عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الطريق إلى فارس

الطريق إلى فارس

بقلم : هاني عبدالله

خلال كلمته «الثلاثاء» الماضى (8 مايو)؛ أعلن الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من «الاتفاق النووى الإيراني»، المُوقع فى عهد الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما».. وهى الصفقة التى لطالما وصفها «ترامب» (مرارًا، وتكرارًا) بأنها «اتفاقية سيئة» (بل الاتفاقية الأسوأ، على الإطلاق).. وكان من بين ما تضمنته كلمة ترامب:

(أ)-  كان من المفترض أن يحمى الاتفاق الإيرانى (المزعوم) الولايات المتحدة وحلفاءها من جنون «القنبلة النووية الإيرانية».. وهو سلاح (والقول لترامب) لن يُعرض للخطر سوى بقاء «النظام الإيراني» نفسه.
(ب)- فى الواقع.. سمحت الاتفاقية لإيران بمواصلة «تخصيب اليورانيوم».. وبمرور الوقت وصلنا إلى حافة «الاختراق النووي».
(ج)-  اليوم.. لدينا دليل قاطع على أن هذا «الوعد الإيراني».. كان مُجرد كذبة.

عبر شواهد تاريخية [متنوعة].. كان للنشاط النووى الإيرانى ما يدعم تحرك «طهران» نحو تخصيب اليورانيوم بالفعل (حقبة التسعينيات نموذجًا).. إلا أنّ المشهد - فى الوقت الحالى - بات شديد التعقيد والتركيب.. ففيما يجزم «دونالد ترامب» بامتلاكه أدلة [قاطعة] على أنّ الوعد الإيرانى بعدم تخصيب اليورانيوم، مُجرد كذبة؛ كان أن تعرض تصريحه [هذا] لجملة من الانتقادات الواسعة (حتى فى الداخل الأمريكي، نفسه).. إذ احتج الرافضون لهذا الاتهام بما ردده (من قبل) كلٌ من: وزير الخارجية «مايك بومبيو» (Mike Pompeo)، ومدير الاستخبارات القومية «دانيال كوتس» (Daniel Coats) بأنه لا يوجد - إلى اللحظة - أى دليل على اختراق «طهران» للاتفاق النووي، وتخصيب اليورانيوم .. وهى نظرة ليست بعيدة – فى الوقت الراهن – عن تقديرات شركاء واشنطن الأوروبيين [الملتزمين بالمضى قُدمًا فى الاتفاق النووي].
.. وكان من بين ما احتج به المعترضون على [المنطوق الأخير] لتصريحات ترامب – أيضًا - ما ردده هو نفسه، فى الماضى [القريب] حول أنّ إيران تنتهك [روح الاتفاق] بتشجيع «الخلافات» فى منطقة  الشرق الأوسط.. بما يعنى أنّ «ترامب»، حتى انسحابه من «الاتفاق النووي» لم يكن يمتلك (أو أجهزة استخباراته) أى أدلة على وجود اختراق [فعلي] من قبل إيران للاتفاق المُبرم مع إدارة سلفه. 
إلا أنّه يُمكننا النظر إلى حالة التعارض بين تصريحات «ترامب» فى ضوء ما نبه إليه «روبرت ساتلوف» [فى «ذى هيل»]، قبل 10 أيام، من أنه يعكس [الشخصية] الكلاسيكية لـ «ترامب».. إذ يتفاخر الرئيس الأمريكى (دومًا) بأنه قادر على إثارة حيرة «الحلفاء»، و«الخصوم» أيضًا، حول خطوته التالية (!)
لذلك.. كان أن سعى «ساتلوف» (وهو - بالمناسبة - من معارضى الاتفاق النووي)؛ لوضع استراتيجية [جديدة] أمام الرئيس الأمريكي، حال انسحابه من الاتفاق، بما يُحقق أكبر قدر من المصالح الأمريكية فى المنطقة، عبر 4 خطوات:
أولاً: التفاوض على اتفاق أفضل يقوم بتصحيح عيوب الاتفاق الأصلي، عبر تضمين [قيود دائمة على التخصيب]، وفرض حظر على تطوير الصواريخ الباليستية، واعتماد نظام تفتيش (أكثر تغلغلاً).. وقد يتطلب ذلك توفر «ورقة ضغط» تُجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات (بما فى ذلك إعادة فرض العقوبات التى وضعتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة)، أو فرض غرامات [ثانوية] على الدول التى لا تقلّص مشترياتها من «النفط الإيراني» إلى مستويات منخفضة بما فيه الكفاية (وهو ما أشار إليه – بالفعل – ترامب فى كلمته).
ثانيًا: التفاوض على اتفاق أكثر أهمية لا يقوم فقط  بإصلاح العيوب فى الاتفاق القديم، بل يتناول الأنشطة [الإقليمية الإيرانية، أيضًا.. بما فى ذلك دعم طهران للميليشيات «الشيعية» فى كل من: سوريا والعراق، مما أدى إلى تغيير الوضع الأمنى فى المنطقة، وأثار قلق العرب و[الإسرائيليين، أيضًا].
ثالثًا: إطلاق سياسة تسعى إلى [تغيير النظام].. وهو نهج جريء، يُمكن أن يتحقق عبر إبراز «فساد النظام» القائم فى طهران.. كما يُمكن للرئيس الأمريكى أن يتذرع بأن سعى إيران للسيادة الإقليمية، يشكل خطرًا واضحًا وشاملاً على المصالح الأمريكية.. وبطبيعة الحال (والقول لـ«ساتلوف») قد تأخذ الجهود الرامية إلى [تغيير فى النظام] أشكالاً عديدة، بعيدًا عن المواجهة العسكرية. (دعم المعارضة الداخلية، نموذجًا).
رابعًا: تنفيذ [استراتيجية الانكماش فى الشرق الأوسط].. وذلك عبر أن تُقلّص «الولايات المتحدة» من تعرّضها للمشاكل الخطيرة والمستعصية فى المنطقة.. وفى هذا السيناريو، ستواصل الولايات المتحدة تقديم (وبيع) الأسلحة إلى حلفائها [المحليين]؛ لكى يتمكنوا من مواجهة إيران ووكلائها.. كما يُمكن للرئيس الأمريكى أن يربط الانسحاب من الاتفاق النووى بعقيدة الردع الجديدة التى تنص على ما يلي: أى دليل على قيام إيران بتخصيب المواد الانشطارية إلى درجة تتخطى مستوى معيّناً من شأنه أن يؤدى إلى قيام الولايات المتحدة بـ «عملية عسكرية» [ضخمة] تهدف إلى إنهاء النظام.

بقياس ردود الأفعال الإيرانية التالية لإعلان الانسحاب الأمريكى من الاتفاقية؛ لا تبدو الخطوتان (الأولى والثانية) من الاستراتيجية المُقترحة ممكنتين فى القريب.. إذ تمسكت «طهران» بموقفها.. بل طالبت [قياداتها الدينية] بمزيد من التصعيد فى مقابل الموقف الأمريكى (!).. وهو ما قد يُنذر بعديدٍ من التوترات اللاحقة فى منطقة الشرق الأوسط؛ إذ تتصاعد [تدريجيًا] بين الروافد المُغذية لصناعة القرار داخل الولايات المتحدة الأمريكية، مطالب «تغيير النظام» الإيراني، بأى وسيلة.. وهو ما قد يدعم سيناريوهات [تغيير النظام]، التى عرفت طريقها نحو «المكتب البيضاوي» فى أوقات سابقة.
.. وعلى هذه المساحة (فى منتصف سبتمبر الماضي)؛ أشرنا إلى واحدة من أهم تلك الاستراتيجيات المقترحة.. إذ دارت حول سيناريوهات [ما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي].. وكان من بين ما شملته الاستراتيجية «المُقترحة» من تكتيكات:
(أ)- إجراء مشاورات «مبكرة» مع اللاعبين الرئيسيين، وبذل جهد عالمي؛ لإقناع حلفائنا، وشركائنا [وغيرهم] بأنّ سلوك إيران بات «غير مقبول».. (وعلى الرغم من أن هذا الجهد يمكن أن يتسرب إلى الصحافة)؛ فإن «البيت الأبيض» يجب ألا يقود الأمر بمعزل عن هؤلاء الشركاء.. وأن يتبنى (عند الاقتضاء) إسهاماتهم، ومقترحاتهم.. بما يُرسى الأساس؛ لفرض عقوبات جديدة تحول دون نقل التكنولوجيا النووية والصاروخية [أو تكنولوجيا الاستخدام المزدوج] إلى إيران.. وبالتعاون مع «إسرائيل» (والشركاء الآخرين)؛ يُمكننا دراسة [الخيارات العسكرية!].
(ب)- إنهاء جميع حقوق هبوط الطائرات الإيرانية، أو رسو سفنها بجميع «الموانئ» الحليفة.
(ج)- إنهاء جميع التأشيرات الخارجية للإيرانيين، بمن فى ذلك «رجال الدين»، و«الطلاب»، و«البعثات الرياضية»، وغيرها.
(د)- التقدم بطلبات لتحديد موعد نهائى للأحكام القضائية الفيدرالية الأمريكية المتعلقة بدعم إيران للإرهاب، بما فى ذلك أحداث 11 سبتمبر.
(هـ)- الإعلان عن دعم الولايات المتحدة للمعارضة الإيرانية الديمقراطية (أى الدفع فى اتجاه تغيير النظام من الداخل).
(و)- الإعلان عن دعم الولايات المتحدة للتطلعات الوطنية الكردية (بمن فى ذلك الأكراد في: إيران والعراق وسوريا).
(ز)- تقديم المساعدة للبلوشيين وعرب خوزستان والأكراد وغيرهم.. وللمقاومة الداخلية (النقابات العمالية/ الطلاب/ المجموعات النسائية).

وعبر إعادة تفكيك [وتركيب] الموقف الأمريكى (فى ضوء التقارير السابقة واللاحقة للانسحاب من الاتفاق النووي)؛ يُمكننا ملاحظة أن «إدارة ترامب» باتت أكثر اقترابًا (من ذى قبل) فى التعاطى مع السيناريوهات الداعية لـ«إسقاط النظام الإيراني» بالفعل.. وهى سيناريوهات لم تكن وليدة اللحظة، بأى حال من الأحوال؛ إذ عملت عليها دوائر أمريكية متنوعة [فيما قبل العام 2009م] مباشرة.. إلا أنّ لهذا الاقتراب [هدفًا عسكريًا] أعمق، سيتكشف بعد قليل.
فحسب استراتيجية وضعها «مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط» (بمعهد بروكنجز) فى 20 يونيو من العام 2009م؛ لا يُمكننا – ونحن نُعيد قراءة المشهد - أن نستبعد (بأى حال من الأحوال) أنّ ما يفعله «ترامب» فى الوقت الحالي، هو امتداد مباشر لتلك الاستراتيجية.. إذ ثمة [تقاطع] مُثير بين ما يردده الرئيس الأمريكى (الآن) وما جاء نصًا باستراتيجية «بروكنجز» المُقترحة.
فالاستراتيجية (التقرير) التى حملت عنوان: [أى طريق إلى فارس؟: الخيارات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إيران]؛ تضمنت آليات متنوعة للإجهاز على «نظام طهران» [البترولي]، عبر أكثر من وسيلة [كان من بينها الخيار العسكري، أيضًا].. إلى جانب إثارة حالة من عدم الاستقرار الداخلى [عبر الثورة الملونة]، وتشجيع الاضطرابات العنيفة، والحرب بالوكالة (لاحظ هنا – أيضًا – الخطوة الرابعة من استراتيجية ساتلوف السابقة).. فضلاً عن الضربات الجوية «المحدودة»، التى يُمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة، أو إسرائيل [أو كلتاهما].
وفيما يتعلق بـ «الخيار العسكري»؛ ذكر التقرير ما نصه: (... من المرجح أن أى عملية عسكرية ضد إيران لن تحظى بشعبية كبيرة «فى جميع أنحاء العالم».. وهو ما يتطلب من واشنطن وضع  السياق  الدولى المناسب - لضمان الدعم اللوجستى الذى تتطلبه العملية، ولتقليل الانتكاسات – وبالتالي.. فإنّ أفضل طريقة لتقليل التداعيات على الصعيد الدولي، هى تعظيم الدعم (حتى لو كان سريًّا) لأن يكون هناك اقتناعٌ  واسع بأن الإيرانيين قد تم منحهم الفرصة، لكنهم رفضوا عرضًا رائعًا، بإصرار النظام الإيرانى وتصميمه على امتلاك السلاح النووي.. وفى ظل هذه الظروف، يُمكن للولايات المتحدة [أو إسرائيل] تصوير عملياتها على أنها من قبيل الحزن والأسي، لا من قبيل الغضب.. وفى هذا السياق، قد يستنتج المجتمع الدولى – على الأقل - أنّ الإيرانيين «جلبوا الشر على أنفسهم»، برفضهم صفقة جيدة جدًا).
.. وهو ما قد يدعم تصورًا (يروج له عددٌ من النشطاء الأمريكيين، فى الوقت الحالي) حول أنّ «إدارة أوباما»، [ربما] تكون قد منحت إيران تلك «الصفقة» كخطوة أولى فى سياق «استراتيجية بروكنجز»، قبل أن يتم الانقضاض على الاتفاقية نفسها، فى وقت لاحق.. لذلك؛ كان أن تابع التقرير استشهاداته:
(... والحقيقة هى أن كل هذه الحالات ستكون صعبة.. ولهذا السبب، سيكون من الأفضل بكثير لو أنّ الولايات المتحدة يمكن أن تستشهد باستفزاز إيرانى كمبرر للغارات الجوية قبل إطلاقها.. فمن الواضح أنه كلما كانت الأعمال الإيرانية أكثر فظاعةً، وأكثر فتكًا، وأكثر إثارةً للاحتجاج؛ كان ذلك أفضل بالنسبة للولايات المتحدة.. وبالطبع، سيكون من الصعب للغاية على الولايات المتحدة أن تدفع إيران إلى مثل هذا الاستفزاز من دون أن يدرك بقية العالم هذه اللعبة، التى من شأنها أن تقوضها.. وبالتالي، فإنّ إحدى الطرق التى يُمكن أن يكون لها تأثير ناجح، هى زيادة الجهود [السرية] لتغيير النظام، على أمل أن تقوم طهران بالرد الصريح، أو حتى «شبه العلني».. بما يُمكن تصويره على أنه عمل «عدوان إيراني» غير مبرر).
وفى الفصل الخامس من الوثيقة، الذى يحمل عنوان: [اتركه إلى بيبى (أي: نتنياهو): السماح أو تشجيع ضربة عسكرية إسرائيلية].. يقول التقرير: 
(... الميزة الأكثر بروزًا فى خيار الحملة الجوية الأمريكية، هى احتمال أن تُلام إسرائيل وحدها على الهجوم، إذا ثبتت صحة ذلك.. وبالتالي.. فمن الممكن أن لا تضطر الولايات المتحدة إلى التعامل مع الرد الإيراني، أو رد الفعل الدبلوماسى الذى سيصاحب عملية عسكرية أمريكية ضد إيران.. وهذا سيسمح  لواشنطن  بامتلاك كعكتها [تأخر حصول إيران على سلاح نووي]، وأكلها أيضًا [تجنب تقويض العديد من المبادرات الدبلوماسية الإقليمية الأخري] الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية).
لكن .. إلى أى مدى ستكتمل تلك الاستراتيجية إلى نهايتها.. فهذا ما ستثبته – يقينًا – الأيام التالية وحدها.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز