلك كان رأى رئيس اتحاد الناشرين المصريين مؤكدًا غياب الأبحاث الميدانية عن اتجاهات القراءة، فضلا على خروج أربع دول عربية على الأقل من هذا السوق في السنوات الأخيرة ومنها ليبيا والعراق واليمن وسوريا، موضحًا أن بعضها عاد إلى السوق مثل العراق وسوريا لكن ليس بالقوة التي كانوا عليها قبل ثورات الربيع العربي، ومع ذلك فقد شهدت بغداد معرضا ضخما للكتاب العربي في شهر إبريل الماضي، وسوف تشهد دمشق مثله في يوليو المقبل.

وبالطبع حدث نقاش وجدل حول الأسباب والمعوقات والتحديات بين المشاركين في الندوة وبين رئيسي الاتحادين المعنيين بالأمر.. وأوضحا أن هناك محاولات جادة لإعادة تنظيم السوق، ومواجهة ظاهرة التزوير التي انتشرت بشكل مزعج في السنوات الأخيرة، إلى جانب البحث عن حلول مناسبة لمشكلات ارتفاع تكاليف الشحن والاشتراك في المعارض وكذلك الضرائب والرسوم المختلفة، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع أسعار ورق الطباعة والخامات الأخرى.

على أي حال.. وبالإضافة إلى ما قيل في تلك الندوة التي لم يتسع وقتها لكافة التفاصيل، فإنني أعتقد أن شبكة التواصل الاجتماعي بتفريعاتها المختلفة، وشاشات القنوات الفضائية أصبحتا منافسا قويا لفضيلة القراءة في العالم العربي، بل يمكن الجزم أنهما احتلتا الأولوية وسرقتا الوقت من القارئ العربي الذي لم يعد يقرأ سوى ربع صفحة فقط سنويا طبقا لبعض الإحصائيات غير المؤكدة!

هذا بالإضافة إلى توقف أو غياب- في مصر كمثال- بعض المشروعات التي كانت عاملا جاذبا للقراءة.. مثل مشروع «مكتبة الأسرة»، فقط خلط البعض بين السياسة والثقافة، وأوقف المشروع المحسوب على النظام السياسي السابق في مصر!

نعم.. هناك محاولات تقوم بها هيئة قصور الثقافة المصرية لتوفير بعض أمهات الكتب بأسعار مناسبة في السوق المصري، لكن المشروع مازال في بدايته وليس بالحجم الكبير الذي كانت تصدر به كتب المشروع السابق.

وأيضا.. هناك مشروع «تحدي القراءة» الإماراتي، لكنه مازال في عامه الأول.. ونأمل أن يستمر.. ويتوسع في أغلب البلاد العربية، ولكن المشكلة الأساسية.. أن الجيل الجديد ليس شغوفا بقراءة الكتب كما كانت الأجيال السابقة.

أيضا غياب المؤلف الفذ الذي كان يقوم البعض بحجز نسخ كتبه الجديدة وهي بالمطبعة، مثل أنيس منصور، أو مصطفى محمود، أو نجيب محفوظ وغيرهم.

نعم.. لدينا مؤلفون شباب يبشرون بالخير.. وبعضهم صدرت لمؤلفاته أكثر من طبعة.. ويحرص الشباب على متابعتهم واقتناء كتبهم، ولكنهم- حتى الآن- يبدون كأنهم «ظاهرة مؤقتة» غير قابلة للاستمرار والتطور.

إذن.. لا بديل من اعتبار «الثقافة» مشروعًا قوميًا.. سواء على المستوى المحلي أو العربي، وما يعنيه ذلك من إعادة انتشار المكتبات العامة في الأحياء والمدارس، والبحث عن المواهب من المؤلفين الشباب ونشر مؤلفاتهم ودعمهم أدبيا.

وإعادة النظر في كافة الرسوم والضرائب وغيرها من التكاليف غير المبررة التي تحد من إعادة انطلاق صناعة النشر في مصر والعالم العربي.

فالثقافة.. هي غذاء العقل.

فهل يجوز التضحية بالعقل السليم؟

حفظ الله شبابنا.. وألهمهم الرشد والصواب

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز